خلع ملابسه كاملة وتكوم في الركن بعيدا، تعربد في عينيه نظرة هلع تحترق بشرر يتطاير من عين الجلاد المقبل.. يتقدم بهدوء قاتل، تنظم أصابعه الغليظة فوق عصا مكسوة برؤوس »دبابيس« تلمع كعيون الشيطان، ينهال بها ضربا فوق الجسد المرتعش العاري دون مقاومة تذكر.. تنقضي المهمة.. ينسحب الجلاد بخبرة رجل يحفظ كل علوم القسوة والاجرام.. صوت أنين خافت، وخيالات شتي تكسو أوجاع الجسد العاري: جولات آخري قادمة لا شك. ولكن كيف تكون؟.. ضربا أم جلدا أو صعقا أم هتكا للعرض؟!.. أين أبي ولماذا سلمني مبتسما للقاتل؟! إنه السؤال الذي تردد بكل تأكيد في أذهان جميع ضحايا معتقلات التعذيب التي تمسحت في ثياب ملائكة الرحمة، ورفعت بوقاحة نادرة لافتة »مركز لعلاج الإدمان«، فإذا بها تمارس حلقات من التعذيب الممنهج تصل إلي حد القتل، وانكشفت لما وقع ضحيتها علاء نبيل طالب الثانوي الذي دخل إحداها كزهرة برئية تأمل في نزع شوكة الإدمان، وخرج جثة هامدة! هذه الأوكار الرديئة التي تلطخت بدماء ضحاياها واتخذت من المناطق النائية موقعا مثاليا لمسرح الجريمة ليست مراكز قانونية مرخصة ومؤهلة، بل تفتقد إلي الشروط الطبية المهنية، ولا يديرها أطباء متخصصون وكوادر مؤهلة وإنما مدمنون متعافون تحت شعار نقل الخبرات القديمة للمدمنين الجدد بدعوي علاجهم من الإدمان، فإذا بهم يستثمرون خبرة »المزاج العالي« في اصطياد الزبائن واستقبالهم لأطول فترة ممكنة بخبرات إجرامية تشمل التعذيب الوحشي وهتك العرض والقتل إذا لزم الأمر، وبهذا وحده يمكن إجبار الضحايا علي الصمت والأهالي المغيبين المخدوعين علي الدفع! في هذا التحقيق نطرح جميع أبعاد قضية تعذيب المدمنين في تلك الأوكار التي انكشف غطاؤها مؤخرا ونتساءل عن دور وزارة الصحة في الاشراف علي مراكز علاج الإدمان الخاصة والحكومية ونستطلع رأي خبراء القانون وأطباء علم النفس والاجتماع واساتذة العلاج الحر ومفتش ومديري ادارة المستشفيات الخاصة بوازرة الصحة وخبراء الطفولة والأمومة وبعض أصحاب المراكز الحقيقية المؤهلة لعلاج الإدمان. ربما كان القانون الذي يجرم المدمن أحد الدوافع التي شكلت قرار بعض الأسر في الزج بأبنائها بين براثن هذه المراكز الإجرامية باعتبارها تتخذ مواقع بعيدة عن العيون علي طريق الإسكندرية الصحراوي وطريق الاسماعيلية أو السويس وفي التجمع الخامس والمقطم أو في ضواحي المعادي، وهو الأمر الذي جدا مؤخرا بوزارة الشئون الاجتماعية إلي القيام بإعداد تعديل تشريعي مشترك مع وزارتي الصحة والعدل يقضي بوجوب علاج المدمن بدلا من تجريمه.. كما تم توقيع بروتوكول مع هيئة التأمين الصحي للسماح بدخول المدمنين للعلاج الخاص بمستشفيات التأمين الصحي والأمانة العامة للصحة النفسية علي نفقة التأمين واعتماد إجازة مرضية للمدمن أثناء العلاج بضوابط خاصة.. أيضا أعلن د. هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء إطلاق خطة حكومية لمكافحة الإدمان تتركز علي مشاركة الشباب في مناهضة تعاطي المخدرات وتفعيل دور الاعلام الاجتماعي وتزويد الخط الساخن »32062« بلجنة في كل محافظة تساهم في الارشاد والتوعية وتمهيد الطريق أمام علاج المدمنين الراغبين علي نفقة الدولة. المدمنون يديرون المراكز وأكد الدكتور ممدوح محمد الهادي مدير عام العلاج الحر ومفتش ومدير المستشفيات الخاصة بوزارة الصحة أن معظم حالات تعذيب المدمنين تتم في مراكز غير مرخصة، ولا يعني هذا أن مصر ليس فيها مراكز لعلاج الادمان تتوافر فيها كل الشروط المهنية والصحية ويديرها أطباء واخصائيون نفسيون واجتماعيون وفريق تمريض