محافظ بورسعيد: تنفيذ 90% من مشروع إنشاء شبكة انحدار صرف صحي بالضواحي    مصر والتشيك تبحثان تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    عادل حمودة: نتيناهو في مأزق حاد.. والجنود الإسرائيليين في حالة هلع    في مفاجأة غير متوقعة.. جماهير الوصل الإماراتي تُحيي آمال الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان في نهائي الكونفدرالية    عاجل.. تشكيل نابولي الرسمي لمواجهة فيورنتينا في الدوري الإيطالي    نشرة «المصري اليوم» من المنيا: مصرع 3 أشخاص واصابة 9 آخرين في حوادث طرق.. وتحقيقات في غرق طفل نادي بني مزار    الحماية المدنية تخمد حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    جائزتان لفيلمي سيمو لعزيز زرمبة وترينو لنجيب كثير بمهرجان إمدجاسن السينمائي الدولي بالجزائر    فيديو.. هل يجوز التبرع للمشروعات الوطنية؟ المفتي يجيب    الكشف على 917 مواطنا في قافلة طبية مجانية بقنا    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    الرئيس الأوكراني يوقع قانونا يسمح للسجناء بالخدمة في الجيش    وسط فرحة كبيرة من المصلين.. حضور رسمي وشعبي واسع في افتتاح المساجد اليوم    انخفاض كبير ب«حديد عز» الآن.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالأسواق    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    إزاحة الستار عن 3 مشروعات باقتصادية قناة السويس باستثمارات 30.5 مليون دولار    بالصور.. رئيس مدينة المنيا يفتتح مسجدين جديدين    السكة الحديد: إيقاف بعض القطارات أيام الجمعة والعطلات الرسمية لضعف تشغيلها    أمه خدرته لاستخراج أعضائه.. نجاة طفل فى بورسعيد من نفس مصير فتى شبرا الخيمة    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    زعيم السعادة 60 سنة فن    البيت الأبيض: الولايات المتحدة لا تريد أن ترى احتلالا إسرائيليا في قطاع غزة    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    غدًا.. متحف البريد يستقبل الزائرين بالمجان بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف    مقتل شرطيّين جنوب ماليزيا خلال هجوم يشتبه بأن منفّذه على صلة بإسلاميين    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    حسام موافي يحدد أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الأنشطة غير المصرفية تقدم تمويلات ب 121 مليار جنيه خلال فبراير الماضي    أحمد السقا: أنا هموت قدام الكاميرا.. وابني هيدخل القوات الجوية بسبب «السرب»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مخيم البريج ورفح بقطاع غزة    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    «المستشفيات التعليمية» تكرم المتميزين من فرق التمريض.. صور    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الشرق والغرب يجمعني
نشر في الأخبار يوم 08 - 05 - 2013


جمال الغيطانى
لم أشعر قط بالتناقض بين ما أقرأه من تراث عربي وما اطالعه من ترجمات لنصوص أجنبية..
الشرق والغرب وما بينهما..
فلأ بدأ مني، أحاول استعادة بداياتي، خاصة ما يتعلق بتلمسي الطريق إلي القراءة والكتابة في سنوات التكوين الاولي.. ربما يبدو ذلك شخصيا الي حد ما، لكنه يجسد مسارا سلكه معظم المبدعين والمفكرين المصريين والعرب.
جئت إلي العالم في التاسع من مايو، عام خمسة واربعين، كان والدي موظفا صغيرا يتمتع بقدرة هائلة علي الحكي الشفهي، لكن لم تكن له علاقة بالادب، هكذا اعتمدت علي ذاتي في تحصيل المعرفة والتكوين، في طفولتي كنت أميل الي اختلاق حكايات وهمية اقصها علي أمي التي جاءت من صعيد مصر لترعي ابناءها وتدبر شئون البيت، لم تكن تعرف القراءة والكتابة لكن كان لديها ثقافة شفاهية متوارثة ثرية جدا، قصص وأمثال وقواعد للسلوك، يمكن القول انها لعبت الدور الأساسي في التكوين، سواء بنقل خبراتها المتوارثة عبر آلاف السنين اليّ، أو تشجيعي علي الحكي باصغائها اليّ.
