داعش تتحرك تحت مظلة حماية أمريكية المخابرات الأمريكية التي ترصد تحرك دراجة كيف لم ترصد تشكيل جيش داعش؟ لماذا لم تقصف أمريكا قوات داعش إلا عندما اقتربت من مناطق البترول في العراق؟!
فجأة انتفضت أمريكا لتقود حركة محمومة لمكافحة الإرهاب، وهي- أي أمريكا - التي ظلت تتابع بدم بارد سقوط الملايين قتلي برصاص وخناجر الإرهابيين في العديد من الدول العربية. الانتفاضة المفاجئة سببها أن اثنين من الصحفيين الأمريكيين ذبحتهما عناصر إرهابية تنتمي إلي تنظيم داعش. ولو أن هذه الانتفاضة الأمريكية هدفها بحق مواجهة الإرهاب بحسم لرحب بها كل الشرفاء في العالم الذي تهدده بقوة موجات الإرهاب الأسود الذي يدعي انتسابا للإسلام، والإسلام برىء منه تماما. إلا أن من يتابع نشأة هذا الإرهاب وتصاعد قوته وانتشاره يعرف بيقين أن أمريكا هي التي أنشأت هذه التنظيمات الإرهابية ورعتها وأمدتها بكل عناصر النمو والتمدد لاستخدامها في تنفيذ مخططاتها لتمزيق المنطقة العربية إلي كيانات متصارعة ومتناحرة. والصراع الأمريكي الآن يعود فقط إلي وصول سكين الإرهاب إلي رقبة اثنين من المواطنين الأمريكيين، وهذا التصرف الإرهابي يدينه بكل قوة كل إنسان مهما كانت ديانته أو هويته الوطنية. رغم أن الإرهاب ظاهرة موغلة في القدم، فإن الإرهاب «المنظم» في العصر الحديث وضعت بذرته ورعته حتي نما واشتد عوده أجهزة الاستخبارات الأمريكية، عندما أرادت أمريكا أن تخرج قوات الاتحاد السوفيتي من أفغانستان دون أن تغامر بجنود أمريكيين، خاصة أن شبح الهزيمة في فيتنام لم يكن قد اختفي من ذاكرة الأمريكيين. وتحت شعار «الجهاد» ضد قوات شيوعية ملحدة تم تجنيد الآلاف من الشباب المسلم للقتال في أفغانستان. وتشكلت قوات «المجاهدين» من هذا الشباب الذي تحركه عواطف دينية، ونجحت الخطة في إلحاق الهزيمة بالقوات السوفيتية التي كانت تحتل أفغانستان لمساندة نظام حكم له توجه فكري وسياسي موال للاتحاد السوفيتي. وبعد هزيمة القوات السوفيتية اكتشفت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها لا تملك القدرة علي السيطرة الكاملة علي هذا «الوحش» الذي رعته حتي بلغ من القوة مبلغاً يجعله يطمع في أن يحصد ثمرات انتصاره فيتولي الحكم في أفغانستان. وهنا رأت أمريكا أن مهمة «المجاهدين» قد انتهت وان أمريكا وحدها هي التي تحدد القوي السياسية التي تتولي الحكم في أفغانستان. وبدأ الصراع بين أمريكا من جانب وقوات «المجاهدين» التي تضم متطوعين من مختلف البلاد الإسلامية. وبرز اسم «القاعدة» كأحد أهم التنظيمات المتشددة والتي يعتنق أعضاؤها أفكارا شديدة التعصب والتطرف. وعاد كثيرون من هؤلاء إلي بلادهم ليشكلوا مجموعات متطرفة وعرف هؤلاء في كثير من البلاد الإسلامية بمسمي «العائدين من أفغانستان». وساهمت الأوضاع السياسية والاقتصادية المضطربة في العديد من البلاد الإسلامية عامة والعربية خاصة في تهيئة بيئة مناسبة لنمو مثل هذه الأفكار والاتجاهات المتعصبة. وتشكلت حول هذه الأفكار مجموعات من معتنقي الأفكار المتطرفة. المفارقة أن أمريكا التي أعلنت حربا لا هوادة فيها علي تنظيم القاعدة في أفغانستان، غضت الطرف عن تنظيمات كثيرة تشكلت في العديد من الدول العربية تسير علي نهج القاعدة، بل إن بعضها تجاوز في تعصبه أكثر الأجنحة تطرفًا في القاعدة وشقيقتها «طالبان». وكان التفسير الوحيد لهذا التناقض في المواقف الأمريكية أنها - أي أمريكا - رأت في هذه التنظيمات المتطرفة في العديد من البلاد العربية الأداة المثلي لتحقيق المخطط «الصهيوأمريكي» الرامي إلي تمزيق المنطقة العربية وتحويل دولها إلي كيانات صغيرة متناحرة ومتصارعة علي أسس مذهبية وطائفية وعرقية. وإذا كانت القاعدة وطالبان في أفغانستان قد انتهي دورهما بإخراج السوفيت وتمكين أمريكا من الهيمنة علي أهم مواقع