موعد إعلان نتيجة امتحانات نهاية العام بجامعة طيبة التكنولوجية    وزير المالية: نستهدف تحقيق معدل نمو قدره 4.2% في العام المالي الجديد    بالفيديو.. عضو اتحاد الصناعات يكشف أسباب تحرك أسعار مواد البناء بالأسواق    تحديث جديد في سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري الآن    النائب هاني العسال: تطوير حوافز صناعة السياحة أولوية الحكومة الجديدة    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    محافظ الجيزة: إلغاء إجازات الأطباء البيطرين والعاملين بالمجازر خلال عيد الأضحى    بنك التنمية الجديد: نسعى لعولمة أكثر عدالة لحل مشكلات الدول النامية    ضربات روسية على مواقع مسلحين في حمص ودير الزور بسوريا    إعلام إسرائيلي: انطلاق نحو 40 صاروخا من جنوب لبنان وسقوط أحدها في الجليل الأعلى    تطورات جديدة بشأن تجديد زيزو وأوباما وعواد مع الزمالك    تصفيات كأس العالم وأمم آسيا، تشكيل منتخب الإمارات المتوقع ضد البحرين في مواجهة الليلة    الجو نار، حالة الطقس اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في محافظة المنيا    9 نصائح لطلاب الثانوية العامة لحل امتحان الاقتصاد والإحصاء    سأمنعها داخل شركتي.. إيلون ماسك يهدد آبل لهذا السبب (ما القصة؟)    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    التفتيش على محال الجزارة للتأكد من صلاحية اللحوم قبل عيد الأضحى في الشرقية    تكريم مبدعين من مصر والوطن العربي بافتتاح المعرض العام للفنون التشكيلية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 11-6-2024في المنيا    «الصحة» تنظم ورشة عمل حول تطبيق نظام الترصد للأمراض المعدية بالمستشفيات الجامعية    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى المبارك    عاجل| صدمة ل مصطفى شوبير في الأهلي بسبب كولر    خبير تحكيمي يوضح هل استحق منتخب مصر ركلة جزاء أمام غينيا بيساو    موعد ومكان جنازة الموسيقار الشاب أمير جادو    موعد عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل دواعي السفر على منصة WATCH IT    «لا يكتفي بامرأة واحدة».. احذري رجال هذه الأبراج    منتخب هولندا يكشف بديل دي يونج في يورو 2024    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    محافظ بني سويف يوافق على تجهيز وحدة عناية مركزة للأطفال بمستشفى الصدر    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    تشكيل لجنة مشتركة بين مصلحة الضرائب ووزارة المالية لوضع قانون ضريبي جديد    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    انتشال عدد من الشهداء من تحت أنقاض منازل استهدفها الاحتلال بمدينة غزة    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    أبو الدهب: ناصر ماهر مكسب كبير للمنتخب    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    آبل تطلق نظارات الكمبيوتر فيجن برو في السوق الألمانية    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    كواليس جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي ومدة إيقافه المتوقعة    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    منتخب السودان بمواجهة نارية ضد جنوب السودان لاستعادة الصدارة من السنغال    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبير انتخابي يقول لي: جميع المرشحين يشترون الأصوات.. ومعظم الناخبين يعتقدون أن الفائز في الانتخابات يكسب أموالاً من حقهم أن يقاسموه في بعضها!
نشر في القاهرة يوم 21 - 12 - 2010

خبير انتخابي يقول لي: جميع المرشحين يشترون الأصوات.. ومعظم الناخبين يعتقدون أن الفائز في الانتخابات يكسب أموالاً من حقهم أن يقاسموه في بعضها!
رؤساء العمال
صاح ناصر أفندي - قيام...
فسري النشاط إلي الأطفال الصغار واحتكت أحذيتهم بالأرض وكان لاحتكاكها صوت شبيه بحفيف الأوراق اليابسة.
سلام...
فرفع الأطفال أيديهم إلي رؤوسهم وقد انبسطت الأكف ومست أطرافها الجباه الصغيرة الطفلة.
يحيي الأستاذ..
رجعت أركان غرفة الدراسة هذا الهتاف.
هذه كانت تحية ناصر أفندي عندما زرته في مدرسته في ظهر أحد الأيام.
جلوس..
فجلس الأطفال وقد خفضوا أيديهم ما عدا طفلا صغيرا منهم فإنه ظل رغم جلوسه رافعا يده إلي رأسه بالتحية فسرتني بساطته ونبهته إلي خفض ذراعه إلا أنه لم يلق بالا إلي هذا التنبيه وإنما أطاع حينما أمره المدرس.
