فوز الزميلين عبد الوكيل أبو القاسم وأحمد زغلول بعضوية الجمعية العمومية ل روز اليوسف    وزارة النقل تدرس إرسال مهندسين وفنيين للتدريب في الصين    جهاز التنمية الشاملة يوزيع 70 ماكينة حصاد قمح على قرى سوهاج والشرقية    جولة داخل مصنع الورق بمدينة قوص.. 120 ألف طن الطاقة الإنتاجية سنويا بنسبة 25% من السوق المحلي.. والتصدير للسودان وليبيا وسوريا بنحو 20%    عاجل - إصابة الملك سلمان بن عبدالعزيز بمرض رئوي.. الديوان الملكي يؤكد    فرنسا تستثير حفيظة حلفائها بدعوة روسيا لاحتفالات ذكرى إنزال نورماندي    ميدو بعد التتويج بالكونفدرالية: جمهور الزمالك هو بنزين النادي    نتائج مواجهات اليوم ببطولة الأمم الإفريقية للساق الواحدة    غدا.. أولى جلسات استئناف المتهم المتسبب في وفاة الفنان أشرف عبد الغفور على حكم حبسه    أخبار الفن اليوم، محامي أسرة فريد الأطرش: إعلان نانسي تشويه لأغنية "أنا وأنت وبس".. طلاق الإعلامية ريهام عياد    «ذاكرة الأمة».. دور كبير للمتاحف فى توثيق التراث الثقافى وتشجيع البحث العلمى    الصحة: طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    سلطنة عمان تتابع بقلق بالغ حادث مروحية الرئيس الإيراني ومستعدة لتقديم الدعم    رئيس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: جرائم الاحتلال جعلت المجتمع الدولى يناهض إسرائيل    دموع التماسيح.. طليق المتهمة بتخدير طفلها ببورسعيد: "قالت لي أبوس ايدك سامحني"    بينها «الجوزاء» و«الميزان».. 5 أبراج محظوظة يوم الإثنين 19 مايو 2024    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    خبير تكنولوجى عن نسخة GPT4o: برامج الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إغلاق هوليود    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للنوم في الطقس الحار بدون استعمال التكييف    الكشف على 1528 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية.. الإفتاء توضح    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    رئيس الإسماعيلي ل في الجول: أنهينا أزمة النبريص.. ومشاركته أمام بيراميدز بيد إيهاب جلال    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفاؤل يسود بين أعضاء هيئة حملتي الانتخابية.. والجميع يؤكدون أن الدائرة أصبحت في جيبي


اليوم قبل الأخير
نحن الآن في مساء اليوم السابق ليوم الفصل الذي سيجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب لوضع أصواتهم في صناديق الانتخاب المقفلة.
جلست في مكتبي كما يجلس القائد وقد أحاط بي أركان الحرب من أعواني وقد دعوت جميع أقربائي المقيدة اسماؤهم في جداول الانتخاب بالدائرة وأقبل والدي فيمن أقبل فقد اهتم بالمعركة اهتماما بعيد المدي ولكني كنت أراه رجلا شيخا أحيل إلي المعاش منذ عشرين سنة وانقطعت بينه وبين الناس العلاقات وركن إلي صلاته يؤديها في مواعيدها وإلي المقهي يجالس فيه بعض أرباب المعاشات أو يلاعب الشطرنج أميراً من أمراء دولة شرقية من الذين نبت بهم بلادهم.
كان يسألني أن أعهد اليه بعمل ما ولكني خشيت علي سنه العالية أن يجهد وأن ينصب، لهذا كنت أقول إنه يكفيه أن يقف من المعركة موقف المشاهد أو المتلقي لأخبارها وكان يضيق ذرعا بكلامي هذا ولا يستمع إليه فيذهب إلي من يعرف من الناس يحدثهم أو يقابل أحدا من الأقرباء فيوصيهم فهو يريد أن يكون له في معركة ابنه مكان ما أو يكون له فيها نصيب.
التلقين الأخير
قلت موجها كلامي إلي الأعوان جميعا:
اسمعوا أيها الإخوان ستبدأ المعركة غدا في الساعة الثامنة صباحا فيجب علي كل واحد منكم أن يكون في مكانه منها ويجب أن يعلم كل منكم عمله منذ الآن .
