وزير التعليم يشهد حفل ختام بطولات الجمهورية ومسابقات التربية الفكرية ببورسعيد (صور)    جامعة كفر الشيخ تحقق إنجازا فى تصنيف التايمز العالمي    البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في إيبارشية وسط أوروبا    أسعار الأسماك اليوم، الكابوريا ترتفع 35 جنيهًا في سوق العبور    وزير الإسكان: غدا بدء تسليم أراضى بيت الوطن بالمرحلة التكميلية 2 بمدينة العبور    السيد القصير ومحافظ جنوب سيناء يتابعان المشروعات الزراعية والثروة السمكية    مدبولي يتفقد مجمع مصانع العربي للغسالات بكوم أبو راضي (صور)    وزير التموين: 60% زيادة في توريد القمح خلال الموسم الحالي    مسئولو التطوير المؤسسي ب "هيئة المجتمعات العمرانية "يزورون مدينة العلمين الجديدة    إخلاء أحد مجمعات النازحين السوريين في لبنان    محمد فايز فرحات: المواقف المصرية منذ بداية الأزمة في غزة قوية وواضحة ومعلنة    حاكم خاركيف الأوكرانية: تم إجلاء نحو 10،000 شخص من المنطقة بسبب المعارك    9 مجازر جديدة بغزة، 35386 شهيدا حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي    الأهلي ضد الترجي، القنوات الناقلة لمباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا    نهائي أبطال إفريقيا.. "الكرات الهوائية" دفاع حديدي في الأهلي والترجي (أرقام)    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    مصرع شاب سقط من علو في القليوبية    خبير ل المصريين: كل متاحف مصر اليوم مجانية.. وعليكم زيارتها    إصابة المخرج محمد العدل بجلطة في القلب    جوري بكر بعد طلاقها: "استحملت اللي مفيش جبل يستحمله"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    معهد القلب يشارك بمبادرة قوائم الانتظار بإجراء 4 آلاف عملية قلب مفتوح    طيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنان.. وحزب الله ينفذ هجوما صاروخيا    الشهادة الإعدادية 2024| 16807 طالبا وطالبة يؤدون أول امتحاناتهم ب108 لجان بالأقصر    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    لقاء سويدان تهنئ عادل إمام في عيد ميلاده: «صاحب السعادة»    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    3 منهم قرروا البقاء.. 17 طبيبا أمريكيا يغادرون غزة بعد محاصرتهم بالمستشفى    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    رفع 32 سيارة ودراجة نارية متهالكة.. خلال 24 ساعة    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    بدء امتحان اللغة العربية لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة والدراسات الاجتماعية بالقاهرة    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا قال عن مذگراته؟!
الاخبار تروي أسرار الضاحك الباكي نجيب الريحاني 7
نشر في الأخبار يوم 01 - 09 - 2010