كان يبالغ ناصر أفندي في تكريمي وكنت أراه سعيدا بزيارتي له وكان يرسل أحد المدرسين إلي منزله القريب ليسأل من فيه أن يعدوا بعض كئوس الشاي فالبرد قارس.
وطفقنا نتبادل الرأي ونحن نحتسي الشاي وكان يطلعني «ناصر أفندي» علي نواحي نشاط مدرسية، فهذا واحد منهم قد استوقع عددا كبيرا من السائقين النوبيين الذين يترددون علي مقهي الحاج «محجوب»، وهذا ثان قد طاف بجميع منازل المنطقة التي توجد بها المدرسة وتحدث إلي سكانها وعرف منذ الآن من ينتظر أن يمنحني صوته منهم وراجع أسماء هؤلاء السكان علي كشوف الانتخاب التي نقلناها من الأقسام فشطب منها من لا يقيم في المنطقة ووضع علامة أمام أسماء المؤيدين وتيسر له بعد ذلك أن يحصي عدد أصواتهم علي وجه التقريب .. وهذا ثالث ما زال جالسا في المكتب الانتخابي يستقبل الزائرين ويتحدث إليهم داعيا ومنتصرا لي.
في الحق أن نشاط «ناصر أفندي» كان محمودا وكان يجعلني أحس اطمئنانا داخليا عن نتيجة يوم المعركة الحاسم وقد صار غير بعيد.
الشيخ هارون
وبينما نحن في خواطرنا نتساءل ونتجاوب إذ أقبل رجل عرفت فيه واحدا من عملائي جاء يوصي بابنه الصغير خيرا وكان قصير القامة بدين الجسم في عينيه حول بسيط وكان يضع حينذاك عمامة علي رأسه ويلتف بعباءة سوداء وأنت لا تملك إلا أن تدعوه الشيخ هارون أما أنا فقد كنت أدعوه هارون أفندي ذلك لأنه كان يرتدي سترة ويضع طربوشا ولم أره قط في مثل زيه الذي رأيته حينذاك وقد علمت منه فيما بعد أنه يرتدي العمامة واتباعها الأوفياء الجبة والقفطان والحزام الحريري حينما يكون جالسا بين عماله من أبناء الصعيد الذين يعتبرهم من إخوانه وأقاربه لأنهم جميعا ينتسبون إلي بلدة واحدة تتزاوج فيها العائلات بعضها مع البعض ويتصلون بصلة القربي وأوشاج النسب فكل واحد منهم ابن عم للآخر دون أن يتحري مقدار هذه القرابة وهو يخشي أن يظن أبناء عشيرته أنه خرج علي تقاليدهم أو شت عن أوساطهم إذا جالسهم في هذا الزي الأجنبي وبخاصة من الإنجليز، إذ جعلته الحرب علي صلة وثيقة بهؤلاء الأخيرين لحاجتهم إلي العمال المصريين، ولهذا نجد «هارون أفندي» أو «الشيخ هارون» كما تري أن تسميه ينطق ببعض كلمات إنجليزية ليوهمك بأنه علي دراية تامة بلغة الإنجليز وهو يرطنها في لهجة بعيدة كل البعد عن لهجة الإنجليز إلا أنها قريبة كل القرب إلي لغة أبناء الصعيد فلو كنت تعرف الإنجليزية لما فهمت لغة هارون ولحسبته يحدثك بلغة أبناء الصعيد التي لا تفهمها وليس إلي فهمها من سبيل إلا أن تترجم لك ترجمة.
وليس «هارون» هو اسم هذا الرجل من عملائي وأنا لم أغير اسمه تغييرا كبيرا، فإن أباه أو أمه أو كلاهما معا قد اختارا له يوم ولادته اسما من أسماء الأنبياء ولم يكن يعقل حينذاك حتي يسأل عن الاسم الذي يرضي أن يدعي به، فلما أن تقدمت به الأيام وأصبح إنسانا يعقل لم يجد حاجة إلي تغيير اسمه حتي دعتني الحاجة إلي وضع هذا المؤلف فاستبدلت به اسم نبي آخر كان عونا لأخيه موسي عليه السلام، قال ناصر أفندي:
هل تعلم يا أستاذ أن «الشيخ هارون» يمكنه أن يساعدنا مساعدة كبيرة جدا.
قال هارون: خيراً إن شاء الله.
قال ناصر أفندي : ألا تعرف أن الأستاذ رشح نفسه في الانتخابات.
قال هارون: نعم..!! علي أي مبدأ.
قال ناصر أفندي: الحزب الوطني
فسكت هارون مفكرا أو كالمفكر.
