لم يعرفني الأستاذ، فلم أكن من دوائره القريبة، ولا حتي دوائره البعيدة، برغم أني التقيته أكثر من مرة، ورغم أني واحدة من محبيه...أراه النموذج الأمثل للكاتب والصحفي ساحر العبارة،باهر الفكرة.. جملته السردية فاتنة وبليغة، دقة متناهية تستند إلي تدفق المعلومات، وقدرة علي استخدام الوثيقة مضافة إلي حيوية الواقع، قدرة علي التأمل والتحليل دون أن يقدم إجابات يقينية، بقدر ما يدفعنا لطرح السؤال.. كل المرات التي التقيت فيها الأستاذ هيكل، كانت مصادفة، وكلها كانت مناسبات فنية..حفل موسيقي في الأوبرا،والمرة الأولي(قبل سنوات كثيرة) في المسرح القومي، ولا أعرف من أين جاءتني الجرأة، حين اقتحمت مجلسه وسط عائلته وأصدقائه (أستاذ هيكل أريد أن أسلم عليك) فانتحي بي جانبا في تواضع لافت، وبمودة شديدة منحني أمنياته الطيبة...لكن اللقاء الأخيرقبل عامين،كان في مكتبه المطل علي النيل، وبدعوة منه (نعم بدعوة منه)!!..والغريب أني لم أسأل عن سبب الدعوة(اكتفيت بالفرحة بها)..امتد اللقاء أكثر من ساعة، تحدث الأستاذ في موضوعات عديدة الدستور،الانتخابات الرئاسية، شباب الثورة، واللوحات التشكيلية التي يقتنيها، وتشغل مساحة حائط كامل، بارتفاع طابقين في بيته الريفي (ببرقاش) لوحات لسيف وانلي،وإنجي افلاطون،وأحمد صبري، وحسن سليمان،والجزار،ومحمود سعيد،وصلاح طاهر وكثيرين غيرهم (كان ذلك قبل تعرض بيته ببرقاش للحريق) .هيكل يعتبر الفن الأب الحقيقي للثقافة، والفن التشكيلي تحديدا الحلقة الرئيسية في قصة الصعود المدهش علي سلم الحضارة الإنسانية...امتد الحوارحتي فاجأني الأستاذ: سبق أن أبديت دهشتي حول مقال تناولني في أخبارالأدب(كنت رئيسة تحريرها في ذلك الوقت) وأردت اليوم أن أخبرك، أن لا تشغلي بالك..!! كان صباحا غير كل الصباحات، تناولت خلاله فنجانا من الشاي مع الأستاذ هيكل.