سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 2 مايو 2024    جامعة السويس وجهاز السويس الجديدة يوقعان بروتوكول تعاون لتبادل المعلومات والاستفادة من الخبرات    البيت الأبيض: موسكو استخدمت أسلحة كيماوية ضد القوات الأوكرانية    تعرف علي تعديل مواعيد الجولة الأخيرة بدوري المحترفين    تزامنا مع احتفالات عيد القيامة، البابا تواضروس يترأس قداس خميس العهد    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل 21 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    رئيس الوزراء يبحث مع شركات كوريا الجنوبية سبل تعزيز استثماراتها في مصر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    «الأهلي للصرافة» تجذب حصيلة 6.9 مليار جنيه خلال شهر أبريل    «بحر البقر».. أكبر محطة بالعالم لمعالجة الصرف الزراعى بسيناء    شيخ الأزهر ينعي الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    جيش الاحتلال يقصف مسجد القسام في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    غضب الله.. البحر الميت يبتلع عشرات المستوطنين أثناء احتفالهم على الشاطئ (فيديو)    الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني وتدمير 12 طائرة مسيرة كانت تستهدف مناطق في العمق الروسي    رئيس الوزراء يُهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد    تفاصيل جلسة جوميز مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة البنك الأهلي    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع خادم دياو بديل معلول    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    حالة الطقس اليوم الخميس.. أجواء معتدلة على أغلب الأنحاء    تفاصيل مصرع سيدة ونجاة زوجها في حريق شقة بحلوان    تحرير 11 محضرًا تموينيًا لأصحاب المحال التجارية والمخابز المخالفة ببلطيم    العثور على جثتي أب ونجله في ظروف غامضة بقنا    مصرع طالب صدمته سيارة مسرعه أثناء عودته من الامتحان ببورسعيد    أخصائية تربية تقدم روشتة لتقويم سلوك الطفل (فيديو)    الفنان ياسر ماهر ينعى المخرج عصام الشماع: كان أستاذي وابني الموهوب    هل توجد لعنة الفراعنة داخل مقابر المصريين القدماء؟.. عالم أثري يفجر مفاجأة    تامر حسني يدعم بسمة بوسيل قبل طرح أغنيتها الأولى: كل النجاح ليكِ يا رب    بعد أزمة أسترازينيكا.. مجدي بدران ل«أهل مصر»: اللقاحات أنقذت العالم.. وكل دواء له مضاعفات    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال أبريل 2024    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرؤية الدينية بين التعصب والتسامح
نشر في أخبار مصر يوم 14 - 08 - 2010

لم تزل‏,‏ وستظل‏,‏ مشكلات فهم الرؤية الدينية والنظر إليها‏,‏ واستخدامها في مجريات الحياة والتعاملات والمواقف محل جدل وخلاف‏.‏ولم يزل‏,‏ وسيظل‏,‏ المتدينون يتجاذبهما تعصب مقيت‏,‏ وتسامح محبب للنفس‏.
وتمضي قرون عديدة لكن التعصب لا يفقد بريقه ولا جاذبيته برغم كونه هلاكا لأصحابه ولرؤيتهم‏,‏ والتسامح لا يفقد برغم كل سعير التعصب قدرته المتجددة علي الوجود‏,‏ يتجاذبان بل يتصارعان ويبدو أن الزمن غير قادر علي حل ما بينهما من خلاف‏..‏ فكيف؟
ولقد يحتاج الأمر إلي فهم أدق وأكثر تحديدا لكل من هاتين الكلمتين‏ تعصب‏:‏ شد العصابة علي رأسه‏,‏ تجمعوا معا فهم عصبة‏,‏ يتعصبون له أي ينصرونه دون تبصر،‏
تسامح‏:‏ لان في تعامله مع الآخرين‏,‏ نظر للأمر دون تشدد‏..‏ سار في الأمر سيرا ميسورا‏.