قال ناصر أفندي: هل أعطيت كلمة لأحد من المرشحين؟
قال هارون: لا. وإنما أنت تعلم يا «ناصر أفندي» أني من عمد نادي الصعيد ولي مصالح كثيرة وإني دائم الاتصال بالقسم والمأمور والبيه، وكيل المحافظة فهل تظن في إمكاني أن أخالف لهم رأيا أو لا ألبي لهم طلبا إذا سألوني إحضار عمالي لانتخاب المرشح الذي يطلبون مني مساعدته.
قلت: وما الذي يرغمك علي القبول.
قال لا يرغمني أحد، وإنما هناك مصالح عديدة، ولا تؤاخذني إذا فضلت مصالحي علي الانتخاب، أنا رجل صريح وأنا عمدة أعتمد في سلطتي علي القسم وعلي المحافظة، ففي يدي إبعاد العامل الذي أرغب في إبعاده من الإسكندرية كما أن لي أن أحكم علي عمالي بما أشاء وأن أوقع عليهم ما أري توقيعه من عقوبات وجزاءات ثم إن لي أعمالاً متعددة تدعو إلي توسيط رجال السلطة في كل ما يتعلق بالمشاكل التي تتولد عنها، لا تؤاخذني يا أستاذ أنا أعرفك منذ زمن طويل وأقدرك تمام التقدير وإني مستعد لمعونتك إذا لم يحصل تداخل من جانب الحكومة.
فقلت: لا تخشي بأسا فإن رئيس الحكومة قد أعلن في الجرائد أن الانتخابات حرة وستجري في جو بعيد عن التأثير الحكومي.
قال: إذا كان الأمر كذلك فاعلم أنني من أنصارك وأن جميع عمالي لا ينتخبون غيرك وأنت تعلم أن هؤلاء العمال لا يعرفون أحدا من المرشحين وإنما يعرفوني أنا وحدي ولا يستمعون لأوامر أحد وإنما يتلقون الوحي مني فمن أطالبهم بانتخابه ينتخبونه في الحال لأن العمدة قال ذلك.
قلت: متشكر جدا يا شيخ هارون.
وسألني «ناصر أفندي» بعد ذلك إذا كنت أرغب في زيارة داره الانتخابية فقلت: إن وقت تناول الغداء قد أزف، فدعاني إلي تناوله معه وكان مخلصا في دعوته وقد شجعه علي الإلحاح أننا كنا في يوم موسم وقد ذبح زوجا من الفراخ وطبخت زوجه الملوخية، هذا الطبق المشهور الذي يطبخه الناس كلما نحروا طيورا - وراحت رائحة الثوم المقلي الذي يصب علي هذا الطعام تقتحم أنوفنا.
إسحاق أفندي
إلا أنني اعتذرت عن قبول الدعوة ووعدت بزيارة الدار الانتخابية في مساء اليوم لأني قد حددت فيها موعدا لمقابلة رئيس نقابة عمل النسيج.
قال ناصر أفندي: حذار من هذا الرجل يا أستاذ فإني أراه مذبذبا.
قلت: لا تخشي بأسا فقد دفعت له نقودا ثم إننا كما تعلم قدمنا أسماء العمال للقيد في جداول الانتخاب فلا أظنه يمكر بنا بعد ذلك.
قال: إنه في الحق رجل ماكر ولم أحذرك منه إلا لأني وجدته يجالس «إسحاق أفندي».
قلت: ومن إسحاق أفندي هذا؟
قال: رجل وفدي لما وجد أن الوفديين قاطعوا الانتخابات رأي أن يقدم إحدي خدماته لأحد المرشحين موهما إياه أن في إمكانه أن يحمل جميع الوفديين في الدائرة علي مناصرته ومنحه أصواتهم وقد أغدق هذا المرشح المسكين نعمه علي «اسحاق أفندي»، ودفع له مالا كبيرا فحاول أن يتصل بجميع من يمكنه الاعتماد في الحصول علي الأصوات، ولهذا فإني أخشي من صلة «اسحاق أفندي» برئيس النقابة.
قلت : سوف تري في المساء
جلست في الدار الانتخابية التي يديرها ناصر أفندي وكنت أصعد إلي الغرفتين اللتين تتكون منهما الدار علي سلم حجري ضيق لا يتسع إلا إلي نصف إنسان أعني أن الإنسان يرتقيه وهو ينحرف إلي أحد جانبيه، وكان في الغرفة الأولي مكتب بسيط فرش بجريدة حتي لا تظهر للعين أوساخه وعيوبه وكانت توجد بالقرب من المكتب أريكة خشبية عارية.
ولما كانت الساعة الخامسة أقبل رئيس النقابة يرافقه أمين الصندوق وكأن هذا المركز الذي يشغله أمين الصندوق في النقابة التصق به حتي في المعركة الانتخابية فهو الذي كان يستلم مني النقود التي يساومني فيها الرئيس.