قبل أن أسمح لنفسي بنشر مذكراتي، فكرت في الامر كثيرا، لا لشيء الا لانني خلقت صريحا، لا اخشي اللوم في الحق، ولا أميل إلي المواربة والمداراة، فهل يا تري اظل فيما أكتب متحليا بهذه الخليقة؟، أم يدفعني ما درج عليه الناس من مجاملة إلي المواجهة والتهرب.. ذلك هو موضع التفكير الذي لازمني قبل أن أخط في مذكراتي حرفا واحدا، أما وقد ارتضيت، فقد آليت علي نفسي أن أملي الواقع مهما حاقت بي مرارته، واسجل الحقائق مهما كان فيها من الم ينالني قبل ان ينال غيري ممن جمعتني بهم أية جامعة، وربطتني بهم اقل رابطة، ومضيت في مذكراتي علي هذه الوتيرة، فاذا بي أشعر في دخيلة نفسي انني اؤدي واجبا مفروضا، هو في الحقيقة تسجيل صحيح لناحية من نواحي تاريخ الفن في بلادنا العزيزة، وأصارح القراء الافاضل بأنني كنت كلما سردت واقعة فيها ما يشعر بالاقلال من شأني، كنت أحس السعادة الحقة، سعادة الرجل الصادق المؤمن حين يقف أمام منصة القضاء فيدلي بشهادته الصحيحة، ويغادر المكان مستريح الضمير، ناعم البال، هاديء البال.. علي أنني في مذكراتي هذه تناولت الكثيرين بما قد لا يرضيهم، ولكن احدا لا يستطيع ان يناقضني في حرف واحد مما أثبت هنا، لأنه إن حاول ان يفعل، وقفت الحقائق حائلا بينه وبين ما يريد، فهناك الزميل القديم علي يوسف مثلا... لقد شرحت الكثير مما كان بيني وبينه من مواقع حربية في ميدان الغرام والهيام، وكذلك الحال مع السيدة ص. ق -الريحاني يقصد الممثلة صالحة قاصين - التي بلغ تنازعنا عليها حد شك المقالب، وتدبير الفصول الساخنة.. كل ما ذكرته عنهما حقائق صادقة، ولعل بعض من تحدثت عنهن قد يسوءهن ان اكشف عن حقيقة رابطتهن الاولي بالمسرح بعد أن أصبحن في سمائه كواكب لامعة، وقد سبق لهن ان تحدثن إلي الصحف كثيرا، وشرحن تاريخ حياتهن كثيرا، ودبجن المقالات كثيرا، فشرحت كل منهن كيف كانت تمثل امام المرآة، وكيف شغفت بالتمثيل منذ الصغر، وكيف عشقت الفن لذاته... وكيف، وكيف مما لست أذكره، ولكن هل ذكرت في أحاديثها ولو من باب تقرير الواقع وبلاش المجاملة حتي شيئا عن كيف وقفت علي المسرح، ومن علمها نطق أبجديته؟، ابدا.. وكأنه من العار عليها اذا اعترفت بأنها كانت ممثلة في فرقة الريحاني.. وبلاش مبتدئات يا سيدي!!
نجيب الريحاني
توقفنا في الحلقة السابقة بعدما اخبرنا نجيب الريحاني ان الفرقة التي تكونت باسم الكوميدي العربي قد اسندت له تجسيد دور العجوز برجيه والد ايملي في مسرحية خللي بالك من ايملي التي نقلها عن الفرنسية امين صدقي وتصدي لاخراجها ابو المسرح الكوميدي عزيز عيد، وقال لنا الريحاني انه اعتذر عن قبول الدور ثقة منه بأنه اكبر من ان يستطيع اجادته. لكن اعتذاره هذا رفض رفضا باتا، لا لأعتقاد الفرقة بقدرته، بل بحجة انه لا يوجد ممثلون يكفون لاداء ادوار الرواية، وقال الريحاني لنفسه تبريرا لتمسكه بالاعتذار يعني يا سي عزيز عيد اروح انا في ستين داهية علشان حضرتك مش لاقي ممثل يعمل برجيه ؟، ويؤكد ان كرر الاعتذار وتوسل لعزيز عيد ان يعفيه من اداء هذا الدور لكن كل توسلاته لم تأت بنتيجة لما يتسم به عزيز عيد من شخصية متسلطة وعنيدة جعلته دائما في صدام واشتباك مع السيدة روزاليوسف، وعندما لم يجد الريحاني بدا مما فرض عليه قبل الدور مرغما. وأغلق علي نفسه الحجرة وراح يرسم له شخصية يؤديه بها. وعندما وقف امام المرآة ليلقي حوار الدور جملة وراء الاخري، واخذ يراقب ما يرتسم علي وجهه من تعبيرات احس انه سمجا وثقيلا، فجدد الاعتذار لعزيز عيد لكن الاخير امعن في الرفض، ويقول الريحاني وكنت كلما اقترب اليوم المحدد للافتتاح ازداد خفقان قلبي، وتلخلخت ركبي وركبني مائة عفريت وعفريت .
