النهر لم يعد خالدا يهبنا مياهه كما كان بالامس البعيد والقريب وكما حلمنا أن يفيض أكثر من خيره علينا لنزرع مزيدا من الأرض من اجل مستقبل الاجيال خاصة واننا نتكاثر كل ثانية. النيل حياتنا ولكننا اخطأنا في حقه كثيرا.. أهدرنا بعضا من مياهه بسوء سلوكنا في الاستخدام أو عدم الاستفادة الكاملة من مياهه فتركناها تلقي بنفسها في مياه البحر. الان وليس بعد علينا ان نفيق وان نستشعر الخطر القادم خاصة ان الامطار في بلادنا شحيحة حتي السيول التي تحدث كل عام لا نفيد منها بل نعاني اثارها من هدم للبيوت والطرق والقري وأول الافاقة ان نقدم رسالة اعتذار للنيل الذي اسأنا اليه. نحن في مأزق كبير بعد الاعلان الاثيوبي بأنها جادة في بناء السدود الأربعة الآن وليس سد الالفية فقط وما لهذا من آثار سلبية علي مصر. سد النهضة هو أشبه بالسد العالي ولكنه اكبر حجما وله نفس الهدف من حجز المياه لتوليد الكهرباء وزراعة بعض الاراضي وبالتالي هذا الحجز سيؤثر علي كمية المياه التي تصل إلي مصر وعلينا ان ننتبه ان التصريحات التي تدلي بأن تحويل مجري نهر النيل لن يؤثر علي حصة مصر من المياه هو من قبيل المسكنات لان التحويل هو الانذار الاخير الذي يؤكد أن بناء السد في منتصف الطريق ولم يبق سوي النصف الآخر والخطر ليس في التحويل الان ولمدة سنتين لانها مرحلة فنية لاتمام بناء السد الذي سيشكل الخطورة علي حصة مصر من المياه. إذن نحن في مفترق الطرق والحلول القديمة التي كانت تنادي باستخدام القوة لهدم هذه السدود هي ايضا اصبحت في مفترق الطرق ولم يبق لنا سوي الحلول الاخلاقية والعلمية. هناك عدد من الدول الصديقة والعدائية لمصر تشارك في بناء هذه السدود وتضخ استثمارات ضخمة للاستفادة من الطاقة الهائلة التي ستنتجها هذه السدود لهذا اجد لزاما علينا أن نشارك مع الاصدقاء في هذه الاستثمارات بجانب اقامة مشروعات زراعية مشتركة مع اثيوبيا والسودان. لا مفر من التعاون مع اثيوبيا ومحاولة تعويض الجانب المهدر من المياه بسبب بناء السدود الذي سيؤدي إلي تبخر المياه من احتجازها واهدار جزء منها للاستخدام في توليد الكهرباء سواء بشراء الكهرباء منها بسعر زهيد او اقامة مشروعات مشتركة في مجال الطاقة تفيد الطرفين. تخفيض زراعة بعض المحاصيل التي تستنزف كمية كبيرة من المياه أو البحث عن طرق اخري لتقليل كمية المياه اللازمة لزراعتها. تعظيم الاستفادة من النيل الابيض المنبع الرئيسي لنهر النيل بعد ان ضن النيل الازرق بفيضه علينا والذي يضخ مياهه في اوغندا والكونغو خاصة وأن حصتنا منه ضئيلة، والتعاون واقامة مشروعات مشتركة مع الدول التي يمر بها لزيادة كمية المياه الواردة إلينا منه.. لاداعي للبكاء علي المياه المسكوبة خارج أراضينا ولاداعي للتلويح بالقوة وانه بالعلم والاخلاق والتعاون سنستطيع ان نتغلب علي هذه الازمة الخانقة بل وربما إذا احسنا الي نيلنا فيما يرد إلينا الان من مياهه حلت البركة في القليل وافاضت علينا من حيث لا نعلم.