مع حرصي اليومي، منذ بداية شهر رمضان المبارك، علي متابعة مسلسل »الجماعة« تحفة الكاتب القدير الأستاذ وحيد حامد انشغلت في الوقت نفسه مع حكايات و حواديت هذه »الجماعة« المطبوعة، والمقروءة، في كتاب الباحث الأمريكي جين هيك:»عندما تتصادم العوالم« الصادر في طبعته العربية عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. بعد بحثه، وتنقيبه، عن »مصادر إرهاب الشرق الأوسط الحديث« توصل الكاتب »جين هيك« إلي إقتناع بأن »هناك صلة مباشرة بين مستوي دخل الفرد في المنطقة وبين المفارخ السياسية القادرة علي توليد خلايا الإرهاب المستشرية. وتعد السودان والجزائر ومصر واليمن وأفغانستان وباكستان وكشمير والسعودية، بمثابة نماذج من الطراز الأول«. وينبهنا الكاتب إلي أن القيادات الديماجوجية للحركات الإرهابية الحديثة في الشرق الأوسط لا تأتي بالضرورة من أوساط متواضعة أو معدمة مالياً. فأفراد مثل:»أسامة بن لادن« السعودي و معلمه الروحي:»د.أيمن الظواهري« المصري كلاهما خريج جامعة وينتمي إلي أسرة ثرية، وليس من وسط متواضع بكل تأكيد. وهما بذلك يختلفان عن الغالبية الساحقة من نوابهما، وأتباعهما، الذين نشأوا في طبقات ذات دخل منخفض،أو شبه معدوم. ويؤكد الباحث الأمريكي في كتابه أن جانباً كبيراً من البنية التحتية الأساسية الخاصة بإرهاب الشرق الأوسط هو من صياغة عملاء المخابرات الغربية الإقليميين والساعين إلي توظيف عناصر الإسلام السياسي المتشددة كثقل مواز للخصوم والمنافسين. وبصراحة أكثر يحدد المؤلف »جماعة الإخوان المسلمين المصرية« التي تأسست في الربع الثاني من القرن الماضي مؤكداً أنه »تم خلقها بتشجيع وتمويل من جهاز تابع لوكالة الاستخبارات الخارجية البريطانية M16 لمواجهة ظهور النزعة القومية لحزب »الوفد« في البداية، ثم النازية، ومن بعدهما: الشيوعية. بعد قيام الثورة.. حاولت »الجماعة« اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر أثناء وقوفه لإلقاء خطابه من ميدان المنشية بالاسكندرية عام1954، ومنيت المحاولة بالفشل. وخوفاً من الانتقام.. هرب أكبر عدد من قيادات الجماعة إلي النصف الغربي من شبه الجزيرة العربية، حيث مضت كما يقول الباحث الأمريكي إلي تحويل العناصر المتطرفة داخل الحركة الوهابية الأصولية إلي حركة نشطة في خبثها وسريتها وأهدافها، حيث خلقت بالتالي وسطاً أيديولوجياً ملائماً لتوالد النزعة الجهادية الحديثة. وإذا كانت ال ( (M16 المخابرات البريطانية قد خلقت »الجماعة« في مصر، ومنها إلي السعودية وغيرها، فإن ال (CIA) المخابرات المركزية الأمريكية قد خلقت بدورها »القاعدة« في أفغانستان بهدف دفع تنظيمها إلي »الجهاد ضد السوفيت الملحدين« خلال أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي، وسرعان ما أصبحت »القاعدة« بمثابة غرفة ولادة للعديد من الحركات الإرهابية الشرق أوسطية الحديثة. وفي صفحات تالية من الكتاب يطل وجه »الجماعة« واضحاً، بارزاً. فالمؤلف يجمع بين »القاعدة« و »الإخوان المسلمين« برباط سميك، ودائم، منبهاً إلي: »أسامة بن لادن« نشأ وترعرع في المنطقة السعودية التي اخترقها »الإخوان« وأقاموا فيها بعد فرارهم من مصر عام1954. زعيم »القاعدة« بن لادن قرأ كل أعمال كبير الإرهابيين في الجماعة: »سيد قطب«، ويردد أفكارها، ويقتبس مقولاتها، في كل خطبه. بعض أبرز أعضاء تنظيم »القاعدة« بمن فيهم»محمد قطب« شقيق سيد و»عبدالله عزام« أحد مؤسسي »حركة حماس« التي يصفها الكتاب بأنها »النسخة الفلسطينية« من »جماعة الإخوان المسلمين«. وكان الرجل عبدالله عزام من أبرز معلمي أسامة بن لادن في التشدد والتطرف والإرهاب. الشيخ الكفيف المصري: »عمر عبدالرحمن« الذي تورط فيما بعد في تفجيرات مركز التجارة العالمي عام1993 خدم مع ابنيه في أفغانستان تحت إمرة »أسامة بن لادن«. الطبيب المصري: أيمن الظواهري تلميذ نجيب لإمام الإرهابيين: »سيد قطب«، ورئيس جماعة الجهاد المصرية، وهو في الوقت نفسه: قائد تنظيم القاعدة الفقهي، والمتحدث الرئيسي باسمها. كان »محمد عاطف«،المصري الجنسية، يشغل منصب القائد العسكري الأكبر لتنظيم »القاعدة« ولم يتركه إلاّ بعد قتله، عام 2001، في غارة جوية شنتها طائرة أمريكية ضد أحد أوكار »القاعدة« في جبال أفغانستان. »أبو محمد المصري« إخواني، و جنسيته واضحة في اسمه هو المدير العام السابق لمعسكر تدريب القاعدة في أفغانستان. و »محمد عطا« إخواني مصري، و هو مختطف الطائرات الأول في هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 ولقي حتفه في كارثة مركز التجارة العالمي في نيويورك. وهناك نماذج عديدة أخري لأناس حملوا الجنسية المصرية، ونشأوا وترعرعوا علي مباديء حسن البنا، وسيد قطب، قبل أن يتضاعف تطرفهم الذي يقودهم بالتالي إلي الانضمام لتنظيم »القاعدة« أو غيرها من التنظيمات الإرهابية الأخري في المنطقة أو خارجها. .. وأواصل غداً.