العبقري الاصلع
ليسمح لي القاريء العزيز قبل ان نستكمل الموقف الذي يرويه نجيب الريحاني مع مسرحية اميلي ان نتوقف قليلا لأنه لم يقدم لنا في مذكراته ما يستحقه الفنان عزيز عيد من تقديم، بالرغم من انه التقي به لاول مرة عندما كان يعمل بالبنك الزراعي، وهو الذي اخذ الريحاني لطريق التمثيل، ومن اجل تلك الغواية تم فصل الريحاني من البنك لتخلفه عن العمل وانشغاله بالبروفات مع عزيز عيد، وقد كثر اللغط حول اصول عزيز عيد ايضا فقالت بعض الكتابات انه ولد في سوريا وجاء إلي مصر، لكن الحقيقة غير ذلك لان شهادة ميلاده تقول ان ولد في كفر الشيخ عام 1884 لوالد من أصول لبنانية اي انه يكبر الريحاني في العمر بخمس سنوات فقط، وقد هاجرت أسرة عزيز عيد الي مصر واختارت كفر الشيخ موطنا لها، وككل اللبنانيين نجح والده في الزراعة والتجارة حتي اصبح من أغني أغنياء الإقليم بالغربية، لم تكن محافظة كفر الشيخ قد أسست بعد ولأنه من الأغنياء، فقد تعلم ابنه عزيز في المدارس الفرنسية حتي أجاد اللغة كواحد من أبناء باريس وبعد حصوله علي التجهيزية ثم التوجيهية الثانوية العامة أرسله والده الي لبنان حيث أكمل دراسته الجامعية هناك وعاد، لكن الأيام لا تدوم، فقد خسر والده كل ثروته في مضاربات البورصة وأصبح معدما، وقد التحق عزيز ببنك التسليف الزراعي لكن هواية التمثيل ملكت عليه نفسه وبات حلمه أن يقدم اعمالا مسرحية مصرية تعالج مشاكل المجتمع. وهام بالتمثيل حبا حتي تم فصله من البنك ومعه صديقه نجيب الريحاني، وقد اكتسب عزيز حرفة المسرح من الفرق الاجنبية التي كانت تقدم اعمالها في دار الأوبرا، وأحيانا علي مسرح عباس مكان سينما كوزموا علي ناصيتي عماد الدين وقنطرة الدكة شارع نجيب الريحاني حاليا وخطا عزيز خطوة أخري عندما انخرط في التمثيل باللغة العربية في الفرق السورية او الشامية عامة التي كانت قد استقرت في مصر هربا من الجمود في الشام، وكان أول من عمل معه عزيز القرداحي. ثم عمل بعد ذلك مع سليمان الحداد واسكندر فرح وغيرهما، ولم يكن عزيز عيد مقتنعا بالتمثيل الشامي للمبالغة في الصوت والحركات الغريبة في التمثيل، فكان أن هجر هذه الفرق وكون فرقة خاصة به، مارس بها الإخراج كما تعلمه من الفرق الفرنسية التي عمل بهاو ورغم انه كان ممثلا بارعا إلا أنه برع في الاخراج وانضم لفرقة الشيخ سلامة حجازي ممثلا ومخرجا علي الطريقة الغربية في الاخراج، ولم ينس الرجل ثقافته الفرنسية فكون فرقة تمثل باللغة الفرنسية وضم اليها نجيب الريحاني وبشارة واكيم واستفان روستي وقدموا عدة روايات نالت اعجاب الاجانب مثل الأب ليونار، وعندما ترك فرقة جورج ابيض بتحريض من الريحاني كما عرفنا في الحلقة السابقة. شارك مع مجموعة المتمردين علي فرقة ابيض في تكوين فرقة الكوميدي العربي التي قدم بها اول عروضها خللي بالك من ايملي التي اجبر الريحاني علي تجسيد دور العجوز برجيه بها، وقبل ان نعود للريحاني ليستكمل قصته مع هذا الدور ننوه فقط إلي ان عزيز عيد هو ما اعاد اكتشاف فاطمة رشدي بعد ان تزوجها واخرج العديد من المسرحيات لفرقتها، وقد وصفه الرائد الكبير زكي طليمات في كتاب وجوه بلقب العبقري الاصلع . انتهت المعلومة الواجبة للتعريف بعزيز عيد الذي لعب دورا كبيرا في تأسيس المسرح المصري. ونعود للريحاني.