سيكون منكم المندوبون والوكلاء وسيكون منكم راكبو السيارات الذين يعهد إليهم بإحضار الناخبين من منازلهم أو من أعمالهم. أما أنتم أيها المندوبون فاعلموا ما يأتي :
إن غرفة التصويت يوجد فيها مكتب يجلس قبالته رئيس اللجنة ومندوب من وزارة الداخلية يحيط بهما مندوب عن كل مرشح من المرشحين الخمسة ويوجد بالقرب منهم صندوق كبير سيفتحه رئيس اللجنة أمامكم ويعرضه عليكم لتتحققوا خلوه من الأوراق ثم يقفله بعد ذلك بمفتاح معه وللصندوق شق في وجهه مخصص لوضع أوراق التصويت خلاله وهناك شريط من القماش يلصقه الرئيس علي هذا الشق عند انتهاء عملية التصوير ويختم عليه بالشمع الأحمر ويخرقه من كل من جانبي الصندوق بمسمارين يدخلان في ثقبين جانبيين ويختم بالشمع كذلك علي رأس كل مسمار.
وسيعرض عليكم الرئيس مظروفا مقفلا يحتوي علي أوراق للتصويت يبلغ عددها عدد أسماء الناخبين المدونة اسماؤهم في جداول الانتخاب والذين سيحضر أصحابها أمام اللجنة المكلفة جمع الأصوات حسب مقدار عدد الناخبين المعهود للجنة بأخذ أصواتهم.
وسيفتح الرئيس هذا المظروف ويعد أمامكم الأوراق التي يشتمل عليها ويجب أن يكون هذا العدد مطابقا للرقم المدون علي المظروف وأني أستحسن أن تعد الأوراق وتوضع في رزم كل رزمة منها مائة ورقة وذلك لصيانة العملية من العبث وسيضع الرئيس محضرا يحرر فيه جميع هذه الإجراءات وبعد تحرير المحضر يبدأ في عملية التصويت.
وأن علي المندوبين منكم أن يتأكدوا من شخصية كل ناخب وأنه هو نفسه حامل البطاقة الحمراء التي يحملها وأن يراقب كيفية التصويت فمن يعرف القراءة والكتابة فعليه أن يقف خلف الستار الموضوع في أحد اركان الغرفة وأن يسود الحلقة البيضاء التي توجد أمام اسم المرشح الذي يريد انتخابه في ورقة التصويت ومن لم يكن علي علم بطريقة التصويت أو لا يعرف القراءة والكتابة فإن الرئيس هو الذي يتولي سؤاله وتسويد الحلقة البيضاء أمام اسم المرشح الذي يرغب انتخابه ويجب أن يؤشر في كشف الأسماء أمام كل ناخب أعطي صوته حتي لا يصوت مرة أخري كما يحسن أن يؤشر علي البطاقة نفسها بما يفيد التصويت.
هذه تعليماتي إلي المندوبين وأما الوكلاء فعليهم أن يراقبوا عملية التصويت وأن يرشدوا الأنصار من الناخبين إلي الإجراءات التي يجهلونها وأن يكونوا علي صلة بالمندوبين حتي يتبينوا منهم علي قدر الامكان عدد الناخبين الذين منحوني أصواتهم فإذا كان النهار قد تقدم بنا ولم أكن قد نلت أصواتا كثيرة فعلي الوكلاء أن يتصلوا بي عند ترددي علي اللجان الانتخابية لينبئوني بالنتيجة، كما أن عليهم أن يتصلوا كذلك بالأنصار المعهد إليهم نقل الناخبين وإحضارهم.
وأما المندوبون الاحتياطيون فعليهم كذلك الحضور في الصباح المبكر ليحلوا محل المندوبين الأساسيين في حالة تخلف أحد هؤلاء عن الحضور لعذر طاريء.
أموال طائلة
كنت أغبط نفسي علي هذا التنظيم وخلت أن أحدا من المرشحين لم يؤت العلم بجميع الإجراءات وتفاصيلها الدقيقة حتي يخوض المعركة هاديء البال مطمئن الضمير.
إلا أنني رغم هذا التنظيم كنت أشك في نتيجة هذه الحرب الانتخابية فقد اطلعني الأنصار علي أن المرشحين كافة قد ألقوا أموالا طائلة وأنهم جميعا قابلوا من قابلت من رؤساء العمال وأصحاب الأعمال والمقاهي، وكنت مبلبل الفكر حقا وكنت أدير في نفسي خواطر شتي فأقول لو أني كنت ناخبا من ناخبي هذه الدائرة فأي المرشحين اختار، أنهم قد بلغوا الخمسة وأنا ناخب أجهل الجميع أو يستوي في نظري الجميع، فلو أني بليت بأن كنت ناخبا في هذه الدائرة لوضعت الأسماء في ورقة وأغمضت عيني فمن يقع عليه أصبعي فهو الذي انتخب أو أني قد أجري عملية قرعة بينهم فأضع الأسماء في قصاصات صغيرة من الورق ثم اخلطها مع بعضها واسحب من بينها ورقة فمن يكون اسمه مكتوبا فيها فهو النائب المحترم أو لعلي لا أجهد نفسي إجهادا ما وأخلي بيني وبين العملية فلا انتخب هذا ولا ذلك.