ومشرفون.. أما الأماكن غير المرخصة فتدار بدون أطباء، بل أن بعض المدمنين المتعافين قاموا بتأسيس مثل هذه النوعية من المراكز أو الأوكار لعلاج المدمنين بأنفسهم دون أي إشراف طبي وبلا أطباء نفسيين أو اخصائيين اجتماعيين ولا تتوافر فيها آية شروط صحية تتعلق بالاقامة أو العلاج لدرجة أن الحجرة الواحدة تضم - غالبا - أكثر من 02 سريرا.. ويبني أصحاب هذه الأوكار خططهم الخداعية علي أساس احتجاز المدمنين لأطول فترة ممكنة بدعوي نقل خبراتهم الماضية في مجال الإدمان إلي راغبي العلاج في حين أن حقيقة الأمر لا تعدو عن كون المدمن بالنسبة لهم مجرد »فرخة تبيض ذهبا« ومجرد حالة استثمارية، فيتم احتجازه ويمنع عنه بحجة العلاج زيارة الأهل والأقارب وفي خلال هذه الفترة يتعرض لصور وحشية من التعذيب تبدأ من الضرب المبرح بالخراطيم والعصي المكسوة بالدبابيس وتصل إلي حد هتك العرض مرورا بالصعق بالكهرباء وغيرها من الوسائل الهمجية لكسر ارادة المريض واجباره علي الصمت قبل السماح بزيارات الأهل والأصدقاء وفي هذه الأثناء يتم اعطاء المريض جرعة من المخدر واتهام اسرته بتهريبها إليه ليطول أمد العلاج وتتضاعف الفاتورة! يضيف الدكتور ممدوح الهامي أن هذه الأفكار تتواجد دائما في أماكن بعيدة خالية كالشروق والتجمع الخامس وعلي طرق مصر الإسماعيلية أو الاسكندرية الصحراوي والمقطم والمعادي، وقد تم رصد أكثر من 12 مركزا مخالفا تقرر إغلاق 61 منها نظرا لغياب الاشراف الطبي علي مدار 42 ساعة ووسائل التأمين المناسبة، أو لوجود أدوات حادة في متناول المرضي وعدم مطابقة عدد الأسرة للمساحة حيث يتوجب وضع السرير الواحد في مساحة لا تقل عن ثمانية أمتار. مصرع طالب ثانوي ويشير الدكتور ممدوح الهادي إلي أن مركز الندا لعلاج الإدمان بالمقطم من بين هذه المراكز المخالفة وقامت الشرطة بإغلاقه بعد مصرع علاء نبيل خليفة طالب الثانوي الذي دخل المركز للعلاج من تعاطي »الترامادول« وخرج جثة هامدة نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له هناك مما دفعه للانتحار، وقد شاهدت بنفسي أثناء قيامي بالتفتيش علي هذا المركز بعض أدوات التعذيب المستعملة مع المرضي مثل العصي المغطاة بالجلد والدبابيس وحجرات لا تزيد مساحتها عن 41 مترا تضم 5 أسرة يعيش فيها 01 أفراد بمعدل متر و04 سنتيمترا فقط لكل مريض، علاوة علي أنه مركز غير مرخص. ويؤكد د. ممدوح الهادي أن تعذيب المرضي جريمة انسانية يجب تغليظ العقوبة علي مرتكبيها، فالمدمن مريض ولا يجوز استغلاله أو ايذاؤه بأي صورة من الصور بدنيا أو نفسيا، وهذه القضية معروضة الآن علي مجلس الشوري بهدف تغليظ العقوبات، وهناك مشروع قانون يطالب بالسجن المشدد لكل موظف أو مستخدم عمومي قام بنفسه أو أُومر بتعذيب انسان وسبب له أضرارا جسدية أو نفسية. المسئول طريد الخانكة ويقول الدكتور إيهاب الخراط استشاري الطب النفسي ومدرس علاج الإدمان بجامعة »كينت« بانجلترا إن ما حدث من تعذيب للمدمنين في بعض المراكز هو انتهاك بشع لآدمية الإنسان وهو من تراث التخلف الذي ساد في معاملة المريض النفسي ومريض الصرع بصورة عقابية في الماضي، وللأسف تسربت هذه الطريقة وتلك الأفكار البالية لبعض الأطباء منذ سنوات عديدة في مستشفي »الخانكة«، وكان الطبيب أحمد سمير صاحب مركز الندا الذي تم إغلاقه بعد انتحار الطالب علاء نبيل يعمل سابقا بمستشفي الخانكة وتم استبعاده منها لاستخدام أساليب العنف في معاملة المرضي ومعه عامل أمن مطرود من أحد المستشفيات. القانون للأسف قاصر ويضيف الدكتور إيهاب أن تراخيص مراكز علاج الإدمان ينبغي ألا تكون