المؤتمر الاقتصادي.. يعقد وأمامنا سلسلة طويلة من التجارب.. واستطاعت بفعل منجزات ثورة العلم والتكنولوجيا.. ان تحقق ما نطلق عليه الآن مصطلح المعجزة الاقتصادية ساعات ويبدأ المؤتمر الاقتصادي الذي أخذ الزميل الأستاذ ياسر رزق زمام المبادرة في الدعوة إليه.. من باب المشاركة المجتمعية والرأي العام.. في تناول القضايا الاقتصادية التي تشغل البال.. وهي دعوة مشكورة وجاءت في الوقت المناسب.. لسبب بسيط وهو انه قد حان الوقت بعد ثورتين شعبيتين مجيدتين ان تشارك الجماهير الغفيرة في تحقيق أهداف الثورتين وصناعة المستقبل.. والانتقال من مجتمع استهلاكي لمجتمع انتاجي! المشاركة الشعبية.. كانت القاسم المشترك الأعظم.. في تحقيق المعجزات الاقتصادية.. في تجارب الدول التي تعد الآن من القوي الاقتصادية الصاعدة في العصر الحديث.. وفي مقدمتها بالطبع التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية وإعادة البناء من تحت الصفر.. والتجربة الصينية التي تعرضت للعديد من العقبات.. التي وضعتها المعتقدات البالية في طريق الانطلاق. وكانت الثورة الثقافية هي البداية لتحويل المجتمع الصيني من مجتمع استهلاك.. وخمول.. وسلبية الي مجتمع منتج ومبدع يصدر انتاجه لكافة دول العالم بما فيها الدول الصناعية الكبري وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وأصبح العالم كله بمثابة المجال الحيوي للصادرات الصينية. والجديد في الموضوع.. ان المؤتمر الاقتصادي.. الذي دعا إليه الزميل الأستاذ ياسر رزق يأتي وأمامنا سلسلة طويلة من التجارب الاقتصادية التي حققت النتائج المبهرة والتي يمكننا الاستفادة من دروسها ومن معالم طريقها.. كي نأخذ منه ما يناسبنا.. ويناسب المرحلة التي نمر بها.. ونسترشد بالأساليب والسياسات التي أدت الي تحقيق المشاركة الشعبية التي لم يكن من المتصور نجاح أي منها بغير مشاركة الشعب وجماهيره الغفيرة في عمليات الإصلاح... والسير في طريق الرشد والسداد.. وبناء دولة عالية الجدران.. شاهقة البنيان.. علي نحو ما جري في دولة الإمارات العربية علي وجه التحديد.. في الآونة الأخيرة علي سبيل المثال. أريد ان أقول ان المؤتمر الاقتصادي.. يعقد وأمامنا سلسلة طويلة من التجارب التي لم تكن متاحة منذ عشرات السنين.. واستطاعت بفعل منجزات ثورة العلم والتكنولوجيا والعقول الالكترونية المتناهية الصغر.. ان تحقق ما نطلق عليه الآن مصطلح المعجزة الاقتصادية. ولا أود هنا الاشارة الي الخبرة الألمانية التي ابتدعها المستشار الألماني كونراد آديناور بعد الحرب العالمية الثانية.. واعتماده المطلق علي المشاركة الشعبية.. وزياراته لمليون مشروع قام بالتخطيط لها بناء علي مقترحات الجماهير.. لسبب بسيط هو ان المعجزة الاقتصادية الألمانية.. تحققت في ظل عالم مختلف لم يعد له وجود الآن. المعجزة الاقتصادية تحققت قبل ان تطل علينا ثورة العلم والتكنولوجيا.. ووسائل الاتصال الحديثة.. والاقمار الصناعية التي تستطيع التنبؤ بالأحوال الجوية.. وعندما سئل أديناور عليه رحمة الله.. عن سر تخطيطه لمليون مشروع.. أجاب باختصار شديد.. لانه عندما يفشل ربع مليون مشروع.. أكون قد حققت النجاح. هذه التجارب كلها معروفة ومتاحة.. ونستطيع تأملها