أمين «الصحة النفسية»: الإدمان لم يكن من أولويات الحكومات السابقة.. وطلبنا ميزانية 50 مليونًا تكلفة العلاج فى المستشفيات الحكومية 2000 جنيه شهريًا وفى المراكز الخاصة تصل 20 ألفًا
كل حملات التوعية بمخاطر الإدمان التى نفذتها الحكومات المتعاقبة، لم تجب عن السؤال المهم: أين يمكن للمدمن تلقى العلاج؟، فالحكومات التى صرفت ملايين الجنيهات على مدى سنوات طويلة، لتذيع إعلانات تليفزيونية أو فى الشوارع لتقول: «لا للإدمان»، لم تخصص أموالا كافية لتجهيز أماكن مناسبة للعلاج، فوفقا للأمين العام للصحة النفسية بوزارة الصحة، د. عارف خويلد: «لا يتجاوز إجمالى عدد الأسرة المخصصة للعلاج من الإدمان، فى جميع المستشفيات والمراكز الحكومية المتخصصة، ال470 سريرا»، لذلك لم يكن غريبا أن تستمر أعداد المدمنين فى التزايد.
وأمام نقص عدد الأماكن المخصصة للعلاج داخل المستشفيات الحكومية، وتزايد أعداد المدمنين، ظهرت مراكز «بير سلم» للعلاج من الإدمان، بعيدا عن رقابة وزارة الصحة، وهو ما كشفت عنه مؤخرا، فضيحة تعذيب عدد من المدمنين أثناء خضوعهم للعلاج الطبى، فى أحد المراكز الطبية بمنطقة المقطم، حيث فجرت الصور المسربة من داخل المركز موجة من الغضب فى الأوساط الحقوقية ضد وزارة الصحة، لأنها لم تراقب المراكز الخاصة، أولا، ولأنها لم توفر مراكز حكومية بديلة، ثانيا.
لكن الجديد فى علاج الإدمان فى مصر، أن الدولة باتت تعترف بالمدمن ك«مريض»، بعد أن كانت النظرة الرسمية له قاصرة على كونه «مجرما» يستحق العقاب، وذلك من خلال ادخال علاج الإدمان ضمن حزمة العلاجات التى تقدمها الهيئة العامة للتأمين الصحى.
يقول خويلد إن تكلفة علاج الإدمان فى المستشفيات الحكومية، تبلغ نحو ألفى جنيه شهريا، فيما تتراوح فى المراكز الخاصة من 5 إلى 7 آلاف جنيه، وترتفع فى المستشفيات الخاصة لتصل إلى 20 ألف جنيه شهريا، موضحا أن المدمن يكون أمام خيارين مع بدء العلاج، إما أن يتلقى العلاج عن طريق الخط الساخن لمكافحة الإدمان، رقم « 16023»، أو يدخل للعلاج على حسابه الشخصى.
10 مستشفيات حكومية وأشار خويلد إلى وجود 10 مستشفيات نفسية تابعة للأمانة العامة للصحة النفسية، بها مراكز وأقسام لعلاج الإدمان، من بينهم 3 مراكز متخصصة، هى مستشفى المطار، التى تقدم خدمة الحجز الداخلى والعيادات الخارجية، وخدمات العلاج التأهيلى، ومستشفى عباس حلمى بالإسكندرية، التى تعمل حاليا كعيادة خارجية، ومستشفى شبرا فى طنطا، وبها حجز داخلى وعيادات خارجية، لافتا إلى الانتهاء من الدراسات الخاصة بإنشاء مستشفى بسعة 80 سريرا، وسيتم طرحها للتنفيذ فى مناقصة خلال العام المالى الحالى.
ووفقا لخويلد، فإن الإدمان لم يكن من أولويات وزارات الصحة السابقة، ولم تكن له ميزانية محددة، فكانت ضمن ميزانية المستشفيات النفسية، وكان المبلغ الوحيد المخصص لمعامل تحاليل الإدمان هو مليونى جنيه، مؤكدا اهتمام الوزارة الحالية بعلاج الإدمان، «الأمانة العامة للصحة النفسية طلبت تخصيص 50 مليون جنيه لمعامل التحاليل، وتوفير الأدوية اللازمة».
وأضاف: «تم الاتفاق مع هيئة التأمين الصحى على ضم علاج الإدمان داخل حزمة علاج المنتفعين من التأمين الصحى، ويتم حاليا وضع البرتوكول اللازم، ليتضمن ضوابط تنفيذه، حيث يحصل المريض على فرصتين فقط للعلاج، كل منها مدتها 60 يوما، بالإضافة إلى اعتماد الإجازات المرضية للمرضى بأجر كامل، بعد أن يتم الاعتراف بالإدمان كمرض».