فاجأ «ناصر أفندي» رئيس النقابة بسؤاله عن نتيجة مفاوضاته مع شيخ الحارة وهل أعطاه النقود التي سلمته إياها بقصد تسهيل قيد أسماء العمال في الدائرة الانتخابية.
فأجاب الرئيس بأنه لما علم أن الأسماء التي قبل إدراجها لم تزد علي سبعة عشر اسما من ثمانين لم يدفع له شيئا لأنه لا يستحق أي مكافأة.
قال ناصر أفندي: لو أنك دفعت له المبلغ يوم أن استلمته لقام شيخ الحارة بعمل ما وأدي لنا خدمة.
قال الرئيس: ده رجل نصاب ضحك علي جميع المرشحين، أنا لا أصدقه، كنت أوشك أن أثور غاضبا علي رئيس النقابة ولكني ملكت زمام نفسي لأني خشيت ضياع الأسماء التي يسيطر هذا الرجل علي أصحابها وعلي رغم شعوري بنفاقه فإني ابتسمت في وجهه وأفهمته أنه كان علي حق في حرصه.
نبراوي أفندي
وأقبل بعد قليل رجل قصير القامة أجش الصوت كنت أعرف عنه أنه من كتبة المحامين وأن المحامي الذي كان في خدمته قد توفي منذ خمس سنين وأنه الآن نظرا لشيخوخته اكتفي بأن يعيش من دخل قليل يتحصل عليه من دار موقوفة هو أحد المستحقين فيها.
قام ناصر أفندي يحيي كاتب المحامي الشيخ
- أهلا نبراوي أفندي ثم وجه كلامه إلي
- نبراوي أفندي من كبار الوفديين في هذه المنطقة وله تأثير كبير علي سكان الجهة.
قلت: أهلا وسهلا أنا أعرف نبراوي أفندي من زمن طويل .
قال ناصر أفندي مخاطبا نبراوي أفندي: صاحبك اسحاق أفندي يساعد المرشح فلان زاعما بأنه تلقي الأوامر بمساعدته من المعسكر الوفدي.
قال نبراوي أفندي: لا. غير صحيح.. الوفديون لا شأن لهم بالمعركة لأنهم قرروا عدم الدخول فيها.
قال ناصر أفندي: أنا نظرته بعيني وهو يمر معه في الدائرة.
قلت: هناك فرق كبير يا نبراوي أفندي بين قرار الامتناع عن الدخول في المعركة وبين القيام بالواجب الوطني الملقي علي عاتقك كناخب ، إن الوفد أصدر قرارا بمنع مرشحيه ونوابه السابقين من الترشيح ودخول المعركة، ولكنه لم يمنع أنصاره من اعطاء أصواتهم للمرشح الذي يرون أنه أحق بأن يكون نائبا عنهم وأني أعتقد أن الامتناع عن التصويت جريمة، وأنت مثلا تري خمسة من المرشحين تقدموا للنيابة عن هذه الدائرة التي أنت أحد ابنائها وأنك تري أنها في حاجة إلي وجوه إصلاح مختلفة ولها مطالب معينة تريد من الجهات الرسمية تحقيقها، وقد وضع القانون لك وسيلة هذا التحقيق وهي أن تكلف وكيلا عنك في السعي لك حتي تنالها وأن أبسط قواعد المنطق تدعوك إلي البحث لك عن الوكيل الكفء النزيه الذي تعهد إليه بمطالبك.. فكيف تسمح إذن لغيرك أن ينتخب لك هذا الوكيل دون أن تبدي رأيك في كفاءته؟ ألا تري معي أن واجبك الوطني يدعوك ويدعو غيرك من العقلاء والمتعلمين إلي وجوب اعطاء أصواتهم دون نظر إلي الألوان الحزبية، هناك فرق كبير كما تري بين قرار الوفد الخاص بالامتناع عن الترشيح وبين عملية التصويت.
قال : عندك حق يا أستاذ.
قلت مسترسلا: وأني أعتقد أن جميع كبار الوفديين في المدينة وهم أخواني يؤيدونني في ترشيح نفسي.
قال: إذا كان الأمر كذلك فأني أساعدك.
قلت: قابل فلانا أو فلانا واسألهم عني وأنا أعلم تماما أنهم سيشيرون عليك بأن تنتخبني.
قال: إذا سمعت هذا بأذني فأني أنا وجميع أخواني مستعدون لاعطائك أصواتنا.
قلت: إذا حضرت لزيارتي غدا في مكتبي فإني سأتحدث أمامك في التليفون وسأجعلك تسمع بأذنك.