في الحق أني اشفقت علي الناخبين في حيرتهم وانتقلت إلي عدوي هذه الحيرة وكنت لا أطمئن علي التوجيه الختامي الذي سيتجه إليه كل ناخب وكنت أعجب فيما بيني وبين نفسي كيف يمكن أن نجمع في صعيد واحد آلافا من الأشخاص يؤمنون بفكرة واحدة وهي انتخابي.
قال المعلم زكي: لقد اشتريت أصواتا ولممت بعض الناخبين تذاكرهم ودفعت لهم أجورا لانتقالهم إلي دار الانتخاب وأن هذه التذاكر في جيبي الآن وسأحضر أصحابها غدا.
وقال «عبدالرؤوف»: أرجو أن تخصص لي سيارتين لنقل الناخبين فإن الجهة التي اشرف عليها بعيدة عن دار اللجنة ولا نود أن نثقل علي الناخبين بل سأختطفهم خطفا من الطرق ومن المقاهي ومن محال العمل ومن المنازل وقد حشدت من أجل هذا العمل عددا من الأعوان الأشداء.
وقال «ناصر أفندي»: لقد مررت علي أخواننا النوبيين في مقهي الحاج «محجوب» ونبهت عليهم، وهؤلاء النوبيون ليسوا ممن يقبلون مالا بل هم أصحاب نخوة وكرامة، وهم من بعد أن خطبت فيهم عند زيارتك للمقهي عقدوا العزم علي انتخابك ومررت أيضا بأولياء أمور الأولاد وأصحاب المحلات في منطقتي وأني أري الجو في مصلحتك وآمل نجاحك فإن الجميع يرغبون في ذلك وإذا لم تسفر النتيجة عن النجاح فإني أعتقد أنك ستدخل في انتخاب الإعادة.
عجبا ! هل هناك من يظن أني قد لا أنجح في هذا الامتحان الشعبي العام.
سرّ خطير
وضرب لي التليفون أحد الأنصار فقال بأنه أمكنه أن يستميل إلي جانبنا رجلا من كبار أعوان أحد المرشحين وأنني يجب أن آلاقيه في الحال ليطلعني علي سر خطير.
عجبا لهذه المعركة أنها مليئة بالأسرار مطرزة الحواشي بالخيانات.
هذا خائن أؤتمن علي سر أفضي به إلي وقد قبلت منه هذه الخيانة فشاركته في جريمته الكبري ودفعت له أجرا عليها.
إن تحت يده عددا هائلا من التذاكر الانتخابية الحمراء وصلت إلي المرشح الذي يخدمه بطريق ما وأنه في إمكانه أن يعطيني مئات من هذه التذاكر.
قلت: وماذا أفعل بها.
قال: ما كان ينتظر أن يفعل بها المرشح الآخر.
وقال عبدالرؤوف: هات هذه التذاكر وأنا أعرف كيف استعملها.
فسألت : ولكني أريد أن أعلم؟
قال عبدالرؤوف: سنعطي هذه التذاكر لمن يتسمون بالأسماء المدونة فيها.
قلت: وإذا ضبط ..؟
قال عبدالرؤوف: اني أعلم أن أمثال هذه القضايا تحفظ وان لم تحفظ فإن الحكم فيها لا يتجاوز غرامات بسيطة، ومع ذلك فهل هناك من يدري؟
قلت: هذا تزوير لا أرضاه.
قال عبدالرؤوف: ولكن الخصم الذي توجد تحت يده هذه التذاكر سوف يستعملها بهذه الطريقة.
قلت: إذن نستولي عليها ونتلفها فنعجزه عن استعمالها.
قال الخائن: ولكن لا يمكنني أن أحصل علي جميع التذاكر.
