عندما كنت تلميذا- منذ عقود طويلة- بمدرسة المنيرة الابتدائية- عندما كانت مؤسسة تعليمية جادة وحقيقية- عندما كان هذا، وذاك فإنه خلال فصل الشتاء، وعند انخفاض درجة حرارة الجو كان مدرسا الألعاب: حسن أفندي، وعلي أفندي يصيحان فينا بهذا النداء »حريق فوق الجبل.. إجري.. إجري.. إجري« وعلي الفور نبدأ جميعا في الجري! ومن يومها حتي الآن لم أفهم إن كنا سنجري هربا من النيران، أم أننا سنجري نحو الحريق والعمل علي إطفائه، ولكن المؤكد هو أننا كنا نشعر بالدفئ فورا نتيجة الجري، تذكرت هذه التفاصيل يوم الأحد الماضي عندما طالعتنا الصحف بأخبار حريق هائل نشب في برج الرياض بالجيزة والتهم أربعة طوابق يشغلها أمير عربي كان أن غادر البلاد قبل نشوب الحريق بعدة أيام! المهم هو ان جميع سكان العمارة، أو البرج السكني، اصابهم الذعر وأسرعوا بالجري إلي الشارع! وفي المقابل أسرع رجال الأمن ورجال الإطفاء »بالجري« إلي مكان الحريق، وشرعوا في عمليات الاطفاء! ولما كانت سفارة النمسا تشغل الطابق الخامس من هذه البناية الضخمة فقد حاصرتها النيرن بدورها وهنا اتصل المسئولون بالدكتور توماس نادر سفير النمسا بالقاهرة الذي اسرع بالمجئ من مسكنه في جاردن سيتي، إلي مقر عمله الذي يهدده الحريق، ولم يكتف السفير بذلك ولكنه - وهذا ما لفت انتباهي- أصر علي ارتداء زي رجال الاطفاء، واقتحم معهم- طبقا لما نشرته الصحف المصرية- مقر السفارة المحاصر بالنيران والدخان، وذلك حرصا منه علي الاطمئنان علي مقر عمله بما يحتويه من وثائق لابد أن تكون مهمة.. ولم يكتف الرجل بذلك بل قام بمساعدة رجال الإطفاء في عمليات إخماد الحريق! بعد قراءة تلك الأحداث كان أن تذكرت حسن أفندي وعلي أفندي مدرسي الألعاب بمدرسة المنيرة الابتدائية، وأدركت أنه رغم كونهما مسئولين عن التربية البدنية، إلا أنهما وبفضل المؤسسة التعليمية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، فقد كان - رحمهما الله تعالي- يغرسان داخل التلاميذ والأبناء قيما أخلاقية وإنسانية تعمل علي تنشئة رجال علي شكيلة سفير النمسا بالقاهرة، أما بدون مؤسسة تعليمية قديرة وواعية، وبدون ملاعب للتربية البدنية داخل المدارس فإننا جميعا »سنجري« بعيدا عن النيران.. وبعيدا عن أي مسئولية !!