وقد زارني «نبراوي أفندي» في اليوم التالي وسمع حديثا تليفونيا وعلم من محدثه أني أفضل المرشحين، وأنه يؤيد انتخابي.
فقال «نبراوي أفندي» حينذاك- ان الأمر قد انتهي وأنه سيؤيدني في الانتخاب فانتحيت به غرفة أخري ودسست في يده جنيها واحدا فرفض قبوله رفضاً باتاً واعتبر أن هذا المبلغ البسيط تحقيرا له ونيلا من كرامته فدسست في يده جنيها آخر وأنا أبتسم وأهش له وكنت في سريرتي ناقما عليه حاقدا علي جميع الناخبين، وفغر «نبراوي أفندي» فمه ضاحكا فلم أتبين فيه غير نابين حادين أحدهما عن يمين والآخر عن شمال في فكه الأسفل وكان لسانه الأحمر العريض مستلقيا في باطن الفم وكان منظر هذا اللسان قبيحا وهو يتردد أثناء الكلام - وكنت من قبل أعلم أن الأسنان زينة الفم إلا أني عندما رأيت لسان «نبراوي أفندي» علمت أن للأسنان وظيفة أخري هي أن تكون حجابا وسياجا أمام الأنظار حتي لا تري هذا اللسان القبيح في حركاته الغريزية داخل الفم.
الحاج بخيت
ورأي «ناصر أفندي» أن نقوم لزيارة الحاج «بخيت» وهو رجل طالما فكرت في زيارته وكنت أري أن تأييده لي يجعلني أؤمل في كسب المعركة فهو من كبار رؤساء العمال من أبناء الصعيد وقد أثري اثراء فاحشا ومن عجب أن هذا الرجل الجاهل الذي أصبح يرتدي الملابس الأجنبية لا يحسن التعبير عن أي غرض من أغراضه وهو مصاب بعي ولكنة تجعلانه أقرب إلي الإنسان الأبكم، ولم ينل نصيبا من التعليم ولكننا لا ندري كيفية تقسيم الأرزاق بين الناس ولا نعلم للحظ ناموسا موضوعا أو محدود النصوص معلوم الشروط والأركان بحيث إذا اكتملت في إنسان ما شروطه وأركانه فهو الرجل المجدود وان نقص أحدها أو جميعها فهو البائس المكدود، ولو أنك وضعت الحاج «بخيت» بين جماعة البؤساء فإنك لا تأتي حرجا ولا تقترف جريرة، أما أن تسلكه بين السادة الأعيان وأن تسكنه فسيح الجنات في هذه الدنيا وأن يجرع كؤوس النعمة ما شاء، ففي ذلك الحرج كله والجريرة الكبري .. ولكن من الجاني؟ أنه الحظ.
كان الحاج «بخيت» مديد القامة ممتليء الجسم ضخم الرقبة قصيرها ارتسمت علي وجهه آثار لمعارك عديدة كان فيها بطل من أبطالها، فهذه خدوش تركت في بشرة الوجه خيوطا سوداء أو قريبة من السواد وهذه جروح عميقة فوق الحاجب الأيسر، وفي الجزء الخلفي من الرأس تشير إلي طعنات قاتلة بالسكين أو الفؤوس.
وقفت بجوار هذا العملاق كما تقف ذبابة علي قرن ثور، وكنت متواضعا وكان متعاليا، فإن رجلا من المحامين جاء يطلب معونة رئيس عمال من المعروفين في سوق العمل، وكان يتحدث عن ذاته حديث رجل من رجال الدولة الذين وضعت في أيديهم مصائر النواب، فإن كلمة منه كافية للفوز والنجاح أو الفشل والسقوط وأفهمني أنه كان قد عقد العزم علي أن يتقدم لترشيح نفسه، ولكنه بعد أن فكر وقدر عدل عن هذا الرأي، فإنه لا يجد وقتا ولا فراغا، وأن النيابة تحتاج للرجل الذي لديه متسع من الوقت، وكان الحاج «بخيت» صادقا في مقاله فهو لم يحجم عن الترشيح لأنه خطر في وعيه أنه رجل جاهل وأن أمثاله لا يستحقون أن يكونوا نوابا، وأن هذا المركز السامي يحتاج إلي الرجل العليم المتعلم الذي في مقدوره أن يضع القوانين ويسن التشاريع ... لا. وإنما كان الباعث لديه ضيق الوقت أو سعته، إذ القانون يكتفي بأن يكون في ميسور النائب أن يكتب اسمه وأن يطالع في كتب الأطفال الصغار.