ساقط.. ساقط
يستكمل الريحاني وصف مشاعره المرتبكة واحاسيسه تجاه الورطة التي فرضت عليه من عزيز عيد فيقول :
تصور ايها القاريء العزيز جبانا دخل اليأس قلبه واحتل فؤاده، لقد كان هذا حالي ليلة البدء بالتمثيل، فدخلت حجرة المكياج واتممت تلوين وجهي، كي اظهر بمظهر العجوز الشيخ بورجيه الله يمسيه بالخير. واعتزمت - مادام ساقط ساقط - ان اغامر، وان اخدها بالعريض، واطلع فيها مرة واحدة. وخليه سقوط بالشرف.. فإذا لم يكن من الموت بد.. فمن العجز ان تكون جبانا ، اقتحمت المسرح وتشجعت واديت الدور. ولشد ما كانت دهشتي حين سمعت ارجاء الصالة تضج بالضحك ويتجاوب التصفيق جوانبها !، لم اكن اصدق انني انا الذي انتزع هذا الضحك وذاك التصفيق من الجمهور. وانه لابد ان يكون غيري مصدرهما، فنظرت خلفي وإلي جانبي لعل ممثلا مختبئاً يضحك الناس دوني، ولكن لم اجد، ولست اغالي حين اعترف من غير تواضع، والاجر علي الله، بأن دوري فاز بقصب السبق وان اخواني مع انهم كانوا ابطال الكوميديا في مصر، وعماد الفكاهة فيها، لم ينلهم مثل ما نالني واني لأذكر في هذه المناسبة حادثا طريفا لا بأس من سرده. من فائق النجاح، قابلت في اخر الليل المدير المالي وهو الخواجه صاحب قهوة متروبول ولم يكن يعرف انني امثل بل كان يزعم انني احد مديري الفرقة وبس، سألت الخواجه عن رأيه في الرواية وممثليها، فقال باللهجة العربية الممتزجة بالجريجية يا سلام.. يا سلام.. فري.. دي خاجه تمام.. خاجه خلوة. الراجل فري دي بورجيه ايه ابن الكلب ده !! ، ثم تفضل فوجه إلي هذا السؤال مين خنزير عجوز برجيه دي مسيو نجيب ؟ ، فأجبته اهو واحد ممثل بكره تعرفه والسلام ، وفي اليوم التالي كان الخواجه قد عرف من زملائي ان الخنزير العجوز برجيه لم يكن إلا.. نجيب الريحاني، ومن ثم جاء يضاعف تهنئته لي ويعتذر عن اعجاب امس المقرون بالسباب.
الايراد بيخسع !
وبعد ايام من عمل فرقتنا في مسرح برنتانيا القديم رأينا الايراد بدأ بيخسع ، وحالة الاسهم في هبوط مخيف، فلم يكن الدخل يزيد في ليلة من الليالي عن العشرة جنيهات أو الثمانية وكان الجزء الاكبر منها يدفع في ايجار التياترو، والباقي يقسم علي اسهم الممثلين، فكان يخص السهم اذاك ثلاثة تعريفة . واذا نغنغت في احدي الليالي، ارتفع نصيب السهم إلي سبعة عشر مليما أو ثمانية عشر، ولم نكن نعمل طيلة الاسبوع، بل كنا نكتفي بثلاث ليالي فقط وكنت احصل في اثنائها علي مبلغ يتراوح بين الاثني عشر والاربع عشر قرشا اسبوعيا. اما بقية ايام الاسبوع، فقد كانت تشغلها البروفات. والبروفات بالطبع لا اجر عليها. كنت اسكن كما سبق القول في مصر الجديدة وكانت اجرة المترو عشرة مليمات في الذهاب ومثلها في الاياب. فاين لي العشرون مليما ادفعها للحضور والعودة في ايام البروفات !!، وبعد محاولات ومحاولات صدر الامر بأعفائي من الاشتراك في البروفات ماعدا البروفة النهائية، فقد تحتم علي حضورها. وفي ميدان الاقتراض والسلفيات متسع للجميع.