قلت: أحضر لنا كل ما يمكنك إحضاره منها وأننا سنراقب العملية الانتخابية مراقبة دقيقة وأن من عمل المندوبين أن يتحروا شخصية كل ناخب بتوجيه الأسئلة إليهم كلما اشتبهوا في أحدهم ما دام الناخبون لا يحملون تذاكر تحقيق الشخصية ومادام لم يصدر بعد القانون الخاص بهذه التذاكر.
وكان يصحب الخائن شريك آخر في خيانته وقد اقتسم الاثنان مبلغ العشرة جنيهات التي استلماها مني.
ووضع الخائن خطة أخري هي أننا لو حاولنا التزوير فسيصدر التعليمات إلي مندوبي الخصم الجالس في لجنة الانتخابات إلي عدم الأكثار من الأسئلة والتحقيق مع الناخبين الذين يمنحوني أصواتهم.
فقلت: خل عنك يا صاح فسوف لا أحاول التزوير بل سأجتهد في ضبطه لو وقع لأني أريد أن تسير عملية التصويت في حيدة تامة ونظام مطلق وما يقدر يكون.
البحث عن فتوات
وقال عبدالرؤوف: علمت أن خصما أعد بعضا من الأقوياء للاعتداء علينا أنا والمعلم «زكي» وبعض الأعوان فيضربوننا ضربا يؤدي إلي نقلنا إلي المستشفي فإذا حصل هذا الاعتداء خسرت معونتنا.
قلت: هذا خبر جديد خطير لو وقع هذا الاعتداء فعلي من اعتمد من الأنصار.
وأطرقت برأسي مفكرا فترة قال المعلم «زكي» في أثنائها.
- إني أري أن نعتدي عليهم قبل أن يعتدوا علينا.
قلت: وإذا قبض عليكم وحقق معكم فالنتيجة واحدة وسيان أودعت السجن أو أودعت المستشفي فستشل الحركة.
قال عبدالرؤوف: إذن نحاول اجتذاب المعتدين المأجورين إلي جانبنا أو نستأجر بعض الأقوياء لحمايتنا من الاعتداء.
قلت: افعلوا ما بدا لكم فقد اختلط الأمر علي وتعطل تفكيري.
وقال رجل من الجالسين لا ينتمي إلي جماعة الأنصار ولا إلي فريق الناخبين في الدائرة بل كان يقيم في جهة أخري من المدينة.
- إن لي رأيا إذا أخذتم به فأني علي استعداد لتنفيذه.
قال عبدالرؤوف: ما هو؟
قال الرجل: إن جهة الجمرك التي أقيم فيها مليئة برجال البحر الأشداء وهم لا يخافون من الجن المصور وأنا في إمكاني أن أستحضر عددا كبيرا ويمكنكم أن تضعوا كل فريق منهم أمام لجان الانتخاب.
فقال المعلم «زكي»: لو قبلنا رأيك لثار علينا فتوات الدائرة لأنهم يعتبرون حضور رجالك تعديا علي اختصاصهم فتكون الطامة الكبري بل إننا نفقد أنصارنا من الفتوات ويمضون في التحرش برجالك.
قال المتكلم: صحيح ، عندك حق.
فوضع المعلم «زكي» أصابعه بالقرب من مكان العقل في رأسه وبرمها وأدارها وهو يحملق إلي وجهي بنظرة رافعا حاجبيه وهو يريد بهذه الإشارات أن يقول إن الكلام المضبوط لا يرقي إليه التجريح.
تحطمت أعصابي تحطيما وتناثرت في كل مكان وكنت أحاول أن استجمع قواي وأحتفظ بسلطاني علي تفكيري وأملك زمام نفسي وأسيطر علي شعوري ولكني وجدتني في هذا النضال العنيف وقد أصبت بصدام ملح شامل لا يزول وكنت أخلع طربوشي وأعرض رأسي الملتهب للهواء الطلق البارد حتي يهدأ الدم الثائر المحتقن في أوعيته وحتي تهبط طرقات تلك المعاول الفكرية التي كانت تطرق جانبي الرأس في عنف وشدة وقسوة، وكنت فيما بين ذلك أتجمل بالصبر وأدعو النفس إلي الاحتمال فإن الإعداد لليوم الحاسم قد بلغ الذروة وإنني يجب أن أكون في عنفوان قوتي في الغد، هذا الغد الذي لا نعلم ما سيتمخض عنه من نتائج والذي يرقبه جميع المرشحين في لهفة بالغة وأمل كبير أيضا.