في سن السابعة كنت اجتاز ميدان الحسين بعد صلاة عيد الفطر، انه المركز الروحي للقاهرة، بل لمصر كلها، توقفت امام بائع للصحف والكتب، وقع بصري علي غلاف جميل لرواية البؤساء لفكتور هوجو ترجمة تمت في بيروت، اشتريتها بخمسة قروش، مضيت الي البيت سعيدا، قرأتها، انها القراءة الوحيدة للبؤساء، لم أعد إليها قط، لكنني مازلت احتفظ في ذاكرتي بصفحات كاملة منها، كأني فرغت منها للتو، كان البؤساء أول كتاب اقتنيه، قرأت قبله من مكتبة المدرسة مجلدات مجلة أطفال اسمها سندباد، بدأت البحث عن المصادر التي يمكن أن تمدني بالكتب، هكذا عرفت طريقي إلي باعة الكتب القديمة علي رصيف الجامع الأزهر، والأزهر جامع وجامعة تأسست منذ ألف عام، مركز علمي وثقافي ليس لمصر فقط ولكن للعالم الاسلامي السني خاصة، حول الأزهر مكتبات قديمة ودور نشر بعضها كان يطبع الكتب بلغات كردية ومالاوية، واوردية، وأمهرية »الحبشة« وبالطبع العربية، بدأ ذلك منذ مطلع القرن التاسع عشر عندما عرفت مصر المطبعة علي يدي محمد علي باشا مؤسس الدولة الحديثة، اما باعة الكتب القديمة فكان لديهم المؤلفات التي تخدم طلبة الأزهر من ادب قديم، وفقه وتاريخ، كذلك الروايات العربية والأجنبية المترجمة، لانني بدأت بالبؤساء اقبلت بنهم علي قراءة الروايات المترجمة، قرأت اسكندر دوما، والعديد من الروايات التي تناولت الثورة الفرنسية وأحداثها، قرأت الروايات البوليسية، روايات آرسين لوبين تأليف موريس لبلان، وروايات اجاثا كريستي، ولكثرة ما عشت مع المفتش بدارو اكاد اراه امامي، كذلك شرلوك هولمز، ثم قرأت ترجمات لدوستويفسكي الذي سأرتبط به مدي الحياة واعتبره اماما للروائيين، إن لم يكن اعظمهم، الي جوار مكتبي لوحة ضخمة له، يطل عليّ باستمرار من عينيه النفاذتين، حصلت عليها من متحفه في بطرسبرج »لينجراد«، قرأت »دون كيشوت« لترفانتس، و»آلام فرتر« لجوتة، كنت اقرأ بالتداعي، فإذا اعجبني كاتب ابحث عن مؤلفاته الاخري، وإذا قرأت رواية عن الثورة الفرنسية ابحث عن كتاب يؤرخ للثورة، كان ذلك في سنوات القراءة الأولي، السنوات البكر، السنوات الذهبية للقراءة، لم تكن الخطوط فاصلة بين الواقع والخيال، اقرأ رواية فأعيش احداثها، بل اكتسب بعض صفات بطلها كما جري لي مع »كاز بمودو« بطل احدب نوتردام الي درجة انني كنت امشي منحنيا مثله، أو اتمهل في خطواتي مقتديا براسكولينكوف عندما كان يخطط لتنفيذ جريمته، مع مضي السنوات، ومع معرفتي طريقي الي مصادر اكثر ثراء للكتب، تشعبت وغزرت قراءاتي غير انه يمكنني القول انني كنت امضي في طريق ذي شعبتين، الاول قراءة التراث العالمي المترجم الي العربية من روايات وأعمال فكرية، خاصة الماركسية التي تعرفت عليها مبكرا، ثم كتب الفلك والفيزياء التي احاول من خلالها أن اجد ما يساعدني علي ايجاد اجابة علي سؤالي القديم الذي بزغ في ذهني منذ الوعي علي الدنيا، عندما كنت اسأل نفسي: اين ذهب الأمس؟
التراث العربي