وأوضح خويلد: «سيتم علاج المدمن على درجة تأمينية معينة، على أن يحصل على فرصتين فقط للعلاج، حتى لا يساء استخدام العلاج، مما يتسبب فى استنزاف الموارد المالية، أو يؤثر على البرامج العلاجية للمرضى الآخرين، وهو ما سيجعل المدمن يتمسك بفرص علاجه، وإذا خرج المريض من المستشفى بإرادته قبل انتهاء العلاج، لا يحق له الدخول لاستكماله قبل 6 أشهر، وخلال هذه الفترة لا بد أن تتم متابعة المريض فى العيادات الخارجية».
وبحسب خويلد، فإن مشكلة الإدمان ليست فى فترة انسحاب المخدر، لكن فى طريقة تعامل المدمن مع المواقف التى يتعرض لها فى المجتمع، وأن يتعلم مهارات جديدة لحمايته من الانتكاسة، لأن الإدمان يمكن أن ينتكس فى أى وقت، ونحتاج لتنويع فى علاج الإدمان، وعدد أكبر من مراكز العلاج النهارى، وعيادات المتابعة، لحضور الاجتماعات، وتوعية المريض بعد خروجه من المستشفى.
كما انتقد عدم وجود مراكز أو وحدات للعلاج النهارى، يتردد عليها المريض فى أوقات منتظمة، دون إعطائه أى عقار، بما يتضمن متابعة المعالجات النفسية والسلوكية، والإرشاد النفسى والعلاج الاجتماعى، بهدف التأهيل نفسيا واجتماعيا ومهنيا، وإعادة المريض إلى العمل المنتج، وبعضهم ينخرط فى مجموعات خدمة الذات، مشيرا إلى أن توجه الأمانة العامة للصحة النفسية حاليا، هو زيادة عدد المراكز المتخصصة، وفصلها عن رعاية المريض النفسى، خاصة فى المحافظات المحرومة من الخدمة.
وقال: «جارى إنشاء مركز علاج إدمان فى جنوب الصعيد، ليخدم محافظات سوهاج وقنا والأقصر وأسوان، داخل مستشفى بلصفورة التكاملى فى سوهاج، على مساحة 6 آلاف متر مربع، ليكون أول مركز متخصص فى علاج الإدمان بالصعيد، وكذلك مركز لعلاج الإدمان ومستشفى نفسى بمدينة المنياالجديدة، يستهدف خدمة محافظات قطاع شمال الصعيد، المنيا وأسيوط وبنى سويف».
ولفت خويلد إلى أن 20% فقط من المدمنين فى العالم يلجئون للعلاج بإرادتهم، فيما توجد مادة خاصة بالإدمان فى قانون رعاية المريض النفسى، وبالتالى يطبق على المدمن نفس القواعد الحاكمة لدخول المريض النفسى، وهى وجود خطورة على المريض أو المحيطين به، أو تدهور شديد نتيجة حالته، ويخضع ذلك لرقابة المجلس القومى للصحة النفسية، ولجان التفتيش الإلزامى».
لا علاج بالإهانة وفى تعليقه على إهانة وتعذيب المرضى فى أحد المراكز بمنطقة المقطم، شدد خويلد على أنه لا يوجد علاج بالإهانة أو الإيذاء، موضحا أن عدم اللجوء إلى العلاج يرجع إلى عدة عوامل، من بينها أن الإنكار هو أهم أعراض الإدمان، لأن المدمن ينكر وجود المشكلة، ويتخيل أنه مسيطر على الإدمان، ولديه القدرة على التوقف فى أى وقت، وأنه لا يحتاج إلى المساعدة، أو أنه لم يصل إلى مرحلة الإدمان، وكأنه مستخدم للمخدر فقط.
وطالب خويلد بزيادة عدد الأسرة الخاصة بعلاج الإدمان، وتدريب كوادر بشرية متخصصة فيه بأسلوب ممنهج، وتوعية الأسر بمخاطره، فكثير من الأسر لا تدرك أن ابنها وصل إلى درجة الإدمان، إلا فى مرحلة متأخرة، مضيفا أن الوصمة المربوطة بالإدمان، وشعور المدمن بذاته، يجعله ينعزل عن المجتمع»، كما طالب بعلاج القصور التشريعى سواء فى قانون رعاية المريض النفسى رقم 71 لسنة 2009، الذى لا يتضمن أى مادة خاصة بالإدمان، وفقا لخويلد، بالإضافة إلى وجود قصور فى القانون الجنائى، الذى ينظر إلى الإدمان باعتباره جريمة، وليس مرضا، على حد قوله.
