ثم لفت النظر عن الجهاد والمقاومة ضد كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وإفراغ القوة الحيوية للشباب العربي في معارك ضالة، تحطم دول العالم الإسلامي واحدة إثر الأخري لا أحد عاقل يصدق كلام واشنطن عن الحرب ضد إرهاب «داعش»، ولسبب بسيط جدا، وهوأن أمريكا ذاتها أم الإرهاب . وفي القصة الأمريكية تكرار ممل لما جري كثيرا في التاريخ الإنساني، فمع صعود كل قوة سيطرت وهيمنت، كانت تلجأ إلي القوة لا العقل، وتفرض قانونها الأعور، وتري بعين واحدة ما يفعله الآخرون، فيما لا تري بالعين المغمضة ما ترتكبه هي ذاتها، يروي أن الإسكندر الأكبر كان يتجول بأسطوله الضخم في أعالي البحار، وجاء له رجاله بقرصان علي سفينة صغيرة، وأراد الإسكندر محاكمة القرصان علي جرائمه في السلب والنهب، ورد القرصان دفاعا عن نفسه، وقال أنه لم يفعل شيئا يستحق عليه العقاب، فما يفعله من جنس ما يفعله الإسكندر، وبفارق بسيط جعل التسميات تختلف، فلأنه يسرق بسفينة صغيرة أسموه قرصانا، ولأن الإسكندر يسرق العالم بسفينة كبيرة يسمونه امبراطورا !. وجرائم الإسكندر الأكبر «لعب عيال» قياسا إلي جرائم أمريكا، وبسبب التطورات المرعبة في أدوات الحرب والقتل، وقد تطلعت القوة الأمريكية إلي دور كوني قبل مائة سنة تقريبا، بظهور «مبدأ ويلسون»، وهويتحدث عن حقوق الشعوب، بينما لا يقصد سوي حق أمريكا في الكعكة الأرضية، ثم أزاحت أمريكا نفوذ القطبين الاستعماريين بريطانيا وفرنسا مع نهايات ما عرف بالحرب العالمية الثانية، وسعت إلي وراثة الأدوار كلها مع انهيارات موسكوالشيوعية أوائل تسعينيات القرن العشرين، وفي كل مراحل صعودها إلي الهيمنة، كانت القوة الأمريكية هي الأكثر وحشية، فقد قتلت أمريكا في حروبها بعد الحرب الثانية ما يزيد علي ثمانية ملايين إنسان، وقتلت من خلال وكلائها أضعاف أضعاف هذا الرقم، ولم يكن ذلك غريبا، فقد كان قيام كيان أمريكا في ذاته أبشع مذابح الدنيا منذ نزول آدم وحواء، وولدت أمريكا علي أنقاض جماجم عشرات الملايين من أمم الهنود الحمر . وقد كان الإرهاب الأمريكي هوالذي ولد جماعات الإرهاب المنتحل لصفة الإسلام، وكانت «المخابرات المركزية الأمريكية» هي المشرف العام علي تعبئة الشباب «الإسلامي»، وشحنه بالطائرات إلي الحرب في أفغانستان، وتسليحه وتدريبه، وتحميل الفواتير لدول عربية سارعت بالدفع، وبهدف مزدوج لأمريكا وقتها، هواستنزاف القوة السوفيتية المساندة لحكام أفغانستان أواخر السبعينيات، ثم لفت النظر عن الجهاد والمقاومة ضد كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وإفراغ القوة الحيوية للشباب العربي في معارك ضالة، تحطم دول العالم الإسلامي واحدة إثر الأخري، وتنتقل بعدوي التفكيك من الأطراف الآسيوية إلي القلب العربي مركز الدائرة الإسلامية، وهوما تسارعت خطاه مع غزوأمريكا للعراق، وباستخدام قواعدها العسكرية في الدول العربية المجاورة، وبعد أن كان «العائدون من أفغانستان» قد نشروا قواعدهم في كل الدول العربية، وبدأوا حروب استنزاف الجيوش