د. إلهام سيف الدولة حمدان – مصر من المفارقات الغريبة والعجيبة في هذا العالم؛ أن يجيء الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وكذا مهرجانات الاحتفال بعيد المرأة الأم، في شهر مارس من كل عام، برغم أنه من المعروف أن " مارس " هو رمز إله الحرب في الأساطير عند الرومان ! وربما تم اختيار " مارس " شهرًا للاحتفال بالمرأة كإشارة رمزية إلى محبوبته " أفروديت " إلهة الحب والجمال التي أنجب منها"رومولوس" و "ريموس" بُناة روما،ويروى أنهما تركا عندما كانا طفلين في العراء كي يموتا، ولكنّ ذئبة قد حنّت عليهما وأرضعتهما ، وهنا تكمن أيضًا الإشارة إلى عظمة وروعة معنى الأمومة الحقيقية التي تمثلت حتى فى أنثى الحيوان ! وتعالوا بنا نتخيل أن تلك الأساطير قد ترجمتها السينما المصرية في أعمالها لتخليد دور المرأة عمومًا والمرأة الأم خصوصًا، وهذا يشدنا إلى معرفة تاريخ سينمانا وكيف قامت صناعتها وبداية انطلاقها فى شرقنا العربي، لنجد أن صناعتها بدأت على يد المرأة المصرية، التي تمردت على منطق عائلاتها فى بدايات القرن الماضي، التى كانت تستهجن أن تقوم المرأة بالدخول في عالم الفن بكل أشكاله أساساً ، فمابالنا بفن السينما الذي كانوا يعدونه رجسٌ من عمل الشيطان؛ بل إخلال بشرف العائلات الارستقراطية فى مصر .. أو هكذا تخيلوا ! وكانت الأفكار السائدة في هذه الأوساط أن الاخراج السينمائي يعد عملاً مقصورا الرجال ، وبرغم كل هذا كان ميلاد صناعة السينما المصرية على يد امرأة متمردة على فكر عائلتها؛ وقامت بالإخراج والتأليف والإنتاج، ولتشهد الساحة الفنية أول مخرجة سينمائية في العالم؛ وهي عزيزة أمير؛ صاحبة أول فيلم عربي صامت إنتاجًا وتمثيلاً لدور البطولة فيه؛ وقامت بعرضه بدار سينما " متروبول" فى نوفمبر 1927، ثم كانت مغامرتها الثانية الناجحة فى عام 1929 بقيامها بإخراج فيلم " بنت النيل " عن النص المسرحي "إحسان بك " للفنان القدير محمد عبد القدوس، ثم اقتحمت عالم صناعة السينما باستمرارها في عالم الإنتاج كصاحبة شركة " ايزيس فيلم" وأنتجت للسينما خمسة وعشرين فيلمًا وهو رصيد هائل للمرأة المصرية في هذا المضمار . ثم ظهرت بعدها الممثلة المسرحية /فاطمة رشدى؛ ويعدونها الرائدة الثانية للسينما المصرية، وبرغم كونها ممثلة مسرحية بارعة؛ إلا أنها وقفت أمام كاميرات السينما لتقوم ببطولة فيلم " العزيمة " للمخرج كمال سليم ..حيث جعل منها رائدة خالدة فى تاريخ سينمانا ففيلم "العزيمة"يعد واحدا من أحسن مائة فيلم فى قائمة السينما المصرية وفتحاً لظهور السينما الواقعية ، وفور نجاحها في هذا الفيلم؛ قررت أن تدخل حقل الانتاج السينمائي؛ علاوة على قيامها بالإخراج والتأليف والاضطلاع بالبطولة أيضًا إلى جانب الإنتاج . ثم نأتي لصاحبة تاريخ التمرد الحقيقي على فكر عائلتها الأرستقراطية؛ التي تنظر إلى فن السينما على أنه كبيرة من الكبائر ويعد عارًا على المشتغلين بها، وبرغم أنها سليلة عائلة موسيقية وذاع صيتها في التأليف الموسيقي؛ وكانت تبيع مؤلفاتها الموسيقية إلى شركات أوديون بالقاهرة و كولومبيا بالأسكندرية ، ونشرت صورتها على غلاف مجلة" المستقبل" كأول مؤلفة موسيقية مصرية ، لتقع المجلة فى يد المخرج محمد كريم الذى تصادف بحثه عن وجه جديد ليقوم ببطولة فيلمه الصامت "زينب" 1930. ومن هنا كان الفيلم من نصيب صاحبة الغلاف "بهيجة حافظ" التى رحبت بالعمل فى السينما لتسجل اسمها كرائدة من رائدات هذا الفن فى تاريخه الصامت ، وعلاوة على هذا النجاح، فقد قامت بتأليف الموسيقا التصويرية لهذا الفيلم .. وكان هذا أول فيلم مصري توضع له موسيقا تصويرية خاصة من أجله .. ثم قامت بعد ذلك بالتصدى لبطولة وإنتاج وتصميم الأزياء ووضع الموسيقا التصويرية والإخراج . ولا أود في استعراضي لدور المرأة فى صناعة السينما المصرية أن أبخس دور صاحبة الأصل اللبنانى السيدة"آسيا داغر" في الفضل على هذه الصناعة ، ويرى مؤرخو السينما أنها بدأت الإنتاج موازية لفترة وزمن الفنانة عزيزة أمير ، ولست هنا بصدد رصد من هي صاحبة السبق ، ولكني أرصد وبصدق الإسهامات الفعالة للمرأة في عالم صناعة سينمانا، ورصد أصحاب البصمات المميزة فى تلك المسيرة العظيمة التي سبقت العالم العربي في هذا المضمار، فلقد قامت الفنانة " آسيا داغر " بالتأسيس لشركة " لوتس " للإنتاج والتوزيع السينمائى ، وكفى بها أنها تعد أول من قدم عملاً تاريخيًا للسينما بإنتاجها فيلم " الناصر صلاح الدين " فى فترة المد الثوري فى ستينيات القرن الماضي؛ وهو أول فيلم مصري بالألوان والسينما سكوب ، وكان تتويجًا لحياتها الفنية الطويلة فى هذا المجال . إنها المرأة المصرية العظيمة التي اقتحمت كل المجالات، وكان لها شرف السبق والريادة في تاريخ مصر المحروسة ، وهي صاحبة التاج والصولجان منذ تربعت على عرش مصر نفرتيتي وحتشبسوت وكليوباترا .. وحتى شجرة الدر . تحية للمرأة المصرية والأم المصرية فى احتفال العالم بها .. وليذهب " مارس" إله الحرب إلى حافة الهاوية .. فستظل المرأة هى الوردة والياسمينة التي تعطي الزخم ورائحة الجمال والحب أينما كانت . أستاذ العلوم اللغوية أكاديمية الفنون