استراتيجية في وسط آسيا، ولهذا تشن أمريكا حرباً شرسة علي القاعدة وطالبان، فإن الدور المنوط بقوي الإرهاب في المنطقة العربية لم يزل في عنفوانه ولم تزل أمريكا بحاجة إلي استخدام قوي الإرهاب هذه لتحقيق خططها الاستراتيجية التي أشرت إليها، وهي تمزيق البلاد العربية ليسهل السيطرة عليها أمريكياً وإسرائيلياً. ولعل أبرز الأمثلة علي هذا السلوك الأمريكي نشاهده حتي اليوم في العراقوسوريا وليبيا واليمن والصومال وبدرجات أقل في عدد آخر من البلاد العربية بل والأفريقية. النموذج العراقي كان الأكثر وضوحا. فقد بدأت أمريكا بتفكيك الجيش العراقي وهو القوة الوحيدة في العراق القادرة علي التصدي لأي قوة إرهابية. وبعد هذا التفكيك للجيش العراقي اطلقت أمريكا العنان للطوائف والمذاهب المختلفة في العراق لتشكيل ميليشيات مسلحة بحجة الدفاع عن معتنقي هذا المذهب أو ذاك أو الدفاع عن من ينتمي لأصول عنصرية مختلفة. وساعد أمريكا علي تحقيق ذلك أن العراق يضم قوي مذهبية إسلامية «سنة وشيعة» يسهل إثارة الخلافات والصراع بينهما، مع وجود أقليات كبيرة نسبيا «الأكراد» أو صغيرة «تركمان» وتتوفر الظروف لإثارة النعرات العنصرية بين هذه الأقليات وبين باقي مكونات الشعب العراقي. وقد نجحت الخطة الأمريكية في تمزيق العراق بالاستعانة بالنفخ في نيران التعصب الطائفي والمذهبي والعرقي، وإمداد كل هذه القوي المختلفة بعناصر القوة «مال وسلاح» التي تمكنها من مواصلة الصراع المسلح فيما بينها. هذا النجاح في العراق أغري أمريكا لتعيد نفس التجربة في سوريا لوجود نفس التعدد الطائفي والمذهبي والعرقي (علويون/ سنة/ دروز/ أكراد)، وفي ليبيا اعتمادا علي تفكك الجيش الليبي ووجود بيئة مناسبة لإثارة نعرات قبلية (التعصب القبلي والجهوي- نسبة إلي الجهة - لم يزل سيد الموقف في ليبيا). ومن أراد أن يتأكد من حقيقة الموقف الأمريكي الداعم للإرهاب بكل صوره فليم عن النظر في الموقف علي هذا النحو. أولاً: هل يمكن ان يظهر تنظيم بحجم داعش عدداً وعتاداً ثقيلاً يفوق ما تملكه بعض الجيوش بين يوم وليلة؟ أم أن هذا التنظيم والتسليح تطلبا سنوات من التجهيز والإعداد؟ وهل غاب عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية وهي التي تباهي بأنها ترصد أي تحرك بحجم دراجة بخارية في أية بقعة من العالم، هل غاب عنها رصد عمليات الحشد والإعداد والتسليح هذه والتي تستغرق عشرات الشهور وتمتد علي مساحات شاسعة؟ ثانياً: هل لاحظ المراقبون أن أمريكا تحركت لتوجيه ضربات جوية ضد داعش في منطقة واحدة وهي المنطقة التي اقتربت فيها داعش من مناطق آبار البترول في كركوك وأربيل الخاضعة للنفوذ الكردي ولهذا اتجه التسليح الغربي إلي القوات الكردية؟ بينما لم تتحرك أمريكا لتوجيه أية ضربات جوية لداعش في المناطق الأخري سواء في العراق (الموصل) أو في سوريا؟ ثالثاً: هل يختلف الإرهاب في ليبيا عن الإرهاب في العراق؟! ليبيا يحرقها الإرهاب ولا تتحرك أمريكا، بل نري ميليشيات مسلحة تدخل مباني القنصلية الأمريكية في طرابلس، فلا تتحرك أمريكا حتي بالاحتجاج بل نري هذه الميليشيات تؤكد أنها دخلت المبني لحمايته؟! هذه الملاحظات تكشف حقيقة الموقف الأمريكي وتؤكد ان أمريكا ضالعة كشريك مباشر للإرهاب الذي يضرب البلاد العربية وأن غضبتها الأخيرة سببها الوحيد محاولة امتصاص الغضب الشعبي الأمريكي الذي استفزته مشاهد ذبح الصحفيين الأمريكيين وأنها - أي أمريكا - ستظل تشجع قوي الإرهاب متصورة أنها تستخدمه لتنفيذ مخططاتها لتمزيق البلاد العربية إلي كيانات صغيرة متصارعة تسمح لأمريكا وإسرائيل باستغلال هذه الصراعات وتوجيهها بما يحقق هيمنة صهيوأمريكية كاملة. ويبدو أن أمريكا لا تتعظ من سوابق تاريخية تؤكد صحة المثل العربي الذي يقول «من يربي الحية في عباءته سيتعرض حتما للدغ هذا الحية».