المسئولية في بلدنا.. قفة كبيرة.. وثقيلة.. لانها تضم المشاكل والمصائب التي تراكمت.. وتفاقمت.. وتكاثرت خلال عقود طويلة.. فأولاد الشوارع.. لم يولدوا بالأمس ولا العشوائيات.. ولا تدهور السكة الحديدية والمستشفيات والمدارس.. ولا انتشار الامية.. ولا العنف في جامعة الازهر. كل هذه المشاكل.. وغيرها ظلت تترعرع إلي ان اصبحت كل مشكلة في حاجة إلي أكثر من قفة! ويرجع تراكم القفف.. لسبب بسيط.. هو اننا نواجه مشاكلنا الداخلية منذ عقود طويلة.. بنفس الاسلوب.. ونفس العقلية.. ونفس الثقافة.. عن طريق التقارير والاجتماعات.. ثم رفع التوصيات للجهات الاعلي..الغائبة عن الوجدان.. التي تنتهي بجملة: انا قلبي اليك ميال.. وما فيش غيرك ع البال! ثم يعقبها التوقيع بمسئول كبير.. هذه الطريقة في التعامل مع المشاكل.. لا تحلها.. وانما تزيدها مع الايام تعقيدا.. وتجعل وضع الحلول من سابع المستحيلات. نحن لا نعرف ثقافة نزول المسئول الكبير لواقع المشاكل.. ومتابعتها يوميا.. واجراء الحوار مع المواطنين والاستماع لمقترحاتهم والاستعانة بمن يري قدرته علي المساهمة في الحل.. نحن لا نعرف هذه الثقافة للاسف الشديد.. لان المنصب عندنا هو مقر »المنجهة« الذي ورثناه عن الثقافة الفرعونية.. وجلوس الفرعون فوق عرش السلطة.. يقرأ عن المشاكل من خلال التقارير.. ومن رجال البلاط أصحاب الحنكة في المحافظة علي صفاء امزجة الحكام.. وعدم تكديرهم بالبلاوي المسيحة طالما انها من الامور التي لا تهز العرش.. النظام السياسي القديم في مصر.. كان يعيش علي المشاكل.. وكلما انشغل الناس.. بالقطارات وحوادثها.. والمواصلات وبلاويها وازدحام الشوارع.. وازمات الغذاء.. والدروس الخصوصية.. وانهيار التعليم.. الخ.. ضمن الحاكم الفرعوني استمراره فوق عرش السلطة! ولذلك فقد سعدت بالزيارة الميدانية التي قامت بها »دستة« من الوزراء لست محافظات تبدأ من الجيزة والسويس.. وتنتهي في مرسي مطروح.. والاقصر.. وسعدت اكثر بوجود وزيرة الاعلام.. ووزيرة الصحة لسبب بسيط وهو أنها تجربة جديدة.. لبداية تفكير بأسلوب جديد ليس فقط لحل المشاكل.. وانما دعوة المواطنين للمشاركة في الحل.. أو ما يطلق عليه المشاركة المجتمعية.. وكان كونراد آديناور صاحب المعجزة الاقتصادية في المانيا هو مبتدع هذا الاسلوب في حل المشاكل الألمانية بعد الدمار الشامل الذي تعرضت له أثناء الحرب العالمية الثانية. كانت المشاركة الشعبية.. ومسئولية كل مواطن في حمل الاعباء الثقيلة التي ترتبت عن الحرب العالمية الثانية.. هي كلمة السر في تحقيق المعجزة الاقتصادية.. واحساس كل مواطن بأن البلد بلده.. يبنيها ويعمرها.. ويضع حجرا فوق حجر.. ولا يهدمها او يحرق منشآتها ومعها علم البلد.. رمز العزة والكرامة.. المشاركة المجتمعية هي التي رسخت قيم الوطنية.. وقدسية المال العام.. وحب الوطن.. والموت في سبيل الدفاع عن كل حبة رمل في أي مكان علي ارض الوطن.. كانت سياسة اديناور تقوم علي المصارحة.. واعلانه المستمر بأنه لن يستطيع حمل التركة الثقيلة.. المعقدة.. وحده.. وانه عاجز عن رفع اطلال الخراب والدمار وحده.. اما الروشته التي قدمها الرجل العجوز فكانت: نبني المانيا.. معا! وكانت سياسته.. ببساطة شديدة.. تعتمد علي فكرة حل المشاكل من تحت.. وليس من فوق.. وكان