كثيرا ما يرتبط النجاح في تحقيق المعجزات الاقتصادية.. باسم شخص واحد.. هو القائد.. أو الزعيم أو رئيس الوزراء فعندما نتحدث عن المعجزة الاقتصادية في ألمانيا يجري الحديث عن كوزاد آديناور.. الذي أقام ألمانيا من حزنها بعد الدمار الشامل الذي لحق بها بعد الحرب العالمية الثانية. وعندما نتحدث عن الصين.. يأتي ذكر ماو تسي تونج.. وعندما نتحدث عن الهند يأتي ذكر نهرو وغاندي.. وفي فرنسا.. نذكر ديجول وفي كينيا جومو كينياتا.. وفي الأرجنتين خوان بيرون.. وكذلك الحال في ماليزيا.. وكوريا.. واليابان.. وروسيا. سلسلة طويلة من القادة ارتبطت المعجزات الاقتصادية بأسمائهم.. وبقيت هذه الأسماء حية.. علي مر التاريخ.. بيد أن من الملاحظ.. ان التاريخ قد أغفل سر المعجزات.. والقاسم المشترك الأعظم في تحقيق المعجزات.. وهو »المصارحة«.. وفتح كل الملفات علي الرأي العام ودعوة المواطنين للمشاركة.. واقتراح الحلول! كان قادة المعجزات.. لا يقدمون الوعود والعهود بحل المشاكل.. ولا يبحثون عن الحلول التي تجري علي ألسنة خبراء الاستراتيجية الذين يطلون علينا في الفضائيات هذه الأيام ويحملون الدرجات العلمية والفصاحة اللغوية.. وإنما كانوا يتفقون في خاصية مشتركة.. وهي الحصول علي الحلول من الشارع.. واطلاع البسطاء علي ضيق اليد وان العين بصيرة واليد قصيرة.. كان ادريناور.. علي سبيل المثال.. يبحث عن الحلول من أصحاب المشاكل.. لدرجة أنه وافق علي المساعدة في تمويل مليون مشروع صغير.. وعندما سئل بعد ذلك عن هذا التهور.. قال ببساطة لانه عندما يفشل ربع هذا العدد أو نصفه.. أكون قد حققت النجاح في أكثر من نصف مليون مشروع! مشكلتنا في مصر.. سببها في رأينا.. اختفاء ثقافة المصارحة لسنوات وعقود طويلة.. اعتمدنا خلالها علي تقديس الحكام وان الدنيا ربيع والجو بديع.. واخفاء الحقائق عن عامة الشعب.. واعتبار المشاكل جزء من أسرار الدولة.. التي يتعين عدم اطلاع الشعب عليها.. وبالتالي نجحنا في عزل الشعب عن الحياة السياسية.. وقمنا بتهميش دور الجماهير العريضة في معرضة الحقائق.. وبالتالي مشاركتها في إدارة شئون بلدها.. أو مراعاة الظروف والأحوال. اعتمدنا.. لأجيال طويلة.. علي الصحفي الواحد.. الذي يتحدث عن الإنجازات. وعن الزعيم الملهم.. الذي يفكر وحده.. ويتخذ القرارات وحده.. وكتب أحدهم مانشتا لصحيفة كبري من جملة واحدة.. هي: مفاجأة الرئيس الذي لم يتوقعها أحد! وكان عن قرار اتخذه حسني مبارك.. بتعديل مادة في الدستور خاصة باختيار رئيس الجمهورية.. وتقضي بتغيير وسيلة الاختيار في الاستفتاء.. والأخذ بوسيلة الانتخاب الحر والمباشر لمن يحصل علي أكبر عدد من الأصوات من بين العديد من المرشحين! ونشر هذا المانشيت في الصحيفة الكبري في 5 مارس عام 2005 في أول محاولة لتوريث السلطة.. لنجل الرئيس.. بالانتخابات الحرة المباشرة. وقال الصحفي في مقاله »ما أكثر العالمين ببواطن الأمور« الذين فوجئوا كما فوجئنا جميعا.. بالقرار التاريخي الذي أعلنه الرئيس حسني مبارك في الكلمة التي ألقاها في نهاية زيارته لمحافظة المنوفية وأظهرتهم المفاجأة في صورة آخر من يعلم! والنماذج لا تقع تحت حصر.. وليس ذلك موضوعنا.. المهم.. ان هذه الثقافة التي تعتمد علي تجاهل الشعب.. وعلي اعتبار الجماهير الغفيرة.. ليست سوي قطيع من الماشية.. يحركها الزعيم بأصبعه تارة.. وبالهراوة تارة أخري.. قد أدت لانتشار السلبية بين الناس وإلي تفاقم النفاق بالاحترام والتعظيم للرئيس.. صانع المعجزات! كما أدت بالطبع إلي اختفاء الأحزاب السياسية وتراجع مشاركة الشباب في إدارة شئون بلادهم.. واحساسهم بالغربة داخل أوطانهم.. وكانت النتيجة هو ما نشهده هذه الأيام من تراكم ثقافة استمرت لأكثر من 60 سنة. من أهم سلبيات هذه الثقافة.. الزيادة السكانية الهائلة التي نشهدها الآن.. وسوف نعاني آثارها لسنوات طويلة قادمة.. وتعود لسبب واحد.. هو عدم مشاركة الشعب في إدارة شئون وطنه ومعرفة حقائق العلاقة بين الوارد المتاح والانفجار السكاني. تضاف إلي ذلك كارثة الاعتداء علي الأراضي الزراعية.. وتحويلها لعشوائيات سكنية تقضي علي قدرتنا علي توفير الطعام لكل فم في المستقبل. بل ان المظاهرات والمطالب الفئوية لعمال الشركات الخاسرة هي أحد مظاهر.. عدم اشتراك الشعب في إدارة شئون بلده لمدة تزيد علي 60 سنة. وإذا تأملنا ممارسات جماعة الإخوان الإرهابية.. والاعتداءات المتكررة بالسيارات المفخخة.. علي رجال الشرطة والجيش.. وفوضي المحاكمات.. وغيرها نجد اننا أمام قضية واحدة يتعين علينا تناولها بجدية.. وهي قضية المصارحة.. واطلاع الناس بالحقائق.. وخروج إبراهيم محلب إلي مواقع الأزمات ليصارحنا بسر استقالة الببلاوي!