اعتبر مدير مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية، المتخصص فى علاج الإدمان، د. محمود الجاويش، أن ضم الإدمان إلى الأمراض التى تشملها مظلة التأمين الصحى اعتبارا من 2013، يعد بداية الاعتراف الرسمى بأن الإدمان مرض، موضحا أن الجهة التى تتحمل علاج معظم الحالات فى المستشفى، هى صندوق مكافحة الإدمان، بينما يتحمل عدد قليل من المرضى تكاليف علاجهم.
وأوضح الجاويش أن التكاليف الحالية للعلاج بالمستشفى، تتراوح ما بين 1200 و2100 جنيه شهريا، وهى تكاليف مرتفعة نسبيا، إلا أنها تعتبر بسيطة مقارنة بالمستشفيات والمراكز الخاصة المرخصة، مشيرا إلى أنه فى حالة وجود حالة غير قادرة ماديا، مع رغبتها فى العلاج، يتم إبلاغها بكيفية التواصل مع الخط الساخن لمكافحة الإدمان، للعلاج على نفقة الصندوق.
وأشار الجاويش إلى أن قرار ادخال علاج الإدمان تحت مظلة التأمين الصحى، سيتم بموجبه القرار تحويل المنتفعين من خدمات التأمين الصحى إلى المستشفيات والمراكز، لتتكفل الهيئة العامة للتأمين الصحى بتكاليف العلاج، وهو ما سيجعل المؤمن عليهم قادرين على العلاج، واعتماد هذه الفترة من الإجازات المرضية، وهى دفعة لعدد ليس قليلا من موظفى الدولة للعلاج، موضحا أن العلاج يمر بعدة مراحل، تبدأ بالتردد على العيادة الخارجية، وعقد جلسات مع الطبيب النفسى، وخلال أسابيع قليلة، يتم إعداد المريض للحجز الداخلى بالمستشفى، ومعرفة نوع المخدر الذى يتعاطاه المدمن، وبعدها تبدأ مرحلة سحب السموم، التى تستغرق نحو 10 أيام.
«التأهيل».. أهم مراحل العلاج وأكد الجاويش أن المرحلة الأهم فى علاج الإدمان هى مرحلة التأهيل، وليس انسحاب المخدر، وهى تتراوح ما بين شهر و3 أشهر، حسب نوع المخدر وفترة الإدمان، بما يجعل الشخص قادر على الاندماج فى المجتمع، والتأهيل السلوكى، وممارسة حياته بدون مخدرات»، كما أوضح أن الفريق الطبى يتوقع تعرض المريض للانتكاسة أثناء علاج كل حالة، فالمريض قد يعود إلى الإدمان 3 مرات، حتى تكون لديه رغبة حقيقية فى العلاج». وشدد على أن رغبة المدمن فى العلاج، من أهم أسباب النجاح، كما أكد أنه طبقا لقانون رعاية المريض النفسى، الذى يعتبر الإدمان جزءا منه، «لا يجوز اطلاع أى جهة على بيانات المدمن، إلا بموافقته الشخصية، وإقرار ذلك، بما يضمن سرية المعلومات المسجلة عن المريض»، لافتا إلى أن بعض الأهالى يتحايلون على الدخول الاختيارى للعلاج، من خلال إيداع ذويهم فى المستشفيات الخاصة، لأن المستشفيات الحكومية لا تستقبل حالات الدخول الإلزامى. من جانبها، أشارت عضو لجنة حقوق المرضى بالمجلس القومى للصحة النفسية، د. سميرة لمعى، إلى أن تحمل وزارة الصحة لتكاليف علاج الإدمان خطوة جيدة إلا أنها طالبت الدولة بتوفير فرص عمل للمتعافين من الإدمان، لأنهم خلال فترة علاجهم، غالبا ما يفقدون مصادر دخلهم، خاصة أن الوصمة المجتمعية لهم تجعل أصحاب الأعمال غير راغبين فى توظيفهم، رغم أن توفير فرصة عمل للمتعافين يحميهم من الانتكاسة، لأن الإدمان مرض مزمن. «الخط الساخن» تلقى 27 ألف مكالمة.. و40 ألف مريض ترددوا على المستشفيات فى عام 2012