يردد جملة تقول اذا نظرت لاي مشكلة من فوق فسوف تجد انها معقدة.. وغير قابلة للحل.. اما اذا نظرت اليها من تحت.. ومن التفاصيل الصغيرة فسوف تجد انها بسيطة.. وقابلة للحل!.. ومن هنا لم يعتمد اديناور علي تقاير الخبراء.. وملفات المشاكل.. وانما اعتمد علي الحلول الميدانية التي تجري علي ألسنة البسطاء الذين يعانون المشكلة! كانت الجولات الميدانية.. وحواراته الضاحكة التي ترفع الكلفة وتزيد الالفة هي الطابع المميز لفترة حكم اديناور التي بدأت سنة 1949.. وكان يبلغ من العمر 73 سنة.. وانتهت سنة 1963.. وعمره 78.. وبات يحمل لقب »مستشار الامل« تارة.. و»صاحب المعجزة الاقتصادية« تارة أخري و»المستشار العجوز«.. تارة ثالثة! لماذا توصف انجازات اديناور بأنها معجزة؟ توصف بأنها معجزة لان الرجل تولي السلطة بعد 3 سنوات فقط من استسلام المانيا في الحرب العالمية الثانية.. بلا قيد ولا شرط.. وفي الوقت الذي مزق فيه الحلفاء.. الاراضي الالمانية الي اجزاء.. جزء لبريطانيا.. وجزء لفرنسا.. وجزء لأمريكا.. وجزء للاتحاد السوفيتي.. ولا يستطيع المواطن الألماني الانتقال بين اجزاء الاحتلال الا بموافقة السلطات الاجنبية المعنية.. علاوة علي ان المجلس العسكري للحلفاء الذي كان يضم جنرالات الجيوش المنتصرة.. هو الذي كان يقود البلاد.. وكانت خلافات المصالح بين اعضاء هذا المجلس العسكري تنعكس بالطبع علي السياسات التي ينتهجها اديناور.. ومن اهمها منع المانيا من اقامة مشروعات صناعية.. بالاضافة الي القرار الأمريكي الذي يقضي بحرمان المانيا من الحصول علي أي دعم مادي في اطار ما كان يسمي ب»مشروع مارشال« وهو المشروع الذي كان يهدف لاعادة بناء الدول الاوروبية التي دمرتها الحرب.. ما عدا المانيا.. كانت القفة في المانيا.. ثقيلة فعلا! في هذه الفترة التي لحق الدمار الشامل بكل المدن الالمانية.. لم تكن المانيا في حاجة فقط.. لخبير اقتصادي محنك.. ولا لسياسي بارع.. وانما كانت في حاجة إلي طبيب نفسي.. أو إلي طبيب روحاني علي رأسي محمد عبدالوهاب.. مهمته الاولي شحذ الهمم.. ورفع المعنويات.. واشاعة الامل بين الملايين من المواطنين الذين يعيشون في الدار بعد ان تهدمت منازلهم. ولعب اديناور.. دور الطبيب الروماني.. بمهارة فائقة رغم ان عدد الكلمات التي يستخدمها لاتزيد علي 200 كلمة.. واستطاع شحذ الهمم.. واشاعة الامل.. وحمل شمعة يهتدي بها كل مواطن في هذا الليل الدامس.. والظلام الحالك.. لم تكن زيارات وجولات اديناور الميدانية تحل المشاكل.. فقط ولكنها كانت تساعد علي رفع الروح المعنوية والوطنية الجارفة.. وان الحل ليس مستحيلا!.. ولذلك فقد تطلعت للجولات الميدانية التي قامت بها دستة الوزراء.. وفي مقدمتهم الوزيرة الثائرة.. ووزيرة لاعلام.. بعيون الاعجاب.. والارتياح. وعندما نشرت الصحف انباء هذه الجولة لدستة الوزراء يوم الجمعة 3 يناير 2014.. واستعرضت فيها مشاكل المحافظات الست.. تمنيت ان يكون العام الجديد الذي سنصوت فيه علي الدستور.. هو عام النهضة الحقيقية.. وازالة الانقاض.. وبناء مصر التي يفخر بها الابناء والاحفاد.. في سكون وخشوع! نحن في حاجة إلي دستة من الوزراء تنزل المحافظات.. كل يوم.. بل كل مساء ان استطعنا إلي ذلك سبيلا.. نحن نتمني ان نري وزراء بلدنا.. كل ثانية!