واحدة وأن تنوع طبقا للدور الذي يقوم به كل مركز.. فبعض هذه المراكز يكون دوره القيام بعلاج أعراض انسحاب المخدر من جسم المريض وهذه ترخص علي أساس أنها مراكز طبية متخصصة.. أما المراكز التي تتم فيها المراحل الأولي لعلاج ما بعد أعراض الانسحاب فتسمي »بدور النقاهة« وهي مثل أي مستشفي لكن لا تحتوي علي معمل أو غرفة عمليات.. أما النوع الثالث الذي يحتاج فيه المدمن المتعافي إلي علاج نفسي وليس متابعة طبية فيسمي »ببيوت الضيافة« وتتوفر فيه مناخات معينة للأنشطة الثقافية والرياضية وما شابه. وقال إن هذا ما أنادي به في مجلس الشوري حيث أن هذا التوصيف ليس موجودا في القانون المصري، ونحن الآن نقوم بعقد اجتماعات بكليات الطب والآداب في أقسام الطب النفسي وعلم النفس وقسم بحضور عدد من الخبراء وبالتعاون مع الأمانة العامة للصحة النفسية علاج الادمان بوزارة الصحة من أجل إعداد خطة متكاملة لتدريب وترخيص القائمين علي الارشاد النفسي للإدمان، ومراكز تأهيل المدمنين والرعاية اللاحقة للمحكوم عليهم في قضايا المخدرات بعد خروجهم من السجون، وهذا النوع من الخدمات لا يتم توصيفه الآن توصيفا دقيقا في القانون. رأي مسئولي العباسية وعن طرق علاج المدمنين في المستشفيات الحكومية مقارنة بالمستشفيات الخاصة يقول الدكتور خالد السياجي مدير الادارة العامة لرعاية حقوق المريض بالمركز القومي للصحة النفسية بمستشفي العباسية: إنني من واقع مسئوليتي أؤكد أن الطريقة واحدة وأن مريض الإدمان يمر في الحالتين بعدة مراحل ضرورية.. الأولي مرحلة انسحاب السموم من جسم المريض وهي تستخدم في أغلب مراكز علاج الإدمان بمصر وعلي مستوي العالم العربي حيث يتناول المريض أدوية تقلل من حدة أعراض الانسحاب العضوية التي يمر بها المدمن عندما يتوقف عن تعاطي المخدر فيصاب بصداع وإسهال ورشح من الأنف واكتئاب وأرق وقلق.. وتشترك كل أنواع المخدرات في أعراض انسحاب واحدة »بانجو، كوكايين، هيروين، أقراص مخدرة«. أما المرحلة التالية فهي أخطر فترات العلاج حيث يشعر المدمن بلهفة إلي تعاطي جرعة مخدرات مرة آخري تستلزم علاجا نفسيا وهنا يأتي دور الطبيب النفسي المعالج فيتدخل بنوع من الحوار مع المريض في شكل جلسات فردية أو جماعية للتعرف علي طبيعة المعاناة وتحديد وسائل العلاج.. ويقوم الطبيب المعالج بإطلاع المريض علي أبعاد مشكلته وطبيعة مرضه وطرق تجاوز الصراع النفسي.. وهذه المرحلة تستمر لمدة سنة أو سنتين وصولا لمرحلة التأهيل ويتم خلالها دمج المريض مرة آخري في المجتمع بشكل طبيعي وزرع القيم بداخله والقضاء علي آية شوائب نفسية قد تشعره بالتدني أو النقص. العنف وسيلتهم للعلاج ! وينفي الدكتور عارف طويلة أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة وأمين عام الصحة النفسية بوزارة الصحة أن يكون هناك علاج نفسي يستخدم فيه أي نوع من أنواع العنف اللفظي أو الجسدي نهائيا سواء في علاج الأمراض النفسية بشكل عام، أو علاج الادمان بشكل خاص.. وأضاف أن المشكلة في مرض الإدمان إنكار المدمن أنه يتعاطي المخدر، وأنه يعاني بالفعل من مشكلة حقيقية ولا يمكنه السيطرة علي نفسه، . رقابة وزارة الصحة ويؤكد الدكتور صابر غنيم وكيل وزارة الصحة مسئول العلاج المرور والاشراف علي المنشآت الطبية أن الوزارة تقوم برقابة كاملة علي كل المنشآت الطبية بمصر بجانبها المؤسسات الطبية غير الحكومية، سواء كانت عيادة خاصة أو عيادة أسنان أو معمل أشعة وأن كل منشأة طبية مادامت تتعامل مع الجنس البشري من حق وزارة الصحة التفتيش عليها ومراقبتها بمقتضي القانون 351 لسنة 4002.