وقد وعدني الحاج «بخيت» بالمساعدة، وعلمت أنه وعد غيري أيضا من المرشحين الخمسة وهو معذور في هذه الوعود التي يلقيها للجميع مضطرا حتي لا يخيب لأحدهم رجاء.
مقهي عمال الأفران
غابت الشمس وأرخي الليل سدوله فرأي «ناصر أفندي» أن نجلس في أحد مقاهي الحي نتحدث إلي الجالسين، وكان سيء الاختيار للمقهي الذي جلسنا فيه فقد كان صغيرا، وكان جميع رواده نياما أو كالنائمين، تحسبهم أيقاظا وهم رقود. وتبين لي فيما بعد أن هذا المقهي لا يجلس فيه إلا طائفة معينة من العمال هم طبقة العاجنين والقراصين والخابزين وهم جميعا من أبناء الصعيد.
وقد جازف «ناصر أفندي» إذ رأي أن يلقي عليهم خطابا أو أن يحدثهم عن الانتخابات وعن المرشحين، وكانوا يستمعون إلي الخطاب وهم في شبه ذهول ولم تبد علي وجه أحد منهم أية بادرة تنم عن فهم لكلام المتكلم وقد ارتج علي «ناصر أفندي» ولم يتمكن من الاسترسال في الخطاب فرأي أن يجلس فصفق له واحد من المدرسين وهو الذي صاحبنا في هذه الزيارة، حينذاك انتفضت أبدانهم ونظروا يمنا ويسارا وصفق منهم من انتقلت إليه عدوي التصفيق.
ومن الغريب أن يدعوني «ناصر أفندي» إلي الكلام، ومن العجيب أني لبيت الدعوة ! فوقفت لأتحدث إليهم فصفق «ناصر أفندي» ودعاهم إلي التصفيق فأجابوا.. ثم هتف فيهم باسم المرشح فهتفوا وكنت إذا وقفت لحظة ينتهز الفرصة فيصفق أو يهتف فيصفقون ويهتفون، وقد أراد صاحب المقهي أن يتقدم إلي مساعدتنا فكان يترجم إلي السامعين كلامي حتي جعلني أعتقد أني لم أكن أخاطبهم باللغة العربية أو أني كان يجب علي أن أتحدث إليهم بلغة غير العربية حتي يفهموني وكانت الزيارة مخفقة من كل وجه لأني لم أحسن الحديث إلي الناخبين الذين من حقهم اسقاطي أو انجاحي.
زعيم الهتافين
ضاقت بي الأرض فرأيت العودة إلي مكتبي واكتفيت بهذا الجهد الذي بذلت، وكنت قد حددت لرجل من أصحاب السيارات ميعادا لمقابلتي للاتفاق معه علي تأجير عدد من السيارات لأستخدامها لركوب الناخبين ونقلهم إلي محال اللجان الانتخابية في يوم المعركة الفاصل.
وجدت المكتب مزدحما بالزائرين من عمال الانتخاب وقد امتلأت بهم غرف أربع ومن لم يجد منهم مقعدا وقف معتمدا علي الحائط أو علي الأبواب، وقد جلس «عبدالرؤوف» ومعه خمسة من الأعوان الجدد قال عنهم بأنهم دعامته يوم الانتخاب وأنه لا يمكنه أن يتخلي عنهم، ويجب أن يشتريهم، فهم جميعا متصلون بالجهة التي يقيمون فيها ولهم تأثير خطير علي الناخبين، ويجب أن أدفع لكل منهم جنيها واحدا وأني إذا لم أدفع المبلغ فسيدفعه هو من جيبه الخاص ولو أنه لم يكن له أي جيب خاص أو كانت له جيوب خاصة ولكنها كانت خاوية إلا من الهواء.
وهذا المعلم «زكي» مع أعوانه من الفتوات ولاصقي الإعلانات وعلي رأسهم ذلك الرجل القوي المدعو محمود، بل هذا الرجل الصفيق الذي لا يخجل ولا يحس أي إحساس بالخطيئة، فقد يسرقك وقد تفاجئه أثناء الجريمة ثم لا يجد غضاضة فيما بعد أن يلاقيك وأن يتحدث إليك حديث الصديق كأنما لم يرتكب إثما ولم يصبك بضرر ما.
لم يكن محمود يعمل عملا ما بل كان عاطلا وقد جعلته بطالته مجرما اعتاد الإجرام وإنك لتسمع عن إنسان بأنه مجرم ولكنك مثلي لا تدري كيف يكون الإجرام.
إنك تسمع ويسمع الناس جميعا أن إنسانا يسرق أو يقتل فنرهب جميعا هذا السارق أو ذاك القاتل، ولكننا لو قابلناه لوجدناه إنسانا له جسم إنسان: رأس وعينان وأذنان وشفتان ووجه كامل ويدان وساقان وجسد كامل ولكننا نحاول أن نبحث عن الإجرام في هذا الإنسان فلا نجده .. ذلك لأن الإجرام طبيعة خلقية لا تتبينها العين وإنما نلمس آثارها.