الاتجاه الموازي قراءاتي في الادب العربي القديم، والادب الشعبي المصري، من الأعمال التي تأثرت بها وعشت تفاصيلها، ألف ليلة وليلة، وهذا عمل أعيد قراءته باستمرار وفي كل قراءة اكتشف ما لم أعرفه من قبل، بل انني من تعلقي به حاولت ان اعرف به علي أوسع نطاق طوال سيرتي الادبية والصحفية، كتبت الكثير عنه، وطبعت طبعة كلكتا، اعدت اصدارها للقاريء المعاصر، وكان المتخصصون يبحثون عنها ولا يجدونها، لقد وفرتها في طبعة شعبية صدرت في ثمانية اجزاء منذ سنوات، كنت اقرأ الادب الأجنبي والتراث العربي جنبا الي جنب، فاتعلق بالاصيل، واتقمص أو اتعاطف مع الشخصيات الانسانية في الادب وليس في ذهني اي خطوط فاصلة بين من ينتمي الي الغرب أو الشرق، علاقتي بالكابتن اخاب في »موبي ديك« تماما مثل علاقتي بكمال عبدالجواد في الثلاثية، بل انني اجد نفسي في أبطال تشيخوف، وتوماس مان اكثر مما اجدها في أعمال ادبية عربية، عندما بدأت الكتابة عام تسعة وخمسين من القرن الماضي كنت مدفوعا بطاقة غامضة تشبه الغريزة، اهي صدفة ان يكون تاريخ بلوغي وبدايتي الكتابة متقاربين؟ لا أدري.
مايو
منذ البداية كان طموحي ان اكتب نصا مغايرا لكل ما قرأته، مازلت مقتنعا ان المبدع يجب أن يضيف الي التراث الانساني كله جديدا، مغايرا.
أن أجد صيغة تحقق لي أكبر مساحة من حرية التعبير، جميع الاشكال التي تعرفت عليها من الاداب الأجنبية، ومن الادب العربي القديم، لم تحقق لي ذلك في حالة إذا ما تعاملت مع كل منهما بشكل منفرد.
كان طموحي وما أزال ان احقق خصوصيتي.
تلك هي المحاور الرئيسية التي شغلتني منذ البداية، حتي الآن تتعدد مستويات الهموم والتفكير مع مرور الزمن، ولكي يظل تحقيق الخصوصية في الكتابة هاجسي الأقوي.
عندما بدأت الكتابة كانت ثمة مقاييس نقدية سائدة تحدد الاشكال الفنية، فالقصة القصيرة مرجعيتها قصص تشيخوف، وموباسان وهمنجواي، والرواية هي ابداعات الادباء الغربيين في القرنين التاسع عشر والعشرين، الرواية الاولي التي كتبت وفقا لهذا النمط صدرت عام احد عشر من القرن الماضي »1191« اعني، »زينب« لمحمد حسين هيكل، المناهج الادبية في الجامعات تعتبرها بداية الرواية العربية الحديثة، كنت اقرأ هذا واتساءل: ماذا عن ألف ليلة وليلة؟ ماذا نعتبرها اذن؟ لماذا لم يلتفت الدارسون الي الابداع الشرقي المكتوب بالفارسية والاوردية والصينية، تعبير الادب العالمي في النقد العربي يعني الادب الغربي فقط »الاوروبي والأمريكي«، المقاييس الادبية والنقدية السائدة مستمدة ايضا من النقد الغربي، كانت الاشكال السائدة تشبه ذلك السرير في الاسطورة اليونانية الذي يطوعون له الجسد، فإذا كان قصيرا حاولوا مطه وتطويله، واذا كان طويلا قصوه، لم تكن الاشكال المتاحة تتطابق مع ما اريد التعبير عنه، لحسن حظي ان معاناتي تلك لم تطل، ما بين بدايتي الكتابة عام تسعة وخمسين، وما بين تحقيقي الخطوة الاولي لايجاد خصوصية ما اكتب عام سبعة وستين عندما نشرت قصتي القصيرة »هداية اهل الوري لبعض ما جري في المقشرة« ثماني سنوات، ثماني سنوات من