والتسامح غير التساهل‏,‏ فالتساهل فيه بعض من التنازل عن الحق‏,‏ أما التسامح فهو احترام وجهة النظر المخالفة واحترام المختلف‏,‏ سواء في العقيدة أو في النظر إليها أو في الرأي إزاء أي مسألة‏.‏
والمثير للحيرة هو أن التعصب والتسامح لا يكتفيان في الأغلب الأعم بالنظر الشخصي للأمر‏,‏ بل هما ينعكسان عن وضع اجتماعي‏,‏ ومناخ مجتمعي‏,‏ ففي زمن ما تسود عقلية التسامح‏,‏ وفي زمن تضعف متأثرة بالمناخ العام‏,‏ وبأساليب الحكم والإعلام والمنهج المجتمعي مع الآخر في مختلف المجالات‏.‏
ففي زمن رديء من تاريخ المسلمين ساد التعصب ليس للدين وإنما للملة وللمذهب‏,‏ وفي أحيان كان الحكام والولاة يتقبلون التعامل بصدر رحب مع المخالفين في الديانة من يهود ونصاري‏,‏ بينما يتشددون مع المسلمين المختلفين في المذهب‏.‏
ونقرأ فلما تشفع إبراهيم بن محمد الدهان الحلبي‏(‏ توفي‏810‏ ه‏),‏ وكان قبلها حنبليا اسمي بالناجي‏(‏ بكر بن عبدالله أبوزيد النظائر ص‏72)، ونمضي مع كتاب النظائر كان البعض يري أنه من الإثم الخروج عن مذهبه حتي أن البعض طالب بأن يعذر الخارج عن المذهب كالمرتد‏,‏ وقال أتباع المذهب الحنفي يجوز للشافعي أن يتحنف‏,‏ ولا يجوز العكس‏(‏ ص‏12),‏ أما قاضي دمشق محمد بن موسي الحنفي‏(‏ توفي‏506‏ ه‏)‏ فقد قال‏:‏ لو كان الأمر بيدي لأخذت الجزية من الشافعية‏.‏
وفي كتاب الدرر الكامنة لابن حجر نقرأ يلبغا الخاصكي‏(‏ توفي‏768‏ ه‏)‏ كان يتعصب للحنفية ويعطي لمن يتمذهب لأبي حنيفة العطاء الجزيل فتحول جمع من الشافعية إلي الحنفية لأجل الدنيا‏(‏ جزء‏5‏ ص‏214).‏
لكن‏,‏ وبرغم هذا التعصب البغيض كان البعض يتسامح ويتعايش‏,‏ فقد كان لأبي الجعد‏(‏ متوفي‏100‏ ه‏)‏ ستة بنين‏,‏ اثنان شيعيان‏,‏ واثنان مرجئان‏,‏ واثنان خارجيان‏(‏ الذهبي سير اعلام النبلاء جزء‏5‏ ص‏109).‏
وكثيرا ما حاول فقهاء ومفكرون أن يواجهوا التعصب‏,‏ فمحمد إقبال قال‏:‏ إن العقيدة التي ترفض الاجتهاد‏,‏ وتأبي التسامح لا تستحق أن يعتقد بها أصحابها‏,‏ وكان علي بن أبي طالب يحذر من أن يتعصب الرجل لرأي لمجرد أنه يتعصب لصاحبه فقال‏:‏ الحق لا يعرف بالرجال فاعرف الحق أولا تعرف قدر أهله‏,‏ وقد حاول الرسول الكريم أن يستحث الجميع علي قبول الرأي الآخر‏,‏ والاجتهاد المختلف فقال‏:‏ القلوب بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء‏.‏
ولأن المصدر الأساسي للتسامح ومواجهة التعصب هو إعمال العقل يقول الإمام الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال‏:‏ إن العقل يري الأشياء كما هي‏,‏ وهو يصلح معيارا لا يخطئ عندما تحاول التمييز بن الحق والباطل‏,‏ والخطأ والصواب‏,‏ بشرط أن يتخلص من غشاوة الوهم‏(‏ أي الأساطير‏)‏ والخيال‏(‏ أي اصطناع القصص الخرافية‏)‏ فإن كان كذلك فإن العقل لا يخطئ أبدا‏.‏
فالتسامح يقوم أساسا علي عقل عقلاني لا يقبل الخرافة‏,‏ ولا الأساطير‏,‏ ولا التعصب‏,‏ وإنما يكون منفتحا علي الحقيقة‏,‏ مدركا أن رأيه هو مجرد اجتهاد إنساني‏,‏ وأن اختياره بين الآراء والمواقف والرجال هو اختيار إنساني يخطئ ويصيب‏.‏
ولنستمع إلي أبو الحسن الأشعري‏,‏ إذ يقول‏:‏ اختلف الناس بعد نبيهم في أشياء كثيرة ضلل فيها بعضهم البعض فصاروا فرقا متباينة‏,‏ وأحزابا مشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم‏(‏ مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ص‏201).‏
وكان الإمام الشوكاني واحدا من دعاة التسامح مع الآراء المختلفة‏,‏ ومع المجتهدين مهما خالفوه‏,‏ وقال‏:‏ فإذا تكلم أحد علماء الاجتهاد بشيء يخالف ما يعتقده المقلدون قاموا عليه قومة الجاهلين ووافقهم علي ذلك أهل الدنيا‏,‏ وأرباب السلطة‏,‏ وهذا عين الجهل والضلال‏.‏
ويردد الفقهاء من دعاة التسامح أن الآيات القرآنية التي تتحدث عن الصفح والعفو والصبر والرحمة بلغت‏24‏ آية‏,‏ وحتي لو حاول البعض أن يرد مسلما عن إيمانه‏,‏ فجواب المسلم هو الصفح والعفو ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتي يأتي الله بأمره إن الله علي كل شيء قدير‏(‏ البقرة‏:109).‏
وكذلك الحال في المسيحية‏..‏ التعصب وجد ولم يزل‏,‏ والتسامح أيضا‏,‏ لكن اللافت للنظر هو موقف الأب جيوفاني مارتيني من دعاوي نيتشه ضد المسيحية‏,‏ والتحريض علي الإلحاد‏,‏ فقد قال‏:‏ كان نيتشه أكبر داعية للإلحاد‏,‏ لكنه بقي في دائرة المسيحية لأنه كان يتحدي المسيحيين ويحرضهم علي التفكير‏,‏ ويحفز عقولهم كي يقيموا إيمانهم علي وجه أكثر تماسكا‏(‏ دواعي الإيمان في عصرنا ترجمة الأب يوسف خاشاقجي ص‏111).‏
وهكذا يظل الإيمان المتسامح قادرا علي أن يظلل المؤمن بالحكمة‏,‏ والقدرة علي احترام الآخر‏,‏ واحترام رأيه‏,‏ وربما القدرة علي اكتساب العقلاء إلي صفه‏.‏
** نقلا عن صحيفة الأهرام المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.