هذا «محمود» كان علي رأس جماعة الهاتفين، وكان عاطلا لا يجد قوت يومه ولا يجد ما يرتديه في هذا البرد القارس، وكان شابا فيه فتوة الشاب وكانت صورته غير جافية، إلا أنه يرتدي قميصا وسروالا ممزقا تعلوه الأقذار ولا ينتعل حذاء وإنما يسير حافي القدمين وكان لشدة بأسه زعيما للهاتفين وقد استولي عنوة في يوم من الأيام من «عبدالرؤوف» علي أجر الهاتفين ولكنه لم يوزع عليهم إلا قسما ضئيلا من المال الذي استولي عليه واختص نفسه بمبلغ كبير فراح الهاتفون يصخبون ويلعنون ويطالبون «عبدالرؤوف» بأجرهم، وكنت حينذاك في زيارة الدار الانتخابية فشاهدت هذه الضجة، ولما تحريت أمرها تبين لي هذا الأمر فسألت «عبدالرؤوف» أن يدفع للمتذمرين أجرهم فأفهمني أن «محمود» أخذ أجر هؤلاء الصبيان الهاتفين وفك الرهن عن حلة صفراء من حلل العمال وعن حذاء من المطاط، وكان قد رهن هذه الأشياء لضيق ذات يده في بيت يديره رجل من اليونان.
وقد أقبل «محمود» بعد ذلك إلي الدار الانتخابية وحياني فإذا بي أراه علي غير المألوف، فتي نظيف الثياب يرتدي حلة صفراء وحذاء من المطاط وقد اختفي القميص والسروال والقدم الحافية، فسرني هذا المنظر ولم أغضب لاغتصابه أجور الهاتفين، وأفضيت إليه بسروري إلا أنني شاهدته بعد ذلك وقد مضت فترة لا تزيد علي سبعة أيام فإذا به قد عاد إلي قميصه وسرواله وحفائه، فقد رهن ملابسه من جديد.
إن محمودا كان من أولئك الذين لا يعبئون بالحياة وإنما يقبلون منها جميع صورها ولو في شيء من التذمر والحنق، لكن لا يطيب لهم إلا هذا اللون القاتم منها أو القاتم حينا اللامع حينا آخر ولا تحلو لهم الحياة إلا في التقلب بين الألوان المختلفة التي يراها العقلاء فوضي وهي عند هؤلاء عين النظام.
كان محمود في قميصه وسرواله وحفائه عندما عدت إلي المكتب ولم يكن هو الوحيد الذي تشمئز النفس من منظره أو تقتحمه العين لقذارته بل كان المترددون من أمثاله في هذه الفترة من تاريخ حياة المكتب عددا كبيرا.
متعهد النقل
وكان متعهد النقل موجودا في صحبة رجل من الأقوياء الذين يعملون في البحر، وكان المتعهد يرتدي بدلة ويضع علي رأسه طربوشا ويحلق شاربه علي مثال «أدولف منجو» ممثل السينما الأنيق، وكان زميله رجلا ممتلئ الجسم يرتدي جلبابا مفتوح الصدر ويضع علي رأسه طاقية، ومضي المتعهد يساومني في أجر السيارة وفي عدد السيارات وفي الميعاد الذي ينبغي حضورها فيه في صباح يوم الانتخاب وبعد مفاوضات طويلة اتفقنا علي الأجر وعلي العدد وعلي الميعاد وسطرنا جميع ذلك في عقد حررناه من صورتين واستلم كلانا نسخة للعمل بموجبها عند اللزوم، وهذا اللزوم هو أن ينكل المتعهد عن تقديم السيارات أو أن يتأخر عن الحضور في الميعاد، وقد حددت لهذا الإخلال بالتعهد مبلغا من المال يدفعه لي علي سبيل التعويض ولو أن الخروج علي العقد فيه قضاء علي الأمل في الفوز وهي نتيجة لا تقوم بمال.
وقدرت أني في حاجة إلي ست فقط من السيارات العادية ما دام أن اللجان الانتخابية لا يزيد عددها علي خمس، وقد تقرر عقد اثنتين منها في بناء واحد فأصبحت في الواقع أربع، وكانت اثنتان منها بعيدتين عن محلات إقامة الناخبين، وما الاثنتان الباقيتان فكانتا علي مقربة من منازلهم، ولهذا قدرت أني لا أحتاج لغير ست من السيارات.
