لا يستطيع أي محلل للأحداث والتحركات في منطقة شرق البحر المتوسط سوي أن ينتابه الاعجاب للدور الرائد الذي أصبحت تضطلع به مصر السيسي.. سياسيا واقتصاديا. هذا التطور برز علي السطح بعد التحرك الاستراتيجي الناجح والفعال الذي تبناه الرئيس واتسم بالذكاء. انه تمثل في إحياء العلاقات التاريخية التي تربط مصر باليونان وبالتالي دولة قبرص. هذا التحالف الثلاثي ساهم في دعمه.. اكتشافات هائلة وغير مسبوقة للغاز في المياه العميقة بالبحر المتوسط في إطار منطقة السيادة البحرية المصرية والقبرصية.. هذا الخير تجلت بوادره بالنسبة لمصر في بئر «شروق» داخل عمليات شركة «ايني» الإيطالية. علي ضوء ما سبق وتم إعلانه فإن عمليات التنقيب في المياه التابعة للسيادة القبرصية بشرق المتوسط أسفرت أيضا عن ان اكتشافات للغاز لكنها ليست في حجم الاكتشاف المصري. في هذا الشأن فإن توقعات الخبراء عن مستقبل الاكتشافات في المياه المصرية تنبئ بنقلة قياسية في أوضاع مصر الاقتصادية وهو ما سوف يكون لها انعكاسات سياسية فاعلة في علاقاتها مع الدول الأوروبية التي تحتاج لهذا الغاز. في هذا الإطار فإن تعاظم هذه المصالح المشتركة الاقتصادية والاستراتيجية مع كل من اليونان وقبرص تم استثماره بمزيد من التقارب السياسي وهو ما يعد بكل المقاييس ضربة معلم موجهة بشكل غير مباشر إلي أردوغان وسياسته التآمرية. إن تعظيم هذه العلاقة بالزيارات المتبادلة لقيادات الدول الثلاث والتي تدخل ضمنها زيارة الرئيس السيسي الحالية لليونان لعقد قمة ثلاثية يشارك فيها الرئيس القبرصي هي خطوة ذكية سوف تزيد من حنق المتآمر التركي. كما هو معروف فإن كلا من اليونان وقبرص الدولتين الأوروبيتين عضوتي الاتحاد الأوروبي تعانيان من الممارسات العدائية لهذا الأردوغان. يأتي علي قمة شواهد هذا العداء استخدام تركيا للقوة العسكرية لتقسيم قبرص إلي دولتين وشعبين علي أساس طائفي احداهما يونانية وهي الأصل والأخري لابناء الجالية التركية. وفي شأن الاكتشافات البترولية بشرق البحر المتوسط وما أدت إليه من تقارب وتطابق في المصالح بين مصر واليونان وقبرص فانها ولاشك تمثل عامل إحباط لطموحات أردوغان العثمانلي. ليس هذا فحسب ولكن المؤكد انها أفشلت أيضا سعي تركيا إلي إقامة حلف اقتصادي وسياسي في هذه المنطقة مع إسرائيل اعتمادا علي ما تحقق من اكتشافات غازية في المياه الإسرائيلية أنعشت أملها في امتدادها إلي مياهها الإقليمية. في إطار هذه العلاقات المتطورة بين مصر واليونان وقبرص والتي أصبحت محكومة بالمصالح المشتركة الوثيقة فإنه من المتوقع ان يكون علي رأس مباحثات القمة الثلاثية التي ستعقد في أثينا اليوم للتوصل إلي إطار عام لاتفاق حول تحديد حدود مياه السيادة البحرية للدول الثلاث في شرق البحر المتوسط. التوصل إلي هذا الاتفاق سوف يزيد من امكانات التعاون. يضاف الي ذلك ايضا ان هناك مصالح امنية مشتركة بين مصر واليونان للتعاون تمثل في مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية. سوف يشمل هذا التعاون ايضا التوسع في المشروعات المشتركة خاصة البحرية ومن بينها المساهمة اليونانية في تنمية مواني ومنطقة قناة السويس. هناك امل كبير في ان يكون لهذه الطفرة في العلاقات المصرية- اليونانية - القبرصية مردود ايجابي كبير علي حجم المنافع الاقتصادية لشعوب الدول الثلاث.