العربية حتي لاتفكر في معاودة الحرب ضد إسرائيل، وبعد انقلاب أمريكا علي وحش «القاعدة» الذي خلقته في أفغانستان، وبعد أن أدي دوره المطلوب، كان الوحش نفسه ينتقل بمعية أمريكا إلي العراق، وساعدته واشنطن بأن حطمت الجيش العراقي والدولة العراقية تماما، وتركت من خلفها حكومة دمي طائفية في بغداد، أوغلت في الاضطهاد والتنكيل بأهل السنة، ووفرت بيئة مثالية لازدهار «القاعدة» وأخواتها وصولا إلي «داعش»، وقد تغذت «داعش» كوحش آدمي علي ركام وقاذورات الحروب التي تركتها أمريكا، وتلقت دعما لوجيستيا تركيا مد نشاطها إلي الحرب الأهلية السورية، وتكفلت المليارات القطرية بدفع الفواتير، ومع التضخم والانتفاخ بالمال والسلاح، فكر الوحش «الداعشي» كفرانكشتاين في التمرد علي خالقه الأمريكي، وتماما كما فعلت «قاعدة» بن لادن من قبل، وهكذا تدافع إيقاع الحوادث إلي موعد حساب امبراطور الإرهاب لقرصان الإرهاب . وحتي لانقع في «الخية» المنصوبة مجددا، ونتحول إلي طائفة المفعول بهم حتي آخر الزمان، دعونا نتوقف ونتريث، ونكف عن سباق الالتحاق بواشنطن وتحالفاتها الملغومة، فأمريكا هي الوحش الإرهابي الأكثر دموية، وهي الأم الرءوم لجماعات الإرهاب المنتسب زورا لدين الإسلام، صحيح أنهم كأبناء السفاح يتنكرون لأمهم أحيانا، لكنها تعود فتقمعهم، وتعيدهم إلي بيت الطاعة، أوترسلهم إلي مقابر مموهة، تنموعلي حوافها النتنة ديدان جديدة وجماعات إرهاب جديدة، تواصل لعبة التفكيك التي حطمت أوتكاد ست دول عربية إلي الآن، وهي العراقوسوريا واليمن والصومال والسودان وليبيا، ثم تدق علي باب مصر، ومن الشرق بالذات، حيث يسكن الخطر الإسرائيلي الأعظم، وهوما لن تجدي معه المشاركة بأي درجة في ألعاب حروب الدائرة الجهنمية، فالوحش الأمريكي فقد أسنانه في حرب العراق البرية، والتي خرج منها مدحورا، ولن يعود لمثلها أبدا، وسيكتفي بإشغالنا بحروب يديرها من السماء، وبغارات طائرات، يراد لها أن تستمر لثلاث سنوات، ولا يقتل فيها أمريكي واحد، وتستنزف فيها الثروات العربية لشراء السلاح الأمريكي، ويهلك فيها ما تبقي من قوات جيوش المشرق في حروب مع جماعات إرهاب، توالي أمريكا توليدها بانتظام، وتحمل أسماء أخري ما بعد «القاعدة» وما بعد «داعش»، ويتحطم فيها الجيش السوري كما تحطم الجيش العراقي، وهوما يعني تفكيك سوريا نهائيا، ثم التقدم لتحطيم الأردن، والاحتشاد الإرهابي علي باب مصر . والمعني ظاهر في المحصلة، فالشر لا يحارب الشر، والإرهاب لا يقتلع الإرهاب، وأمريكا كالحدأة لا ترمي الكتاكيت، وهي مكروهة بما يكفي ويزيد في دنيا العرب، وفي مصر بالذات، فهي العنوان الأصلي للإرهاب، وهي امبراطورية الشرور بامتياز، ولم يحدث أن انتهي تدخل أجنبي أوأمريكي إلي خير في بلادنا، فالمصيبة مصيبتنا، والجرح جرحنا، ولن يحك جلدك مثل ظفرك، ولا حل يحفظ من التفكيك سوي بالاعتماد الجماعي علي الذات، وبناء حلف عسكري عربي بقيادة الجيش المصري، وليس بالتعاون مع أمريكا ولا حلف الأطلنطي، ولا مسايرة حرب داعش الكبري ضد داعش الصغري .