»التنوع حقيقة وواقع، والاختلاف - لا الخلاف - حق من حقوق الإنسان وكرامته، والحوار - الذي هو منهج حياة - لا يطلب إلغاء التنوع ومصادرة حق الاختلاف، وإكراه الناس علي ما لا يختارون«. بهذه الكلمات بدأت حديثي عن »الحوار« مع الأستاذ كمال معوض كبير الإذاعيين بإذاعة القاهرة الكبري، حيث استضافني في الفترة المفتوحة لمدة ساعتين علي الهواء مباشرة، لأدلي بدلوي - بحكم التخصص - حول أهمية الحوار وطبيعته وأبرز أساليبه. فاللغة بكل صيغها وأساليبها ومبانيها ومعانيها تشكل وعاء الحوار، ووسيلته لتوصيل الرسالة المطلوب توصيلها، إذن لا يكفي أن يعرف المرء ما ينبغي أن يقال، بل يجب أن يقوله كما ينبغي. وفي واقعنا نجد سلبيات وآفات كثيرة للحوار لا حصر لها منها: عدم الفهم: قال بعض الحكماء: رأس الأدب كله حسن الفهم والتفهم والاصغاء للمتكلم. فحسن الفهم مطلوب في كل شيء قبل البدء في أي عمل حتي يكون السير فيه علي بصيرة، لأن صحة التصور ضرورية في صحة العمل والتصرف. ولهذا كان العلم في الإسلام مقدما علي العمل. بين الصمت والإنصات: ترك الكلام له أربعة أسماء: الصمت والسكوت والإنصات والإصاخة، فأما الصمت فهو أعمها، لأنه يستعمل فيما يقوي علي النطق وفيما لا يقوي عليه. أما السكوت فهو ترك الكلام ممن يقدر علي الكلام، والإنصات سكوت مع استماع، ومتي انفك أحدهما عن الآخر لا يقال له إنصات قال تعالي: »فاستمعوا له وأنصتوا« (الأعراف: 402). والإصاخة استماع إلي ما يصعب إدراكه كالسر والصوت من المكان البعيد. قال أحد الحكماء لابنه: »يابني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث، وليعلم الناس أنك أحرص علي أن تسمع منك علي أن تقول«. ولقد وجدت في أسماء الله الحسني وصفاته العليا أن الله - عز وجل - في كتابه المعجز قدم صفة »السميع« علي صفة »العليم«. وهذا عام في كل القرآن، فلن تجد العليم السميع. بل السميع العليم، لأنه لابد من سماع الكلام أولا ثم من حصول العلم بمعناه. والصمت أثناء الحوار ليس موقفا سلبيا، وإنما هو إجراء إيجابي يمثل خطوة نحو الكلام الصائب، وفي هذا تقول العرب: »إذا أردت أن تقول الصواب في اللحظة المناسبة فعليك أن تسكت أغلب الوقت«. كما أن الصمت غالبا ما يكون طريقا إلي العلم والحلم، يقول أحد الحكماء: »إذا جالست العلماء فأنصت لهم، وإذا جالست الجهال فأنصت لهم أيضا، فإن في إنصاتك للعلماء زيادة في العلم، وفي إنصاتك للجهال زيادة في الحلم«.