د. جمال زهران - رئىس قسم العلوم السىاسىة - جامعة بورسعىد يبدو أن التفسيرات المطروحة التي شطرت المجتمع كالعادة الي قسمين أو ثلاثة بل صاحبتها الاتهامات المتبادلة بين قانونية أو دستورية قرار الرئيس محمد مرسي بعودة البرلمان المنحل من عدمه، ليست صالحة لفهم ما وراء هذا القرار الرئاسي فقد توقعت هذا القرار بعد استماعي لخطبة الرئيس مرسي في قاعة جامعة القاهرة بعد حلف اليمين امام المحكمة الدستورية يوم السبت 03 يونية 2102م حيث أعلن ان الشعب انتخب مؤسساته (مجلسي الشعب والشوري) فدوت القاعة بالتصفيق الحاد! ثم قال إن هذه المؤسسات المنتخبة ستعود لممارسة عملها!! فدوت القاعة بتصفيق أشد!! وبطبيعة الحال فإن الذي أعد لهذا اللقاء هم جماعة الاخوان - وقد تأكدت من ذلك، وهم وراء اهانة شيخ الأزهر الذي اضطر للخروج ولم تعد ذات فائدة الكلمات الناعمة التي يتفوه بها ممثلو الاخوان للتهدئة في هذا الموقف أو ذاك لأن الفعل يكون مخالفا لما هو ناعم. وأدركت عند استماعي لكلمات مرسي ان مجلس الشعب في طريقه للعودة لممارسة عمله وانعقاده ولم تخفف كلمات المتحدث الرسمي - تحت التمرين - للرئاسة بأن ما قاله محمد مرسي تحت قبة جامعة القاهرة يعني ان مجلس الشعب سيعود!! من إدراكي فقد كانت كلمات مرسي واضحة وخطابه اتسم بالتجبر والاستقواء بعد ان حلف اليمين وذلك علي عكس خطابه الأول في ميدان التحرير!! وعادة الاخوان ان يقولوا عكس ما يفعلون ويفعلوا عكس ما يقولون أو يدعون إليه وتلك مصيبة كبري سنعيش فصولها خلال الأيام القادمة. فالأصل ان هذا القرار منعدم لأنه تجبر علي حكم نهائي وبات وواجب التنفيذ، صادر من المحكمة الدستورية العليا.. ومن يقرأ جيداً نصوص قانون المحكمة الدستورية رقم 84 لسنة 9791 ومواده البالغ عددها (06) مادة بخلاف المواد العشر التمهيدية والجدول الملحق به يعرف جيدا دور هذه المحكمة واختصاصاتها التي تتمحور حول ضبط عمل مؤسسات الدولة وسلطاتها المختلفة حول الدستور القائم في البلاد وعلي الجميع الانصياع الي أحكام المحكمة دون التفاف حول الحكم بأي صورة. وبالتالي فإن الحديث عن بطلان مجلس الشعب الذي أقربته المحكمة في حكمها التاريخي يوم 41 يونية 2102م بناء علي عدم دستورية قانون الانتخابات الذي أجريت الانتخابات البرلمانية علي أساسه وبالتحديد عدم دستورية بعض المواد المدرجة في قانون مجلس الشعب المتعلقة بالنظام الانتخابي هو حديث فارغ المضمون ومضيعة للوقت واهدار للطاقة التي يجب ان توجه للعمل والبناء وتجاوز الاخطاء الفادحة التي أوقعنا فيها المجلس العسكري والاخوان المسلمون معا في اطار صفقاتهما المشبوهة والمعروفة. فقد بذلت المحكمة الدستورية جهداً اضافيا في نظر الدعوي بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب واستعجلت الأمر وهو ما قد يأتي في صالحها ظاهريا أم »لا« ولا يجوز لوم المحكمة علي استعجال مثل هذه الدعوي لأنها حجة عليها بعد ذلك ولكن يجب ان ندرك ان الطرفين الأساسيين في صراع القوي.. بعيدا عن القوي الثورية المظلومة والمتضررة من هذا الصراع - هما: »المجلس العسكري والاخوان المسلمون«.. ومن ثم فكل طرف يوظف ما لديه من أوراق الضغط في مواجهة الطرف الآخر والثورة والثوار يدفعون الثمن بكل أسف. وبعيداً عن الجدل العقيم الذي يتشابك مع المصالح والطموحات والانتهازية وأمراض النخب المختلفة حول قانونية ودستورية قرار مرسي بإعادة البرلمان للانعقاد والتحايلات المريضة حول حكم الدستورية ومحاولات تزييف وعي الشعب بأن الشعب قد انتخب مجلس الشعب فأصبح