تمر مصر هذه الأيام بمحنة كبري بعد ثورة 52 يناير التي قام بها الشباب وانضم إليها شعب مصر وأيدتها القوات المسلحة بل وحمتها وساندتها. وبالرغم من أن الثورة نادت بمبادئ عظيمة ورفعت شعار.. عيش، حرية عدالة اجتماعية، إلا أنها خلّفت بعض السلبيات ومنها الاختلافات الحادة بين الحكومة ومجلس الشعب ووصلت إلي حائط سد، كما نشبت خلافات حول تشكيل لجنة لوضع الدستور بالإضافة إلي استمرار الاعتصامات والاضرابات وأحداث التخريب والبلطجة والسرقة هنا وهناك. كذا افتراش الميادين والشوارع بالباعة الجائلين بالاضافة الي سوء النظافة في جميع المدن، كذا الاختلافات الجذرية في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة التي وصلت إلي مرحلة الاسهال الإعلامي غيرالمنظم في العرض وفي الأداء وبالرغم من ذلك فإنني أعتبر تلك المظاهر السلبية شيئا طبيعياً إلي حد ما يحدث في أعقاب الثورات الشعبية المشابهة وأن مصر سوف تعبر تلك المرحلة في أقرب فرصة إن شاء الله، والدليل علي ذلك أننا لو استعرضنا تاريخ مصر القديم والحديث لوجدنا أن مصر استطاعت التغلب علي العديد من المصاعب والتحديات التي جابهتها وبنت مجدها وحضارتها عبر التاريخ منذ سبعة آلاف عام وحتي اليوم. وليس ببعيد ما قام به محمد علي باشا منشئ نهضة مصر الحديثة التي فجرت طاقات الإبداع للمصريين وألهمت قادتهم بالفكر المستنير في كل مناحي الحياة من إقامة جيش وطني قوي، وأنشأت المصانع والكباري والقناطر والمصارف والسدود علي نهر النيل العظيم، وأرسلت البعثات لأوروبا وشجعت العلماء والمفكرين لاداء دورهم الوطني الرائد في النهضة التعليمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. مما وضع مصر في موقع الصدارة وسط المنطقة العربية والأفريقية بل والأوروبية ايضا.. هكذا فشعب مصر ولاد وإذا اتيحت له الفرصة أنتج وأبدع وأخلص مما سعد في تقدمه ورقيه بين الأمم. فماذا ينقصنا اليوم وفي هذا العصر الذي نعيشه الآن بعد ثورة 52 يناير!! أري بعض الملامح التي استشعرها لتكون قاعدة صلبة لإعادة بناء مصر الحديثة.. ولعلي أسوق بعضا منها في هذا المقال.. إذ لابد للشباب قبل الكبار أن تسود بينهم روح المحبة والإخلاص والوفاء لمصرنا الحبيبة وليحرصوا علي سلامة البنيان المصري ودفعه للأمام دوماً.. ولا تنسي أن مصر محروسة بعناية من الله سبحانه وتعالي فقد ذكرها القرآن الكريم في خمس آيات نصا وفي آيات أخري كناية وتلميحا.. كما أن مصر مليئة بالعديد من الخيرات ومقومات النهضة بوديانها وجبالها وصحاريها وبحارها ونيلها. فإذا استغلت بطريقة علمية اقتصادية فاضت علي المجتمع المصري كله بالخير والنماء.. وهذا لن يتأتي إلا إذا توحدت الصفوف وأزيحت جانبا الخلافات والعقبات، فشعبنا العظيم صبور وقادر علي التغلب علي كل ما يصادفه من مشاكل ومعوقات.. وعلي الأجهزة المعنية إعادة النظر لاختيار أنسب الاساليب الممكنة لوضع خطط شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية الواقعية لربع قرن قادم وبذلك تكون مصر الثورة قد تجاوزت المحنة وأثمرت نتائجها المرجوة للحاضر والمستقبل.. والله الموفق والمستعان.