في السعودية يقولون : [إن »الإخوان المسلمين المصريين« هم الذين نقلوا التطرف، والإرهاب، إلي المملكة.. التي رحبت بهم بعد فرارهم من مصر، ودعمتهم، ومنحتهم فرص الإقامة والعمل والكسب في البلاد.. وبدلاً من تلقي اعترافهم بالفضل والجميل، فوجئت بهم يسعون إلي زرع »الإرهاب المسلح« في عقول وقلوب أجيالها الجديدة]. و في مصر.. نحن نقول : [إن المصريين الذين أقاموا في السعودية تأثر معظمهم بالمذهب الوهابي السلفي، الأصولي ونقلوا أفكاره، وفتاويه، وتحريماته، وتكفيراته.. إلي مصر بعد عودتهم إليها، وكانت النتيجة ما نراه، ونسمعه، ونقرأه منذ سنوات عديدة ماضية من »تشدد ديني« هو في معظمه أبعد ما يكون عن الدين الإسلامي وسماحته.. كما عرفناهما من قبل]. المقولتان السعودية والمصرية تلقيان تأييداً، وتأكيداً،ً من مفكرين ومثقفين كُثر.. هناك، وهنا. حقيقة أن هؤلاء وأولئك يتبادلان الاتهامات، لكن حقيقة أيضاً أن كل طرف يملك كما هائلاً من القرائن والوقائع والأدلة، مساوياً وموازياً لنفس القدر لدي الطرف الآخر مما يستحيل إدانة »الإخوان« و تبرئة »الوهابيين«.. أو تبرئة »الإخوان«، و إدانة »الوهابيين«. بعد هذه »المداخلة« أعود إلي كتاب الباحث الأمريكي: »جين هيك«: [عندما تتصارع العوالم] في نسخته العربية التي ترجمها باقتدار الأستاذ: »أحمد محمود«، والصادرة عن »هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث«. اهتزت السعودية حكومة وشعباً في 20 نوفمبر من عام 1979عندما احتل عدد كبير من الشباب الناشطين المحليين والأجانب »الحرم المكي«. تبين أن »الاحتلال« تم بقيادة وزعامة المدعو: »جهيمان بن محمد العتيبي« الذي كان يتفاخر بأنه »جهادي سلفي« و زوج أخته المدعو: »محمد بن عبدالله القحطاني« الذي كان يصف نفسه بأنه »المهدي المنتظر« وزعم الإثنان أنهما قادا أكثر من مائتين من شباب السعوديين وغير السعوديين للقيام بهجمتهم علي الحرم المكي »اعتراضاً علي النفوذ الغربي الذي زاد عن الحد داخل السعودية، فكان لابد من القيام بتطهير الإسلام من خلال العودة إلي تقاليد العدل والمساواة«. »الاحتلال« تم سحقه خلال أسبوعين مع وقوع خسائر كبيرة علي الجانبين. فقد قتل »المهدي المنتظر« محمد القحطاني أما زميله وعديله جهيمان العتيبي فقد ألقي القبض عليه، وتم إعدامه وإعدام 62من أتباعه. وصف الباحث الأمريكي عام 1979 بأنه »عام الإرهاب في المملكة«. فقد شهد نزول شيعة المنطقة الشرقية إلي الشوارع في مظاهرة علنية بمناسبة الاحتفال بعاشوراء وهي ممارسة تحظرها الدولة ومقصورة علي مناطق الشيعة فقط، مما تطلب استدعاء نحو20ألفا من قوات الحرس الوطني لإخماد انتفاضة شيعة المنطقة الشرقية. كما نزل الشيعة مرة ثانية إلي الشوارع احتفالاً بالذكري الأولي لعودة »الخميني« إلي إيران، واحتجاجاً في الوقت نفسه علي ما تصوّروا أنه وضع المواطنة من الدرجة الثانية الذي يتمتعون به داخل السعودية. وتم استدعاء قوات من الحرس الوطني لتفريقهم مع وقوع خسائر عديدة في الأرواح. من دراسة ما جري من أحداث »عام الإرهاب« كثر الحديث عن انتفاضة »جهيمان-القحطاني« وأتباعه الذين تلقوا التعليم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة علي أيدي أساتذة ومدرسين مصريين من »الإخوان المسلمين«، الذين وجدوا في المدارس والمعاهد والجامعات السعودية »تربة خصبة لتلقي بذور أيديولوجيتهم المتشددة، ونشر أفكارهم الإرهابية بين الطلاب وأبسطها »التكفير المعين« أي إعلان أصحاب العقيدة المختلفة: كُفاراً وهو المفهوم الذي نادي به الفقيه الحنبلي »ابن تيمية« في القرنين الثالث عشر والرابع عشر وأعاد تقديمه تلميذه في العصر الحديث: الفقيه، الإخواني، »سيد قطب«. صفحات من كتاب »عندما تتصادم العوالم« خصصها الباحث لتاريخ هذا »التجريم واللعن« الذي يعتقد أنه نشأ مع »الخوارج« في القرن السابع، الذين قرروا وهم يعملون تحت شعار »لا حكم إلاّ لله« وكانوا مهووسين بشدة بتحديد من يمكن أن يُحكم عليه بأنه »مسلم حقيقي«، ومن لا يمكن؟ فأي شخص يخالف الأوامر القرآنية والأحاديث النبوية كافر ويجب طرده من جماعة المؤمنين. في النصف الثاني من القرن العشرين.. تم إحياء تلك الممارسة الميتة، ومنحها حياة جديدة بواسطة المصلحين المفترضين المحدثين مثل: سيد قطب الإخواني المصري و المنظّر الإسلامي الباكستاني: »أبو الأعلي المودودي«. الغريب بالنسبة لهذا الباكستاني أنه نفسه الذي أسس [في ثمانينيات القرن الماضي »الجماعة الإسلامية الباكستانية« التي عملت بشكل وثيق جداً مع مصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تجنيد أقدم رواد القاعدة لمقاومة غزو الاتحاد السوفيتي آنذاك لأفغانستان!]. .. ونواصل غداً.