التجريب والاستيعاب، لقد اكتشفت اساليب سردية واشكالا مهجورة في الادب العربي القديم، في اشكال الكتابة المختلفة، الوثائق، الحوليات، اليوميات، التقارير، اوصاف البناء، طرق القص الشفاهي في ريف مصر الجنوبي الذي ولدت فيه، حاولت استيعاب تلك الاساليب والمزاوجة بينها وبين اشكال القص الحديثة في الادب الغربي، وكذلك اساليب التعبير الخاصة في الاداب الاخري، بالنسبة لي، داخلي، لا وتتفاعل الشاهنامة الفارسية، وألف ليلة العربية، والراميانا الهندية، والنصوص المصرية القديمة، مع موبي ديك ليلفيل وأعمال دستويفسكي وتشيخوف وتقلستوي، وتابوكوف، ويوجين يونسكو، وايتالو كالفينو، ودينو بوتزاتي ، وانطوان دي ساند، اكسوبيري ، وخورخي لويس بوخربس ، وجارثيا ماركيز، ونجيب محفوظ، وصادق هداية، وحافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي، والنصوص الفلسفية الصينية القديمة وأعمال توماس مان، وقصائد شيللر وسان جون بيرس، والمتنبي وابوالعلاء المعري، وشعراء العربية العظام في مختلف العصور، كذلك اولئك الشعراء المجهولون الذين لم اعرف ولن اعرف اسماءهم خلال العصور القديمة، في الاداب المختلفة، يتوارثها الناس شفاهة قبل ان يتم تدوينها، يمكن القول ان النتاج الابداعي الانساني يمتزج كله عندي ويتفاعل، وقد امضيت عمري محاولا الاطلاع عليه واستيعابه وتذوقه ومن خلال رؤيتي وهمومي احاول تأكيد صوتي الخاص، انني وارث لكل ثقافات الانسانية.
لم يكن الشرق معزولا عن الغرب، ولم يكن الغرب بعيدا عن الشرق، بل يمكن القول ان الاساس الروحي لهما واحد، جاء من مصر القديمة وبابل، من مصر انتقلت الحكمة إلي اليونان، والمسيحية ليست الا اعادة انتاج للدين المصري القديم، كذلك اليهودية التي تضرب جذورها في مصر وبلاد ما بين النهرين، ومن يعرف الاحلام جيدا سيجد انه امتداد لهذه الرؤي.
عرفت الصلات فترات تفاعل، وفترات صدام، وخلال مراحل الصدام لم يتوقف التفاعل الذي كان يتم باشكال مختلفة، وخلال فترات النهوض والاستقرار كان التطلع الي الطرف الآخر قويا، وانني اضرب المثال دائما بالثقافة والعلوم، في عصر الدولة العباسية، انشأ الخليفة المأمون دار الحكمة في بغداد التي كانت متخصصة في الترجمة من اللغات القديمة إلي العربية، وشارك في اثرائها علماء من المسيحيين واليهود والصائبة، نقلوا عن اليونانية القديمة، والسوريانية والآرامية وماتزال الترجمات العربية لارسطو وافلاطون وافلوطين التي تمت في القرن الرابع هي المعتمدة حتي الآن في المكتبة العربية.
في القاهرة، في القرن الرابع الهجري ايضا »الحادي عشر الميلادي« تأسس بيت الحكمة في عصر الدولة الفاطمية وكان مختصا بترجمة المؤلفات الفلسفية والطبية، خاصة من اللغة اليونانية، لقد أسهمت حركة الترجمة النشطة، المنفتحة علي الثقافات القديمة في اثراء الحضارة العربية، الاسلامية، لقد أسهمت حركة الترجمة في تواصل اطراف الامة الاسلامية ذاتها وليس مع الغرب فقط، أي العرب بالفرس مع الهنود، والثقافات القديمة.