مقلب الوجه البحري
القصد. مر علينا عهد كاد قحطه يودي بنا، فرحنا نتلمس السبل للتغلب عليه. وكان بين ممثلي الفرقة شاب ممتلئ بالنشاط هو المرحوم احمد حافظ شقيق الاستاذ عبد المجيد شكري لممثل بفرقة الاستاذ يوسف وهبي. طلع علينا احمد حافظ بفكرة نالت من الجميع حسن القبول وهي ان يسافر إلي المنصورة لترتيب حفلات تحييها الفرقة هناك. ووافق الجميع بالطبع، فغادرنا احمد إلي المنصورة، ولم يمض عليه فيها يومان، حتي كتب خطابا إلي الاستاذ عزيز عيد يبشره فيه ان الدنيا قهقهت لنا مش بس ضحكت وان الطلبات تنهال عليه للحصول علي التذاكر، وان ايراد الليلة في المنصورة لن يقل عن الستين جنيها.. وان.. وان. وزقططنا وانقلبت اتراحنا افراحا، وظللنا ننتظر اليوم الموعود بصبر نافذ. إلي ان حل الاوان فقصدنا إلي ارض الميعاد المنصورة، في القطار الذي يغادر العاصمة قبيل الظهر. واتذكر ان احدا منا لم يتناول طعاما اذاك لان الحالة لم تكن تسمح بشراء رغيف واحد.. ولو حاف، ولكي اكون امينا فلأسرد الحوادث اعترف بأننا اقترضنا اجرة سكة الحديد علي الحساب، كما ان الجوع ظل يشاغبنا ويتلاعب بأمعائنا طول الوقت الذي قضيناه في القطار. وكل هذا ونحن نأمل ان نجد طعامنا في المنصورة بعد تسلم الايراد العظيم من الامبرزاريو المتعهد احمد حافظ الله يرحمه ويحسن اليه، ووصلنا إلي المنصورة حاملين امتعتنا وبلاش اطول في الوصف اللي مفيهوش فايدة.. ويكفي ان اقسم أننا ظهرنا علي المسرح في تلك الليلة ببطون خالية وامعاء خاوية وبس !!
لقد تبخرت الاماني والامال وضاعت الوعود الحلوة التي كانت تزخر بها خطابات مندوبنا في الوجه البحري، بلغ ايراد الليلة الواحدة اربعة جنيهات مصرية لا غير... وخرم حساب احمد حافظ ذلك التخريم الذي اترك تقديره لخيال القاريء العزيز. فويلاه ما حيلتي. ويلاه ما عملي علي رأي المنولوج اياه.. وماذا نفعل بالقروض التي فتحنا بها حسابات جارية هنا وهناك !
سيدي..يا سيدي !
نهايته. اترك ذلك برضوا لذكاء القراء الاعزاء. وفي اخر الليل وبعد التمثيل خرجت من المسرح وحيدا فعثرت في طريقي علي بائع سميط عال، وجبنة رومي، فجرت بيننا مفاوضات انتهت بالرضا والاتفاق علي شراء سميطة واحدة بالممارسة ومعها قرطاس دقة فوق البيعة، وسرت في طريقي اقضم السميطي قضما، وما هي إلا خطوات حتي لقيني الصديق الامبرازاريو احمد حافظ، وبعد التحية المناسبة للمقام. من داهية تسم الابعد، إلي غور جاك دم يلهف القفا ! بعد تبادل هذه التحيات التي لابد منها في مثل هذه الظروف، سألني إلي اين اقصد، فقلت إلي اللوكاندة طبعا، فضحك ضحكة هتكت ستر الليل وقال تعال انا عازمك الليلة في فسحة علي كيفك !! ، عازمني ! عازمني ايه يا بلا، وانا مافيش في جيبي ثمن حتة جبنة اغمس بها السميطة ؟ ، فقال ولا يهمك . ثم داعب بأصابعه جيوب صديريته فسمعت رنين النقود التي كدت انسي لونها. فأطمأنت نفسي وقبلت ان امضي السهرة معه. وهنا استميح القراء في ان امر علي تلك السهرة مر الكرام، وان القي علي تفاصيلها طشت غسيل مش ماجور بس !!، ويكفيهم مني ان اقول انها كانت ليلة بوهيمية واننا توسعنا ذاك في الانبساط، كأنه كان اخر زادنا !!، كل ذلك وانا اخشي إلا يغطي ما في جيوب زميلي حافظ نفقات هذه الليلة. وفي صباح نهاية السهرة خلوت بالسيد السند وسألته عما لديه من النقود فأخرجها.. واذ بالمجموع ثمانون قرشا صاغ ليس إلا ! فلما تقدم كشف الحساب اتضح ان المطلوب منا اربعة جنيهات.. يا نهار زي الكوبية يا احمد يا حافظ.. هي كل سكك كده؟!