واستيعاب نتائجها.. ونحن بصدد بدء الطريق لتحقيق معجزتنا الاقتصادية المصرية. التي نحققها بالعقول والايادي المصرية. تبقي بعد ذلك الحالة المصرية التي نمر بها بعد سنوات طويلة من التأرجح بين التخبط في مستنقعات الجهل تارة وبين سنوات الراحة والاستجمام لمداواة علل الشيخوخة.. في المنتجعات تارة أخري. نحن اذن أمام ملامح خاصة ينطبق عليها مصطلح "المجتمع الاستهلاكي" فنحن نستورد من الخارج قطع السلاح.. كما نستورد حبة القمح وقطع السكر.. واللحوم.. والسيارات وعلف الماشية.. وحتي فوانيس رمضان وسجاجيد الصلاة.. وبالتالي فنحن لا نحقق الاستقلالية السياسية.. وليس سرا ان سيادة أي دولة تظل مرهونة بمدي ما تستطيع تحقيقه من الاستقلالية والاعتماد الذاتي علي ما تنتجه من مواد غذائية علي وجه التحديد.. بما يحفظ لها كيانها ولشعبها أمنه وسلامته. وبالتالي فإن القضية تتجاوز في ابعادها الطابع الاقتصادي وتمتد الي الجانب السياسي الذي عانينا منه طويلا في حقبة الستينيات من القرن الماضي. يضاف الي هذا ان المجتمع الذي ينطبق عليه مصطلح المجتمع الاستهلاكي.. تسيطر عليه في أغلب الأحوال ثقافة المجتمع المستورد.. التي تطيح بمرور الوقت بثقافة المجتمع المنتج.. صاحب الطبيعة الانتاجية التي تعتمد علي الابداع والتألق.. بما يعني ان الاعتماد علي الاستيراد من الخارج في كل كبيرة وصغيرة ولسنوات طويلة..يؤدي تلقائيا لتراجع ثقافة المجتمع المنتج.. المبدع.. الذي يلبي كافة احتياجاته بمنتجات وطنية وصناعة محلية. والخطير في هذه الحالة.. ان الدول المصدرة.. تكون فيما بينها العديد من أشكال الاحتكارات الكونية.. التي تسعي للقضاء علي المنتجات المحلية..من باب احتكار الأسواق والاطاحة باحتمالات المنافسة. فالاحتكارات الكونية التي تصدر القمح أو اللحوم علي سبيل المثال.. تسعي للقضاء علي اية احتمالات لقيام الدول المستوردة بانتاج ما تحتاجه من هذه السلع.. معتمدة علي نفوذ رجال الأعمال الذين يحتلون المواقع الرئيسية في برلمانات الدول المستوردة.. ويستطيعون بما يملكون من نفوذ سياسي.. وقف أي محاولة من جانب الحكومات للحد من استيراد هذه السلع من الخارج. وفي حوار لي مع أحد كبار المصدرين الأجانب في سبعينيات القرن الماضي.. قلت له ان ما تقومون به.. يتنافي مع أبسط قواعد الاخلاق.. فقال لي: - اننا لا نخرق القوانين المصرية.. علاوة علي اننا نعمل بالتجارة والبيزنس.. ولا نعمل علي نشر الاخلاق والفضيلة! ان مهمتنا اقتصادية وليست دينية! اندهشت يومها.. وكنا بصدد زراعة مساحات شاسعة من القمح في السودان باتفاق بين الرئيس السوداني جعفر نميري والرئيس الراحل أنور السادات.. لانتاج احتياجاتنا من القمح. ومفهوم طبعا.. ان وقوع أي دولة.. في براثن احتكارات السلع الاساسية كالقمح واللحوم.. لا يقضي فقط علي احتمالات الانتاج المحلي من هذه السلع فحسب.. وإنما يقضي علي الديمقراطية ذاتها في هذه الدول بحكم سيطرة رجال الأعمال علي القرار السياسي وأدوات التشريع.. وليس ذلك موضوعنا علي أية حال. الآن نحن بصدد عصر جديد.. ونقف علي أبواب مرحلة حاسمة في تاريخنا المعاصر تقضي نهائيا علي وصم مجتمعنا بأنه مجتمع استهلاكي. وأهلا بالمؤتمر الاقتصادي وشكرا للزميل ياسر رزق.