الترجمة.. الترجمة
عرف العصر الحديث حركة ترجمة واسعة، ومحاولة اتصال وثيقة بالحضارة الغربية، جري ذلك في مصر والشام، وبالتحديد في مطلع القرن التاسع عشر مع بدء محمد علي باشا تأسيس الدولة المصرية الحديثة، ويمكن القول ان النصف الاول من هذا القرن شهد أوسع وأكبر حركة ثقافية بين الشرق والغرب اتخذت عدة محاور، اذ أرسل محمد علي باشا بعثات مصرية إلي فرنسا وإيطاليا والمانيا وروسيا وانجلترا لدراسة العلوم الحديثة، كان الغرب يقدم لمحمد علي ومن جاءوا بعده النموذج في التقدم العلمي، وشملت البعثات التي سافرت الي أوروبا كافة التخصصات من الهندسة إلي الفلك إلي تجليد الكتب، وعندما عاد الشيخ رفاعة الطهطاوي من فرنسا اسس مدرسة الألسن المتخصصة في اللغات والمستمرة حتي الآن، كانت فرنسا هي النموذج الأقرب، ربما بتأثير وجود بعض اتباع سان سيمون الاشتراكي في مصر واستعانة محمد علي بهم، لقد تم تأسيس الادارة المصرية علي النمط الفرنسي، كذلك القانون المصري والدستور حتي الدستور المعمول به حاليا، لم يكتف محمد علي باشا بارسال البعثات من المصريين إلي الغرب، بل فتح البلاد للأوروبيين المتخصصين في مجالات التعليم والاقتصاد والطب، وخاصة الفرنسيين، مؤسس الادارة الصحية الحديثة هو كلود بك، ومؤسس الجيش المصري هو الجنرال سيف الفرنساوي.
لقد كانت حركة الترجمة من اللغات الأوروبية إلي العربية نموذجا للتفاعل الحضاري الخلاق، كانت تتم من منطلق الرغبة في بناء دولة حديثة علي أساس علمي، هذا التفاعل كان يتم من طرف واحد، فلم يقابله اهتمام من الطرف الآخر لنفس الغرض انما كانت البواعث مختلفة، فقد تحركت القوي الغربية من منطلق استعماري مدفوعا بمصالح مادية في الاساس، وميراث معقد ينتمي الي العصور الوسطي زمن الحملات الصليبية وتأجج الصراع العسكري بين الشرق والغرب. في عام 1882 بدأ الاحتلال البريطاني لمصر والذي استمر حوالي سبعين عاما، وفي عام 1998 اسهمت الدول الغربية في تأسيس دولة اسرائيل في قلب العالم العربي، مع انحياز كامل لها علي حساب الشعب الفلسطيني، وكان تأسيس دولة اسرائيل بالنسبة للغرب حلا لمشكلة العلاقة مع اليهود والتي ارتكبت فيها جرائم انسانية مهولة، ابرزها المحرقة التي تسببت فيها النازية، ولكن محاولة الحل هذه جاءت علي حساب الشعب الفلسطيني والعرب الذين لم يلحقوا الاذي باليهود، بالعكس فإن التاريخ يؤكد اواصر الصلات بينهما، فعندما انتهي الحكم العربي في الاندلس، خرج المسلمون واليهود معا الي الشاطئ الآخر في المغرب العربي، والمشرق العربي، وبالنسبة لي فإنني غير قادر حتي الآن علي استيعاب مساندة الغرب لدولة تقوم علي اساس ديني، والغرب هو مصدر العلمانية التي نحاول تكريسها في الاقطار العربية سعيا الي الوصول إلي دولة حديثة عصرية في مواجهة الاصوليين الذين يحاولون العودة بالمجتمعات العربية إلي عصر الدولة الدينية. كثيرا ما تتردد كلمة »الغرب« في الشرق أو الغرب، ولكن الغرب ليس شكلا واحدا، كذلك الشرق، أخطر ما يمكن ان نقع فيه هو التعميم، في الغرب يعيش مثقفون وأشخاص عاديون هم أقرب اليَّ من ابناء جلدتي، انني افضل الحديث عن قوي سياسية ومذاهب ثقافية ومواقف واتجاهات.