فاعل خير
نهايته لم تفد التوسلات والاسترحمات. فكانت نجاتنا علي يد مجهول الله لا يغلب له ولية. ولكي اخلص ذمتي اقول إنني بعد سنوات كثيرة من هذه الحادثة، وبعد ان الفت فرقتي التي تحمل اسمي، ذهبت إلي المنصورة لأحياء حفلات بها. وقصدت إلي المكان المعهود خاصة لمقابلة ذلك الجندي المجهول ودفع ما في عنقنا من دين وفوقه ولو كلمة متشكر او ممنون. الخ، ولكن اقول مع الاسف الشديد انني لم اعثر عليه طيلة اقامتي في المنصورة.. فعوضه علي الله، ومن قدم شيء بيداه التقاه وهنيالك يا فاعل الخير. ولما كان الشيء بالشيء يذكر فلابأس من ان اشير هنا إلي خناقة لرب السما، وقعت بين السيدة روزاليوسف وبين الاستاذ عزيز عيد، كان من نتاجها ان وقع طربوش الثاني اسيرا في الاولي فكان نصيبه منها التقسيم إلي اربعة اجزاء متساوية. هذا عدا ما حدث للزر الذي لم يبق منه فتلة توحد الله. ولم يكن لدي الاستاذ عزيز طربوش آخر كما انه مفيش لزوم اقول لك ان الحالة المالية لم تكن تسمح بشراء رباط جزمة مش طربوش كمان. واضطر عزيز ان يسير في الشارع حافي الرأس.. ولم يكن التمدن في ذلك الحين قد طلع علينا بموضة الاسبور التي تبيح السير بلا طربوش. ولو فرض حتي كانت هذه الموضة موجودة، فإن السيد عزيز آخر من يلجأ اليها. نهايته. لم يكن حظ ليالي المنصورة الباقية من وجهة الايراد خيرا من الليلة الاولي. فقد كانت الحالة نايمة إلي درجة لا يتصورها احد. وكنا عايشين علي القدرة. ومن غير تطويل او شرح، اقول اننا فتحنا قرضا جديدا في المنصورة لأجرة العودة بسكة الحديد إلي القاهرة، ولم تكن هذه الاهوال المتلاحقة لتدخل اليأس إلي قلبي، بل كانت تملؤني يقينا باقتراب ذلك اليوم الذي يعرف فيه الناس لهذه المهنة حقها ويغيرون اراءهم بالنسبة لها. واضف إلي ذلك انني عقدت العزم علي ان اجاهد ما استطعت واضعا نصب عيني هدفا واحدا، هو حمل الناس علي الاعتراف بالتمثيل كمهنة تشرف اصحابها وتتشرف بانتسابهم لها. كان اتفاقنا مع ادارة تياترو برنتيانا القديم جائرا بالنسبة لنا، ففكرنا في الانتقال إلي مسرح آخر علي قدر الحال، يكون ايجاره اقل من ايجار ذلك المسرح الذي كان يلتهم ارزاقنا التهاما، وانتهينا إلي اختيار تياتروا الشانزليزيه بشارع الفجالة.
زعرب افندي.. !
اتفقنا مع ادارة تياترو الشانزليزيه علي ان نشغله بفرقتنا وبدأنا في اجراء البروفات. وفي احد الايام، وبينما كنت جالسا مع بعض زملائي امام الباب الخارجي اذ هبط من الترام شخص يحمل بين يديه حقيبة بل قل بقجة ، وقد قال لنا :
- سلام عليكم يا جماعة.
- عليكم السلام يا اخينا.. ايه خير انشاء الله.
- انا عبد اللطيف المصري، ممثل كبير، وسمعت ان عندكم شغل وعايز اشتغل وياكم.
- اهلا وسهلا.. اتفضل يا سيدنا اتناول كام سهم انت راخر.