وإني وأنا أنزل من السيارة في ذلك المساء نبهت علي السائق تنبيها حادا وقلت له: اعلم أيها السائق أن غدا هو يوم المعركة الفاصل فيجب أن تبكر بالحضور، يجب أن تقبل علي صياح الديك، هل تعلم متي يصيح الديك؟ لقد ألهم بأن يؤذن في الناس إذا ما انسلخ النهار من الليل وإذا ما لاح في أقصي الأفق شعاع الفجر البرتقالي وهو يناضل دياجير الظلام.
وأقبل السائق مع صياح الديك الذي يشدو محييا الكائنات عامة وكانت العوامل النفسية ذات أثر بعيد في هذا النوم المضطرب وهذه اليقظة المضطربة وهذه الليلة التي لم تكن نوما كلها ولا يقظة كلها وإنما كانت خليطا غير متآلف.
يوم الحساب
8 يناير سنة 1945
كانت الساعة السادسة والنصف من صباح ذلك اليوم حينما ركبت السيارة يصحبني شقيقاي اللذان لا يزيد عمر الكبير منهما علي عشرين عاما، وكان كلاهما يستعد لاجتياز امتحان الثقافة ولم يعبآ بالمدرسة في ذلك اليوم لأنهما أرادا أن يساعدا أخاهما الأكبر في امتحان أخطر من الثقافة، وكثيرا ما سارا معي في جولاتي وتطوافي بالدائرة وكانا متحمسين إلي أبلغ حدود الحماسة وكانا يهتفان مع الهاتفين ويصيحان مع الصائحين ويحمسان الكسالي من المأجورين ويلتفان بي إذا ما تحرج الموقف في إحدي الجولات، وكنا موضع اعتداء وقد أمسك كلاهما بعصا يحملها استعدادا للدفاع عن النفس إذا لزم الأمر وتأزم الموقف، وكانت امهما ترتعد جزعا كلما رأتهما يحملان العصي إذ تحسب أن ثمة حربا قائمة، وكانت تظل ساهدة الطرف حتي يؤوبا من جولتهما معي ثم تسائلهما عن أخبار المساء فكانا يتحدثان عما شاهدا من جماهير وما سمعا من خطب وما طافا من شوارع وما زارا من منازل وما جلسا فيه من مقاه، وكانت تختلف أخبارهما التي يفضيان بها إلي أمهما أو أبيهما وإنما كانا يعتقدان أن النجاح قاب قوسين أو أدني وكان الصغير من الأخوين كثير الأحلام فما يمضي من الليل أكثره حتي يسمع وهو يصيح هاتفا بأحد تلك الهتافات التي كان يرددها في طوافه وترجعها الجموع معه.
لقد استأثرت المعركة بجميع مشاعر أفراد العائلة وكانوا أشبه بالمجندين الذين يقفون خلف الخطوط لتقديم المساعدات إذا ما أدلهم الخطب.
سارت بنا السيارة في طريقها المعتاد ولم يكن قد ازدحم بعد بالسيارات في تلك الساعة المبكرة من النهار، وبلغنا مكتبي وكان الفراش قد فتح النوافذ إذ حضر هو الآخر مبكرا طبقا لتعليماتي.. ووجدت «عبدالرؤوف» قد سبقني في الحضور في رفقة المعلم «زكي» وأقبل «ناصر أفندي» بعد قليل وكان كل واحد منهم يسأل عن السيارة المخصصة لاستعماله، ولكن المتعهد لم يكن قد أقبل بعد مع أن الساعة السابعة مضت وعقربها كان يسير غير عابئ باضطرابي ووساوسي، وأخيرا رأيت أن أذهب إلي منزل المتعهد أستعلم عن السبب في تأخيره.
مررت أمام قسم من أقسام البوليس فرأيت حركة غير عادية..! هذا جمع كبير من الناس والبوليس، وهذه سيارات عديدة قد اصطفت بجوار إفريز الشارع، وهذا زميل من المحامين قد حضر مبكرا لمساعدة أحد مرشحي حزبه.
وجدت المتعهد واقفا بجوار داره ومعه سيارة واحدة فأدهشني هذا الاهمال الخطير فهو لم يعد السيارات الست التي اتفقت معه عليها، فأفهمني أن رجال البوليس يصادرون السيارات ويستولون عليها لاستعمال المرشحين، وهو لذلك يخشي أن يخرج إحدي السيارات من الجراچ فتكون عرضة للاستيلاء، وطلب مني أن أعطي كل سائق ورقة تكون أشبه بجواز مرور له في الشوارع وإلا فإنه يخشي المسئولية، وسيحاول جهده في إحضار السيارات إلي المكتب في الحال. فاستعجلته وأنا ثائر وغاضب فإن الساعة الثامنة أزفت وستبدأ اللجان عملها.