المجلس فوق الجميع حتي لو صدر أي حكم ببطلانه.. الخ، وبعيدا عن ذلك كله أميل الي التحليل السياسي من منظور آخر علي اساس أن بطلان مجلس الشعب هو الحقيقة واحترام حكم الدستورية العليا هو الأصل وهو ان فكرة الاستحواذ علي السلطة هو الهدف الذي يجب ان تسخر له كل الجهود حتي لو كان السبيل لذلك هدم دولة القانون والاطار الدستوري السائد الذي قبله وروج له الاخوان بعد الثورة في اطار تحالفهم مع المجلس العسكري ويمكن توضيح ذلك في النقاط التالية: 1- ان نجاح د. مرسي رئيسا للبلاد يعطي له الحق في تعيين رئيس الحكومة والوزراء والمناصب العليا في الدولة ضمن اختصاصاته المحددة في الاعلان الدستوري التكميلي الذي صدر يوم 61 يونية (أثناء انتخابات جولة الاعادة) والسابق تبيانها في الاعلان الدستوري الاول في 03/3/1102م ومن ثم امتلك الاخوان المسلمون منصب الرئاسة ثم الحكومة (رئيسا وأعضاء) علي عكس ما كانوا يقولون. 2- تمارس الجمعية التأسيسية للدستور وفقا لقانون صدر عن مجلس الشعب قبل حله وفقا لحكم الدستورية عملها في اعداد الدستور وتضم أغلبيته من تيارات الاسلام السياسي في المقدمة الاخوان تصل نسبتها 06٪ ومن ثم فإنهم يملكون الاغلبية الكافية (75٪) لفرض ارادتهم في اعداد الدستور بل فرض دستورهم الذين أعدوه. 3- أصبحت سلطة التشريع خارج سيطرتهم بعد حل البرلمان وفقا لحكم الدستورية ويمكن ان يكون ذلك أحد أسباب إعاقة رئيس الجمهورية الاخواني عن فرض أجندة الاخوان علي المجتمع والشعب وكل شئ ومن ثم فإن عودة البرلمان لممارسة سلطة التشريع والذي يضم أغلبية اسلامية وأكثر اخوانية تعتبر مسألة حيوية ومن هنا كان قرار الرئيس الاخواني محمد مرسي بعودة البرلمان تمهيدا للتملص من كل وعوده مع القوي السياسية التي دعمته في اللحظات الأخيرة وفي مقدمتها جماعة 6 أبريل بقيادة منسقها أحمد ماهر ذات التوجه الامريكي وتمهيدا للانفراد بالسلطة وقد يؤدي ذلك لاطالة أمد وضع الدستور بعد ان يتم استعداد قرار آخر من مرسي (الرئيس الاخواني) بإلغاء الاعلان الدستوري التكميلي وهو احتمال كبير لتكريس الهيمنة علي أركان النظام السياسي بأكمله لتبدأ خطوات اعادة الهيكلة تشبها بأردوغان التركي رغم ان هناك فرقا كبيرا للغاية. 4- التعجيل بإصدار قرار عودة البرلمان (مجلس الشعب) للانعقاد بعد ثمانية أيام فقط من تولي مرسي هو تهديد للمحكمة الدستورية مستقبلا بعد احالة محكمة الادارية العليا لدعوي بطلان مجلس الشوري الذي سيصدر بعد 54 يوما حسب اجراءات المحكمة المنصوص عليها في القانون ومن ثم فالقرار أراد تأكيد الاستحواذ علي مجلس الشعب الذي تمتلك الأغلبية فيه تيارات الاسلام السياسي بنسبة 58٪ والذي يسعي للاستحواذ علي الصحف القومية ثم الاذاعة والتليفزيون واخضاعه للسيطرة الاخوانية. وفي ضوء ما سبق فإن القرار الخاطئ استهدف تكريس الهيمنة الاخوانية علي النظام السياسي واستغلال عنصر الوقت والظروف المتاحة حيث ان هناك دورا فاعلا للادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي وتدخلا صريحا في الشأن الداخلي المصري واستهدف الاستحواذ علي السلطة كلها ويسعي للاستقواء بالمليونيات التي تجاهلها المجلس العسكري من قبل عندما كان يقوم بها الثوار ولا يمكن محو لحظة صدور قرار مرسي بعودة مجلس الشعب من ذاكرة الشعب حيث أصدره عقب لقائه بمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية (بيرنز) وربما يكون القرار مصيره الالغاء عند نشر المقال من القضاء الاداري والدستورية معا، والثورة مستمرة ومازال الحوار متواصلا.