ذكرت هذا الحادث لان عبد اللطيف المصري هذا اصبح فيما بعد ممثل دور زعرب التابع الخاص لكشكش بك عمدة كفر البلاص، كما سيأتي القول في حينه، ولا مانع هنا من ان اذكر ان عبد اللطيف رأي ان يشارك الزميل امين عطالله في مسكنه، وكان عبارة عن غرفة في اعلي بناء التياترو وقد اثثها امين اثاثا فاخرا بالنسبة للحالة اذاك يعني زي ما تقول مرتبة ولحافا ومخدتين وقلة وكباية... وراسك تعيش !!، وقد سكن عبد اللطيف مع امين فكان اجتماعهما كاجتماع القط والفأر. وقد كنت اود - لولا الاطالة - ان اشرح بعض المقالب التي كان يدبرها امين لزميله، والتي كانت تحتاج في كثير من الاوقات إلي عقد لجنة مصالحات خاصة لاصلاح ذات بينهما. ولكني ارجئ ذلك إلي مناسباته. وقد اخرجنا في الشانزليزيه طائفة من الرويات. منها عندك حاجة تبلغ عنها ، و ضربة مقرعة والابن الخارق للطبيعة و لمهرج بلفجور
ليلة مع اللصوص
حدث في احد الايام ان تراءي للزميل علي يوسف ان يسير بي إلي مكان غير مأمون العاقبة، فكانت النتيجة ان قبض علينا. وكان في جيبي وقتها خمسون قرشا اخرجتها وغمزت بها جندي البوليس الذي زغللت عيناه وتراخي في حماسة. وشاور عقله في تذليل هروبنا. ولكن ابا يوسف اخذته العزة بالاثم فصرخ صرخة مدوية وقال انت عبيط يا نجيب.. ليه تدي العسكري فلوس ؟ ..دلوقتي تشوف راح يجري ايه ، وما ان سمع الجندي هذا التحدي لمقامه الكريم في اثناء تأدية وظيفته حتي غلي الدم في عروقه، واخذته نخوة الحكام العظام، واضاف إلي تهمتنا الاصلية، تهمة اخري فرعية هي الشروع في... رشوة !، قلت ختمت علي رؤوسنا يا سي علي يا يوسف وبدل تهمة واحدة بقوا اتنين، ووقعنا في سين وجيم، وقول علينا يارحمن يا رحيم ، فقال يا شيخ ما يهمكش. شد حيلك دلوقتي تشوف . فشديت حيلي ودخلت معاه الكراكون. فماذا شفت ؟، القوا بنا في الحبس القذر بين المتشردين واللصوص، واتذكر انني كنت في ذلك اليوم ارتدي بذلة بيضاء.. الله يا سيدي علي التيل الابيض من نومه علي الاسفلت طول الليل !، ان ما قاسيته في هذه الليلة لا يمكن ان انساه، كما انني لا انسي كلما تذكرت آلامي ان اعترف بجميل السيدتين سرينا ابراهيم ونظلة مزراحي اللتين برزتا لنا في صباح اليوم التالي كملائكة الرحمة وقد حملتا الينا الفطور السجائر وكل ما خف حمله ولم يغل ثمنه. ونترك هذه الحوادث ونعود إلي المسرح فأقول انني بدأت اشعر ان قدمي قد ثبتت تماما. وانني اصبحت شيئا مذكورا، اجيد تنفيذ ما يجول في مخيلتي من افكار فنية. اذ كنت ادرس دوري واعرف كيف ارضي الجمهور، وكيف اتعمق في قرار الشخصية التي تسند إلي.
مع منيرة المهدية
ومع ذلك لم تكن حالة الفرقة من الوجهة المالية تسر احدا فظللنا نفكر في طريق الاصلاح. لعل وعسي، يفرجها من لا يغفل ولا ينام. وقد هبط علينا علي يوسف في تلك الاثناء بأقتراح لم نتأخر في تنفيذه، قال ان السيدة منيرة المهدية اشتهرت في عالم الغناء، فماذا لو جعلنا منها ممثلة تظهر كذلك علي المسرح ؟ ، وحصل الرضا والاتفاق علي ان تمثل السيدة منيرة المهدية في كل لية فصلا من احدي روايات الشيخ سلامة حجازي ثم نمثل نحن روايتنا كالمعتاد علي ان يكون الايراد مناصفة بين الفرقة ومنيرة. واختير لأول ظهور للمطربة الكبيرة الفصل الثالث من رواية صلاح الدين الايوبي ، وفيه تغني القصيدة المشهورة ان كنت في الجيش ادعي صاحب العلم . ونجح برنامجنا والحق يقال، واقبل الناس اقبالا لم نكن ننتظره، كانت السيدة منيرة في ذلك العهد تقطن في مصر الجديدة وبماانني من سكان هذه الضاحية، فقد اختارتني ادارة الفرقة كي اراجع للمطربة ادوارها نهارا وادخل لها ما تمثله مساء. وفي اليوم الاول دخلت منزلها امشي علي استحياء، يعروني ثوب من الخجل. وتقدمت ربة البيت.. لا لتراجع معي الدور ولكن لتداعب حيوانا اليفا كانت تقتنيه. اتدري ما هو ؟ !.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.