الغرب
عندما نقول الغرب الآن، فالذهن ينصرف أولا إلي الولايات المتحدة الامريكية، بالتحديد إلي السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط، تجاه الدول العربية واسرائيل، بالنسبة للدول العربية مرت تلك السياسة بمراحل، الاهم منها خلال وجود الاتحاد السوفيتي وحتي انهياره - كانت السياسة الامريكية التي ورثت الاستعمار الانجليزي القديم، وتحاول وراثة الدور الفرنسي ايضا تعتمد علي ثوابت اهمها، دعم الانظمة الحاكمة - وكلها انظمة رجعية ودكتاتورية تحسبا وتخوفا من أي تطورات تؤدي الي تغيرات راديكالية في المنطقة، من ناحية أخري محاربة الشيوعية، ثم الانحياز التام لدولة إسرائيل.
أدت هذه السياسة الي ترسيخ الانظمة الدكتاتورية، وتفريخ اتجاهات ارهابية، طالت اثارها الولايات المتحدة نفسها في الحادي عشر من سبتمبر 2001، في ذلك الوقت كانت سياسة الولايات المتحدة قد عرفت ملامح من التغيير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفرادها كقوة عظمي بالعالم، بدأت اشارات مزعجة تصل الينا من الولايات المتحدة عن استبدال العدو القديم بعدو جديد، استبدال الشيوعية بالإسلام، وبدأ حلفاء الولايات المتحدة في افغانستان خلال الاحتلال السوفيتي يتحولون الي اعداء لدودين وأبرزهم اسامة بن لادن، بالنسبة لي أخطر ما طرح علي المستوي الفكري خلال هذه الفترة، نظرية صراع الحضارات التي صاغها صمويل هننجتون، كذلك اطروحات برنارد لويس، في رأيي أن الحضارات والثقافات لا تتصارع، لكنها تتفاعل، والحضارة المصرية القديمة تفاعلت مع حضارات اخري في المنطقة، وانتقل تأثيرها إلي الحضارة اليونانية ثم أوروبا كلها، كل حضارة هي نتاج حضارات أخري.
في مكتبتي قسم اطلقت عليه الخلاصة، يضم المؤلفات التي انتهيت اليها واعتبرها من مكونات عالمي، اذكر بعضا من عناوين الكتب التي اعتبرها من مكونات روحي وخلاصة ما قرأته عبر عمري الذي تجاوز الستين عاما الآن.
كتاب الخروج إلي النهار المصري القديم المعروف خطأ بكتاب الموتي
العهد القديم، العهد الجديد
القرآن الكريم
مؤلفات دو ستويفسكي
موبي ديك لهرمان ميلفيل
جسر علي نهر درينا ايفو اندريتش
مؤلفات انطون دوسانت اكسوبيري
مؤلفات دينو بوتزاتي
مؤلفات توماس مان
مؤلفات هرمان هسه
اعترافات جان جاك روسو
مؤلفات يوجين يونسكو
اشعار عمر الخيام
كتاب التاو »الصين«
الشعر العربي القديم
الفتوحات المكية لابن عربي
خطط المقريزي
الف ليلة وليلة
بدائع الزهور في وقائع الدهور للمؤرخ المصري ابن اياس
اعمال كافكا
البحث عن الزمن الضائع لمارسيل بروست
هاملت لشكسبير
رأس المال لماركس
محاورات افلاطون
مؤلفات ابوحيان التوحيدي »القرن الحادي عشر الميلادي«
هناك بعض من ملامح اسرتي الانسانية التي أدافع عنها ضد التعصب والجهل وكل من يثير شقاقا بين مكونات الانسانية مستهديا بمقولة مولانا جلال الدين الرومي: امسيت شرقيا اصبحت غربيا.
من ديوان الشعر العربي
قال فؤاد حداد:
كأن الحياة ذكري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.