لعل ما تأكد لدينا من استعداد الحكومة لدفع مشروع قانون نقابة الاعلاميين إلي مجلس النواب ثم مشروعات قوانين المجلس الموحد للإعلام والهيئتين الوطنيتين يجعلنا نتفاءل تؤكد كل الدراسات والأبحاث أن الإعلام بإمكانياته التكنولوجية الهائلة صار أخطر سلاح في عصرنا الحديث فهو الذي يمكن أن يحرك الأحداث أو يوقفها وهو الذي يمكن أن يحشد الجماهير أو يفض جموعها أو يضللها وهو الذي يمكن أن تكون الحياة معه وبه جميله ولونها «بمبي» أو تكون قبيحة ولونها «كحلي» لذلك - وانطلاقا من هذه الحقيقة المدوية - تتجه العيون والعقول والقلوب صوب الإعلام عندنا ترصد ما يحققه من إيجابيات (وهي محدودة للغاية) وما ينزلق إليه من سلبيات وهي للأسف كثيرة حتي يكاد الإعلام المنفلت يغرق الشارع والأسرة في خلافات وانشقاقات فيقلب الحقائق، ويصور المذنب ضحية وبطلا، كما نراه في بعض المظاهرات التي تطلق أسوأ الشعارات وأخطر الإشاعات فلا هي تدافع عن «الأرض» كما قالوا ولا هي تدافع عن «الحرية» كما زعموا حيث تظهر الأهداف الخفية فإذا بها تدعو إلي إسقاط الدولة بشكل أو بآخر وتطلق أكاذيب وادعاءات يتلقفها الأعداء المحركون لها والمتربصون بمصر وثورتها وسرعان ما يوجهون الانتقادات والاتهامات.. والانذارات.. والتهديدات لتكون الضحية في النهاية هي مصر العزيزة لولا يقظة الشعب ووعي القيادة. ولا تتوقف خطايا الإعلام عند هذا الحد فلماذا يترك القيم والمبادئ والمثل والأعراف دون أن تمتد نحوها أصابع التخريب والتشويه فتتملئ القنوات والصحف والإذاعات بالشتائم والملاسنات والاستهزاء بالعادات والمعتقدات ثم يتجه إلي الخوض في أعراض الناس خاصة المشاهير ولا مانع من نشر معلومات أو تسريبات أو سيديهات لتقضي علي مستقبل بعض الشخصيات بغض النظر عن صحة ودقة ما تطلقه تلك الشاشات. ثم يلتفت الإعلام المغرض صوب علاقات مصر مع الدول الشقيقة والدول الصديقة وأي دولة تحترم تاريخنا العريق فيبث سمومه في هذه العلاقات كما حدث مع الجزائر والمغرب والسودان ومحاولاته الجديدة ضد السعودية وما ينتج عن ذلك سواء كان بحسن أو بسوء نيه هو محاولة عزل مصر وإيقاف مسيرتها علي طريق البناء والتنمية والتقدم. ولقد كتبت وأذعت كما كتب غيري وأذاع الكثير عن أحوال الإعلام المنفلت وأجنداته المختلفة وطالبت كما طالب غيري بضرورة إنقاذ الإعلام من نفسه حتي يتخلص من الصورة البشعة التي التصقت به وغطت علي اجتهادات ووطنية البعض وعندما يتحقق للإعلام ذلك يصير سنداً ودعماً لمصر بدلا من أن يكون خنجرا في ظهرها ومتوافقا مع أعدائها. وها هو ذا شاعرنا الكبير «الدكتور أحمد تيمور» يستوقفه الواقع المؤلم للإعلام فيكتب قصيدة طويلة اختار لها عنوان «في محاولة عاجلة للانقاذ» أقتطف بعض أبياتها التي تقول: سننقذ إعلامنا من نجوم التفاهة سننقذ إعلامنا من هجوم السفاهة سننقذ أفهامنا من حصار سرايا الفصام وميليشيات الغبا والبلاهة سننقذ أعصابنا من عصاب تذأب حتي أطار بلابل وجداننا وتثعلب حتي استباح شياهه سننقذ أحلامنا من كوابيس تأخذنا لانتحار الأماني تجفف نهر الأمان بأعماقنا وتسمم بالشائعات مياهه سننقذ إعلامنا من جراثيم معدية تتكاثر أعدادها في دمانا تشل قوانا.. وتحتل لب نهانا فبلدوزر الهدم منطقهم حيث تندلع النار في «التوك شوهات» ويحمي وطيس التراشق بالتهم الشائهات فمن يوقف الهدم حتي يقوم البناء مساكن مسكونة بالرخا والرفاهية؟؟ هكذا يري شاعرنا الكبير صورة الإعلام في هذه الأيام وهكذا يكشفها ويعريها ويدعو إلي تغييرها إلي الأفضل. ولعل ما تأكد لدينا من استعداد الحكومة لدفع مشروع قانون نقابة الاعلاميين إلي مجلس النواب ثم مشروعات قوانين المجلس الموحد للإعلام والهيئتين الوطنيتين يجعلنا نتفاءل بقرب قيام المنظومة الإعلامية الجديدة لإنقاذ الاعلام وإنقاذ مصر من أخطائه وخطاياه فنشد علي أيدي المهنيين والمخلصين من الإعلاميين والصحفيين وندفع الباقين إلي طريق الصواب.. أو طريق الحساب!