بمناسبة الغيمة التي تمر بها العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية تذكرت بالخير الولد الشقي محمود السعدني ساخر الأمة الاكبر وعمنا وتاج رأسنا أديبنا الراحل العظيم يوسف إدريس. واصل الحكاية ان عددا من أدباء مصر ومفكريها تلقوا دعوة لحضور مهرجان الجنادرية في المملكة وكان هذا الامر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي حيث العلاقات مقطوعة مع أغلب الدول العربية باستثناء السودان وسلطنة عمان وكان المهرجان يقام تحت رعاية ولي العهد في ذلك الوقت الامير عبدالله بن عبدالعزيز واستقبل السعدني في المطار القائم بالاعمال المصري أيامها الاستاذ سيد أبوزيد وحكي للسعدني عن الازمة التي يعيش فيها.. فهو لا يستطيع مقابلة أي مسئول ولا حل أي قضية وأبدي الرجل رغبته في أن يصحب السعدني لمقابلة سمو ولي العهد في مهرجان الجنادرية وساعتها سأل السعدني يوسف إدريس.. هل يمكن ان يصحب معنا السفير المصري لمقابلة ولي العهد.. ويصمت العم يوسف إدريس قليلا ثم يصدر فرمانا.. بأن يصحبهم سيد ابوزيد في صباح اليوم التالي لمقابلة الرجل صاحب النفوذ الكبير في المملكة العربية السعودية وبالفعل عندما اصبح السعدني امام المسئول السعودي الكبير وهو يصافحه قال له. يا أفندم انا جبت معايا واحد مصري صاحبنا من غير دعوة فيرد ولي العهد أهلا بك يا محمود وبكل الاخوة المصريين علي الرحب والسعة وقدم سيد ابوزيد نفسه علي انه السفير المصري في المملكة. وتبادل ولي العهد الحديث مع السعدني وإدريس فقال السعدني .. ان الأمر الطبيعي يا أفندم أن يتولي رعاية مصالح المصريين في السعودية أخواننا السعوديون علي ان يتولي مصالح السعوديين في مصر اشقاؤهم المصريون ويضيف السعدني: أنا أعلم واثق واطمئن في ان الاحوال اذا طابت بين القاهرة والرياض فان احوال الامة كلها سوف تنصلح وسوف يحدث المني كله لو ان دمشق انضمت الي القاهرة والرياض وهنا قاطع ولي العهد السعدني قائلا: والله يا محمود العلاقة مع مصر بالذات مش بيكفينا فالشعب السعودي يحب مصر ويعشق المصريين ونحن نعتبر مصر بصدق هي الوطن الثاني لنا وقد أوصانا الوالد المغفور له الملك عبدالعزيز بمصر.. وبأهل مصر.. وهذه الوصية لا نحيد عنها ابدا. ويتدخل في الحوار تحفة عصره وكل العصور عمنا يوسف إدريس فيقول.. يا سمو الأمير أنا أكره الرسميات والبروتوكولات وأريد ان ادعوك لزيارة مصر أنت ومن معك وارجو ان تعتبر هذه الدعوة.. دعوة شعبية!! وبابتسامة ودودة يرد ولي العهد. ان مصر هي بلادنا تماما مثلما السعودية هي بلادكم ولا حاجة لأية دعوة لزيارة بلدي الثاني الحبيب الغالي علي القلب مصر.. وهنا وبحماس شديد يقول يوسف إدريس لا يا سمو ولي العهد لابد ان تحضر الي القاهرة انت ومن معك.. وعلي حسابي الخاص!! وهنا التقط الحديث السعدني.. وقال: انا اضم صوتي لصوت عمنا يوسف ادريس وأدعوك يا سمو ولي العهد انت ومن تحب. لكن مش علي حساب يوسف إدريس لا.. علي حسابي انا ويوسف إدريس معا!! ثم نظر السعدني الي الحضور جميعا ورفع يده الي الاعلي وطلب منهم قراءة الفاتحة.. وكان له ما أراد.. ثم عاد السعدني بعد الانتهاء من الفاتحة ليقول للمسئول السعودي الرفيع.. بس يا أفندم هناك شرط واحد لزيارة القاهرة.. فيرد ولي العهد.. والله الموضوع ما هو محتاج لشروط يا محمود فيقول السعدني والله يا افندم لو سموك عرفت الشرط ح توافقني علي طول.. فيسأل ولي العهد عن شرط السعدني.. وهنا يعتدل السعدني وهو ينظر للحضور فيقول: قبل ما سموك تيجي بأسبوع واحد تبعت لي تلغراف وتحدد الوقت بالضبط.. فيقول ولي العهد.. والله يا محمود مالها لازمة.. ويؤكد السعدني لا.. دي لها لازمة جدا أصل أحنا لازم نعرف ميعاد وصول سموك علشان قبل سموك ما تيجي وتلبي الدعوة بتاعتنا لزيارة القاهرة.. نكون أنا ويوسف إدريس هربنا من البلد.. علشان يوسف إدريس كداب وأنا اكدب منه.. احنا مش ح نقدر نستضيف سموك ولا حاجة وح ناخد بعضنا ونجري!! وهنا ينفجر الجميع في الضحك وعلي رأسهم ولي العهد السعودي الرجل الذي اثار إعجاب ودهشة السعدني عندما وجده يخصص يوما أسبوعيا لمقابلة جميع طالبي الزيارة من ابناء الشعب السعودي دون ان يكون هناك حاجب أو حارس أو اجهزة تفتيش يتلقي شكاواهم ويستمع الي رغباتهم ومشاكلهم ويعمل بقية ايام الاسبوع علي حلها ومتابعتها.. وهكذا ايضا كان حال السفير المصري الذي استقبله ولي العهد في اليوم التالي وازال من امامه جميع المعوقات والعقبات وهو يقول له ان مكتبه مفتوح علي الدوام وانه مرحب به في أي وقت يشاء.. وتشاء الاقدار ان يتولي هذا الرجل العروبي مسئولية المملكة العربية السعودية ويصبح الملك المتوج علي عرش القلوب.. ان وجود مثل هذا الملك العاشق للعرب عموما ولمصر خصوصا يجعلني اثق بان ما حدث لن يتعدي كونه زوبعة سرعان ما تهدأ وتعود العلاقات بين الكبيرين الي سابق عهدها.. رحم الله السعدني الكبير وعمنا يوسف إدريس اللذين لعبا دورا عظيما في عودة المياه الي مجاريها بين مصر ومحيطها العربي!!