الكلمات الرسمية التي القيت في مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي تناولت العديد من القضايا.. التي لم يكن من المعتاد طرحها علي الرأي في سنوات طويلة سابقة المصارحة كانت الطابع المميز للمؤتمر الاقتصادي الذي دعت إليه دار أخبار اليوم.. وانهي اعماله منذ ساعات. المصارحة.. في المرحلة التي نمر بها كانت ضرورية.. بعد ثورتين شعبيتين.. قادتهما الجماهير الغفيرة.. وبات من حق هذه الجماهير أن تعرف حقيقة الأوضاع.. ليس فقط من أجل المعرفة.. وانما من أجل المشاركة وان يتحول المواطن في بلدنا من مواطن مستهلك إلي مواطن مشارك.. لانه يغير هذه المشاركة.. لن يحقق الاصلاح المنشود.. واستعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم. والمصارحة.. كانت القاسم المشترك الأعظم في تجارب الامم التي حققت المعجزات.. واستطاعت من خلال المشاركة الشعبية.. تحديد الأولويات.. التي تشغل بال القطاعات الرئيسية في المجتمع.. واسفرت بالتالي عن تحديد الادوار لكل الاطراف. واثبتت هذه التجارب أن المعارضة والمشاركة الشعبية كانت من أهم أسباب نجاح المشروعات التي بلغت في زمن المستشار الألماني الأسبق كونراد آديناور.. صاحب المعجزة الاقتصادية الألمانية.. مليون مشروع تحددت أولوياتها بناء علي رؤية البسطاء.. وليس رؤية الخبراء. واستطاع آديناور الذي اعاد بناء المانيا من تحت الصفر.. تحديد الأولويات من داخل اعماق المشاكل وليس من خارجها.. وكانت البداية في كل الاحوال هي المصارحة- باعتبارها الدعوة المفتوحة للمشاركة.. وهي السبيل الوحيد لاستعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم واستعادة الثقة بالاقتصاد ككل.. في العديد من المجالات التي لم تكن تجول بالخاطر.. فيما كان يطلق عليه آديناور «تحديث الواقع»!! بالنسبة للحالة التي نمر بها.. فليس سرا.. أن شعبنا المصري العظيم كان قد فقد الثقة في النظام السياسي الذي استمر لأكثر من 30 سنة.. مارس خلالها كل الوان تزييف الواقع.. بعد انعزالة الكامل عن الشارع.. وعن المعاناة التي يلقاها الشعب في حياته اليومية.. وتوغل البيروقراطية التي شكلت امبراطورية هائلة تقوض في مستنقعات الفساد وتعطيل المصالح. وكان السبب الرئيسي لفقد الثقة.. هو ترفع النظام الحاكم علي فكرة المصارحة.. من باب التعالي والترفع عن مخاطبة الفئات الدنيا.. مخاطبة الند للند.. أو الشريك في الوطن الواحد. الآن.. حان وقت المصارحة.. والحوارات التي اتسمت بالمصارحة.. في تناول القضايا.. التي كانت تتسم في عهود سابقة بالموضوعات الحساسة التي يجري تناولها في جلسات الهمس واللمز بالاشارة. وكانت كلمة رئيس الوزراء شريف إسماعيل. في المؤتمر الاقتصادي نموذجا لثقافة المصارحة التي افتقدناها طويلا عندما اشار علي سبيل المثال إلي محاربة الفساد.. وقوله عن حق اننا لا نستطيع تحقيق التقدم في وجود الفساد. كما اشار إلي العجز الكبير في الموازنة العامة الناجم عن الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد في السنوات الأخيرة.. وما تبعها من عدم الاستقرار الامني والسياسي. كما اشار رئيس الوزراء إلي قضية المصانع المتعثرة.. ذات العمالة الكثيفة والتي ألقت باثارها السلبية علي ارتفاع معدلات البطالة.. وليس سرا ان قضية البطالة تشغل بال كل بيت في مصر.. ولا تزال من القضايا التي لم تطرح علي الرأي العام بشكل يدفع المواطن للثقة في السلطات السياسية لتشعر به.. وانه محل اهتمام.. وما عليه الا الصبر الذي هو مفتاح الفرج. قال رئيس الوزراء في كلمته ان قضية البطالة في مقدمة اولويات حكومته- إلي جانب التعليم- وضبط اسعار السلع الاساسية.. كما اشار إلي السياحة.. وإلي رفع معدلات الادخار المحلية.. وقال ان معدل الادخار المحلي يقل عن 5٪ وهو امر يدعو لاخذه في الاعتبار.. ونحن نتحدث عن اصلاح المسار الاقتصادي الذي يشمل كافة قطاعات الدولة ابتداء من تشجيع السياحة.. وحتي اصلاح وسائل المواصلات وفي مقدمتها السكك الحديدية. أريد أن أقول إن الكلمات الرسمية التي القيت في المؤتمر الاقتصادي تناولت العديد من القضايا.. التي لم يكن من المعتاد طرحها علي الرأي في سنوات طويلة سابقة.. ولكن تبقي الأولويات.. هي قضية القضايا.. وفي مقدمة هذه الاولويات.. الانسان المصري الانسان الذي يستطيع التعامل مع قضايا المستقبل. وهي القضية التي تري انه يتعين ان تلقي الاهتمام وان تكون في مقدمة الاولويات.. واعني بها اعادة النظر في التعليم بكل مراحله.. واعادة النظر إلي التدهور المروع الذي قضي علي الدور التربوي الذي كانت تضطلع به المدارس في بلدنا منذ عشرينيات القرن الماضي.. وحتي اندلاع ثورة يوليو 1952.. التي اسندت وزارة المعارف لاناس ليسوا من أهل التخصص. واتصور ان قضية التربية والتعليم.. هي قضية الساعة التي يتعين وضعها في مقدمة الاولويات.. لسبب بسيط هو تأثير هذه القضية علي كافة المشاكل التي نواجهها.. ابتداء من مكافحة البيروقراطية وامبراطورية الموظفين.. وحتي احترام اشارات المرور.. وضبط السلوكيات الشاردة التي تطاردنا علي مدار الساعة.. كي يتسني لنا في يوم ما تنظيم مباريات كرة القدم بحضور الجماهير الغفيرة.. علي نحو ما قامت به دولة الامارات العربية عندما نظمت مباراة كرة القدم بين الاهلي والزمالك.. بحضور جماهيري يدعو للاعجاب والاحترام.. يوم الخميس الماضي. ويتعين علينا هنا ان نلاحظ الخيط الرفيع الذي يربط بين كافة مشاكلنا.. التي تلقي بنا في شراك المكر والفقر.. والتطرف وقلة الحيلة.. التي داهمتنا منذ سنوات بعيدة.. حتي تحولت الي عادات وسلوكيات بحكم التدرج والتمادي في ارتكاب الاخطاء.. وتعود في مجملها لقضية رئيسية.. هي قضية التدهور المهول الذي طرأ علي التعليم طوال العقود الاخيرة.. واسفر عن الاطاحة بالدور التربوي الذي كانت تضطلع به المدارس.. بل إنه ادي إلي الغاء المدارس وتعاظم الدور الذي تلعبه الدروس الخصوصية.. التي دمرت التعليم. نحن امام قضية رئيسية تتفرع عنها كل القضايا.. وهي قضية التعليم.. التي توفر لنا المواطن الذي يبني ويعمر.. ولا يكسر اشارات المرور.