وقد علمتني المحاماة ألا أصدق إنسانا ما وأن أجعل الفرض الأساسي أن الإنسان كاذب بطبيعته وكنت أري الأمن والسلامة في التمسك بهذا الفرض، ولهذا رحت في اليوم التالي أبحث عن محل إقامة المتعهد وعن منزله الذي أملي علي عنوانه فكتبته في العقد وأنا أخشي ألا يكون له منزل في المكان الذي أملاه ووجدت في تلك الجهة تاجرا من أصدقائي فأرسلت أحد رجاله يتجسس لي عن أحوال المتعهد وأخلاقه بين زملائه من سائقي السيارات فعاد إلي بعد قليل يطمئنني بأن المتعهد ممن يحافظون علي كلمتهم فارتاح البال المضطرب بالوساوس.
المدرس وصاحب المقهي
وظهر بين المجتمعين في المكتب وجهان جديدان أحدهما لمدرس في مدرسة أميرية والآخر لرجل من أصحاب المقاهي ومن رؤساء العمال، وقد أطنب المدرس في صديقه صاحب المقهي وفهمت منهما أنهما تلاقيا عندي علي غير ميعاد بينهما ولام علي المدرس عدم اكتراثي للجهة التي يوجد فيها منزله وعدم كفاية دعايتي فيها فابتسمت وقلت: أعلم ياسيدي أني قد قمت بدعاية كافية، فقد زرت جميع شوارع الدائرة ومررت بأكثر أزقتها وخطبت أكثر من ثلاثين خطبة وجلست في أكثر مقاهيها وزرت بعضا من الناخبين في منازلهم وبعضا من الحجاج في سرادقاتهم وليس في مقدوري أن أسلم علي جميع السكان فردا فردا وإنما أعتقد أن الناخبين أصبحوا علي علم تام بالمرشحين ولهم بعد هذه الدعايات أن يحكموا وأنا لا أحاول التغرير بأحد ولا أن أؤثر علي ناخب بمال أبذله لأني أعتبر الكرسي النيابي كرسيا ساميا لا يشتري بالمال وإنما ينال بالثقة النظيفة التي يمنحها الناخبون للمرشح اللائق للنيابة حقا وأما بذل المال ففيه تزييف للثقة وخداع للناخبين وتمكين للأغنياء من الجهلاء من أن يصرفوا شئون الأمة تصريفا غير حكيم.
قال: ولكن المرشحين يتنافسون في البذل والعطاء.
قلت: إني لست واحدا من هؤلاء.
قال: إنك إذن لا تضمن النتيجة.
قلت: فليكن، فما دام الناخبون قد ارتضوا هذا الوضع فهذا شأنهم، فإني لا أقبل شراء الأصوات وأجد في هذا الفعل تحقيرا لي وتشويها للمعركة الانتخابية وأشار المدرس أنه في حاجة لأن يتحدث معي علي انفراد فلجأنا إلي ركن من أركان الغرفة وتبادلنا الحديث همسا وفهمت منه أن صديقه صاحب المقهي رجل ذو شأن في جهته وأنه علي استعداد لمساعدتي، إلا أن تصريحي بأنني لا أدفع نقودا للناخبين أهبط عزيمته ثم إني بهذه الخطة سأفقد أنصارا عديدين لأن الجو أصبح موبوءا وأن المرشحين يبذلون المال بذلا جما فهو تيار لا يمكن دفعه، وأشار إلي أن هناك مسألة مهمة لا يصح أن تفوتني .
سألته - ما هي؟
قال: إن الناخبين الآن لا يهمهم أن ينجح هذا أو ذاك لأن لهم منطقا خاصا، فهم يرون أن التنافس بين المرشحين شديد فظنوا أن كرسي النيابة بيت للإيجار من يدفع أكبر الأجر يناله أو أنه سلعة نفيسة من أراد حيازتها فعليه أن يدفع الثمن الغالي الذي يرسو به المزاد، ثم هم يرون أيضا أن بعضا من النواب في المجالس السابقة أمكنهم أن يستفيدوا فائدة ذاتية من كونهم نوابا ولهذا ظنوا وبعض الظن إثم أن كل مرشح لا يصدر في ترشيح نفسه عن رغبة قلبية خالصة للقيام بخدمة عامة وإنما يريد أن يغتني من كرسي النيابة كما اغتني بعضهم، ثم استرسل يقول بأن صاحبه لا يريد مالا للناخبين وإنما نظرا لأنه سيجمعهم في مقهاه وسيوزع عليهم الشاي والقهوة بدون ثمن فيجب أن نعوضه عن المصاريف التي سوف يتكبدها.
وهكذا دفعت أنا الحريص خمسة جنيهات لمحتال جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.