كان المشهد الذي تابعناه عبر شاشات التليفزيون للتصويت علي مواد الدستور الجديد حضاريا بمعني الكلمة .لأول مرة في مصر يجري التصويت إلكترونيا كما يحدث في البلاد المتقدمة. المواد التي تابعتها حتي كتابة هذه السطور - صباح الأحد - تبشر بمولد دولة مصرية قوية تتطلع إلي التقدم والديمقراطية، وترنوإلي العدالة الإجتماعية فعلا لا قولا. عمرو موسي رئيس لجنة الخمسين يقرأ مادة، مادة. ثم يتوجه إلي أعضاء اللجنة بثقة واحترام قائلا : اتفضلوا صوتوا. فيبدأ التصويت الإلكتروني علي الفور ونطالع نتيجته علي الهواء مباشرة علي شاشة كبيرة. حاجة تفرح . انصت بتركيز إلي نصوص المواد ال 138 التي انتهت اللجنة من إقرارها حتي صباح أمس .المواد تلبي في معظمها مطالب الشعب المصري الذي قام بثورتين في أقل من ثلاث سنوات أملاً في بناء دولة القانون واحترام حقوق الانسان. المادة (11) الخاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة صيغت بقوة، وتفصيل، مسجلة حق المرأة في المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات وتولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون التمييز ضدها، لفت نظري أيضاً في هذه المادة التزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، وكذلك التزام الدولة بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجاً. كذلك المادة (18) التي تكفل فيها الدولة الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة لكل المواطنين وتلزم الدولة بتخصيص نسبة لا تقل عن 3٪ من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق الحكومي علي الصحة، تتصاعد تدريجياً حتي تتفق مع المعدلات العالمية وكذلك التزام الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، كذلك تجرم هذه المادة الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل انسان في حالات الطوارئ أو الخطر علي الحياة. لفت نظري المادة (19) التي تنص علي أن التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ علي الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار وترسيخ القيم الحضارية الراقية، كذلك النص علي أن التعليم إلزامي حتي نهاية المرحلة الثانوية أوما يعادلها وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة لا تقل عن 4٪ من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتي تتفق مع المعدلات العالمية للإنفاق علي التعليم. ولم تخل الجلسة من مفارقات عجيبة كانت مثار حديث الناس علي مواقع التواصل الإجتماعي ومنها التصويت علي المادة (89) التي تحظر كل صور العبودية والاسترقاق والاستغلال القهري للإنسان وتجارة الجنس وغيرها من أشكال الاتجار في البشر ويجرم القانون كل ذلك هذا هو نص المادة أما ما حدث في القاعة عندما طلب عمرو موسي التصويت عليها فهو الشيء الذي أثار الجميع، فلسوء الحظ أو ربما لحسنه، تعطل نظام تشغيل التصويت الإليكتروني للحظات فدعا رئيس الجلسة الأعضاء إلي رفع أياديهم بالموافقة حتي يمكن حساب الأصوات الموافقة علي المادة. وهنا وافق 47 عضواً من 48 علي المادة باعتبارها مادة لا خلاف عليها؛ فمن منا يوافق علي الإتجار في البشر والعبودية وتجارة الجنس والاستغلال القسري للإنسان مثلاً ؟!. لكن ممثل حزب النور كان له رأي آخر فلم يرفع يده بالموافقة علي المادة! ولما سألت ماذا عساه يكون السبب في هذا الاعتراض الغريب المريب، عرفت أن تلك المادة تتعارض مع زواج القاصرات الذي يدعو إليه أنصار حزب النور!!!. في النهاية أقول مرحباً بدستور مصر الجديد الذي طالما انتظرناه وجاء إنجازه باعثاً علي التفاؤل بأن خطوة كبيرة في طريقنا إلي بناء الدولة قد تحققت، وأنا عن نفسي أراه دستوراً قوياً معبراً عن إرادة الأمة يليق بدولة عظيمة اسمها: مصر.