التصور حتي الآن أن القرارات الخاصة بالتعليم، والتي شملت إغلاق مراكز الدروس الخصوصية، وإعادة الانضباط للمدارس، هي جزء من استراتيجية الدولة لإصلاح التعليم، وليست اجتهادا شخصيا لهذا المسئول أو ذاك!! نقول ذلك وأمامنا مثلان قريبان يجعلان الحذر واجبا: المثل الأول: هو قرار وزير الزراعة بحظر استيراد القطن، ثم الضجة التي أعقبته، والخلافات بين الوزراء المعنيين حوله، ثم قرار مجلس الوزراء بإلغاء ما قرره وزير الزراعة، ولا من شاف ولا من دري.. أو هكذا توهم بعض المسئولين.!! والمثل الثاني.. هو قرار وزير التجارة والصناعة بحظر تصدير الأرز، والضجة التي أثارها البعض، ثم الحديث عن «تعديل» منتظر للقرار.. وهو «الاسم الحركي!!» للتراجع عما تقرر، ولا من شاف ولا من دري.. أو هكذا يتصور بعض المسئولين.!! ومن هنا يبدو عدم اليقين الذي يتسرب للكثيرين حول قرار حكومي يصدر، وإدراك الكثيرين أن صراع المصالح هو الذي يحسم الأمور وليس مصلحة الدولة.!! لكن التحذير هنا واجب من أن قضية التعليم لا تحتمل أي عبث، وأن الناس تحملت ما يكفي، وأن الآمال في أي نهوض حقيقي للبلاد، معلق علي هذا الملف، ومن هنا فإن أي قرار يتخذ، لابد أن يكون ضمن خطة الإصلاح. ولابد أن يكون مسئولية الحكومة وكل أجهزة الدولة لتعمل في توافق تام.. وإلا فلن نستطيع مواجهة المافيا التي تحكم عملية التعليم الآن، والتي تسيطر علي كل أدواتها من المراكز الخصوصية، إلي الكتب الخارجية، إلي الغش والتزويغ في الامتحانات، إلي اختراق الوزارة نفسها وزرع عوامل الفشل داخلها وإحباط كل محاولات الإصلاح. أكتب ذلك، والإعلانات عن مراكز الدروس الخصوصية مستمرة، والتحركات لإفشال أي إصلاح تجري بكل نشاط. ومافيا الدروس الخصوصية تستخدم كل ما لديها من إمكانيات لإجهاض فكرة عودة المدرسة لدورها وعودة التلاميذ إليها.!! لكن الأخطر هو التضارب بين أجهزة الدولة، مما يستدعي التدخل العاجل قبل انفلات الأوضاع.. خاصة أن أحدا لا يعرف الحدود بين سلطة وزارة التعليم وسلطة المحليات وغيرها.!! خلال الأيام الأخيرة، رأينا تصريحات لمحافظين بأن مراكز الدروس الخصوصية باقية مادامت تدفع الضرائب.. «تجار الحشيش أيضا يدفعون الضرائب!!». ورأينا أحادث عن الاستعانة بمشاهير المراكز الخاصة في مدارس الحكومة ليستعرضوا مهاراتهم في تقديم روشتة الإجابة وليس في التدريس الحقيقي.!! وليهينوا باقي المدرسين العاملين في هذه المدارس.!! ورأينا من يصرحون بتحويل المدارس التجريبية للعمل بنظام الفترتين، في الوقت الذي تدرس فيه وزارة التعليم العمل بنظام اليوم الكامل في كل مدارسها.!! المافيا تتحرك وإمكانياتها كبيرة، لكن التضارب وتنازع الاختصاصات والفساد الضارب في الأجهزة، هو الأخطر. والمطلوب أن تتعامل الحكومة علي أن التعليم معركة أساسية، وأن تخوضها كفريق، وأن تكون هناك لجنة يرأسها المهندس محلب وتضم كل الوزارات المعنية والقادرة علي معاونة التعليم في مهمتها. أما ترك الأمر للمحليات لتجابه مافيا حقيقية.. وفي موسم انتخابات.. هذا هو العبث بعينه.!!