مأمور قسم الشرطة
دعاني الحذر إلي أن اتجه إلي القسم لمقابلة المأمور فإنه قد حادثني تليفونيا منذ أسبوع وطلب مني أن أفضي إليه بعدد السيارات التي أرغب في استعمالها فلما استوضحته السبب في هذا السؤال أفهمني بأن قلم المرور بالمحافظة رأي أن يساعد المرشحين بالاستيلاء عنوة علي السيارات من أصحابها أو سائقيها حتي تتم العملية الانتخابية دون إرهاق لأنه بلغ إلي علم الرجال الرسميين أن أصحاب السيارات سيتغالون في الأجور وسيمتنعون عن استعمالها خوفا من تزاحم الناخبين في الركوب فيها أو علي رفارفها ومدارجها وحواجزها بينما الإطارات قديمة لا تحتمل هذه الأثقال المرهقة.
إنني رغما من اتفاقي مع المتعهد رأيت أن أقدم طلبي للمأمور أيضا مطالبا بست عربات فإذا أخفق المتعهد في الوفاء فقد يتيسر للمأمور أن ينجدني، وإذا فشل المأمور فقد يصدق المتعهد.
قابلت المأمور وسألته عن السيارات الست التي أعدها؟ فابلغني بأنه لا توجد تحت يده حتي ساعة ذلك الحديث غير ثماني سيارات ولا يدري كيف يقسمها بين المرشحين الخمسة، ولكن في مقدوره الآن أن يسلمني سيارتين فقط، فقبلت في التو هذا العرض وخرجت مع أحد حضرات الضباط لاستلامها، فإذا بي أجد سيارة منهما لا تطيق اطاراتها حمل ناخب واحد وأيقنت أنها لن تفيدني شيئا.
وقال السائق المرغم علي الحضور: لا يمكن أن أقبل ركوب أكثر من العدد المقرر.. حمولة السيارة خمسة أنفار فقط، واعلم يا أستاذ أني سأرفض رفضا تاما ركوب أي واحد علي الدرج أو الرفارف هأنت تري حالة الإطارات.. هذا يوم أسود!
قلت فيما بيني وبين نفسي: يافتاح يا عليم!
أما سائق السيارة الثانية فقد كان فتي ضحوكا لطيف الديباجة، وقد استولي مني علي خمسين قرشا قائلا بأنه ثمن الوقود، وقد كان ماكرا هذا السائق!
وعدت إلي المكتب فوجدت أن المتعهد قد جلب ثلاث سيارات وأن الرابعة ستقبل بعد قليل وأن سبب تأخيرها هو أنه تبين تلف بطاريتها ووجوب تغييرها.. وأما السيارتان الباقيتان فقد صادرهما البوليس ظنا منه أنهما لا تعملان في الانتخاب.
فحمدت الله علي أنه أصبح لدي خمس سيارات عدا سيارتي الخاصة إلا أني كنت أعجب لأحد الزملاء من المحامين فقد كان أعد خمسا من سيارات نقل البضائع «الكاميون» كما أعد عشر من سيارات الركاب وشاهدت هذا الرتل الطويل من العربات وقد اصطفت في الطريق في دائرته الانتخابية، ولصقت علي جوانبها ومقدماتها إعلانات كبيرة باسم المرشح، وحدثتني نفسي أن هذا الزميل لابد واثق من نفسه وثوقا كبيرا ولابد أنه سيحشد جموعا غفيرة في هذه السيارات الكثيرة وأنه سيطبق علي الناخبين إطباقا شاملا من جميع الجهات وقطعت حينذاك بضعف مجهوداتي وبساطة وسائلي.
إلا أن الزميل كان من الساقطين!
وحدثت نفسي وأنا أرسل تنهدات ثقيلة علي الصدر.. سنري.
استولي «عبدالرؤوف» علي سيارتين واستولي المعلم «زكي» علي اثنتين أخريين، وأما «ناصر أفندي» فقد اكتفي بالسيارة العرجاء لأن الشقة ليست بعيدة بين الحي الذي يشرف عليه وبين اللجنة الانتخابية الخاصة به.
قررت إغلاق أبواب المكتب واستخدام الكتبة والفراش في العمل الانتخابي وحولت قضايا اليوم إلي زميل من الزملاء فيجب أن أفرغ تماما للمعركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.