الجماعة بتوع القاهرة وصلوا بزحمتهم ودوشتهم جملة رددها أحد سائقي الاجرة لزميله علي كورنيش الاسكندرية ورغم بساطتها الا أنها تحمل بين طياتها درجة من درجات التعصب الاقليمي الذي بدأ يسود في المجتمع المصري إضافة الي التعصب المذهبي والعرقي والحزبي والطائفي وغيرهما, ورغم أن المجتمع المصري من المجتمعات التي تتأسس ثقافتها علي التجانس والتسامح الا أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت أحداث عنف شرسة نتيجة تسلل هذا السلوك الي الاجواء المصرية. ورغم أن مصر لاتعاني علي الاطلاق من فتنة طائفية وجميع المشكلات بين نسيج الامة الواحدة من مسلمين وأقباط سببها خلافات شخصية ومادية وليست علي الاطلاق بسبب العقيدة الا أنها تعالج حاليا من جانب الجهات المعنية بحساسية مفرطة بسبب الخوف من تدخل البعض في أشعال الازمة, الامر برمته يحتاج الي وقفة ومشاركة من الحكومة والمجالس المحلية والجمعيات الاهلية والمؤسسات الدينية لتصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر ثقافة التسامح وأحترام الرأي الآخر ونبذ العنف حتي لاتستفحل المشكلة ويتكرر ماحدث من جماهير أحدي الفرق الرياضية حين قاموا بحرق مشجع الفريق المنافس وكذلك ما يحدث من قطع للطرق وتحطيم لسيارات الابرياء عند وقوع ضحايا نتيجة المصادمات علي الطرق السريعة. اللواء فؤاد علام الخبير الامني يؤكد وجود تغير جذري في سلوك الانسان المصري حيث أصبح يميل لاستخدام العنف في تعاملاته اليومية وهو مايظهر جليا في الشارع المصري بين قائدي السيارات بعضهم البعض وبين المشاه, ويعتبر الحقد من الاسباب الرئيسية في تفاقم ظاهرة العنف نتيجة طبيعية لزيادة الفوارق بين الطبقات وأساءة توزيع الاموال وأختفاء الطبقة المتوسطة بالاضافة وزيادة نسبة الفقر مع الاخذ في الاعتبار تفاقم مشكلة البطالة وأنحدارالثقافة الاخلاقية لدي الكثيرين, ولايجب إغفال العدالة البطيئة التي تدفع الناس للحصول علي حقهم بالقوة في الوقت الذي تئن فيه المحاكم بعدد القضايا, وأن مصر لاتعاني من فتنة طائفية فالمشاحنات بين المسلمين والمسيحيين ليست بسبب العقيدة ولكنها شخصية وهي أقل بكثير من مثيلتها بين المسلمين أنفسهم علي سبيل المثال, وأنه حتي بالنسبة للجريمة زادت نسبة استخدام العنف فيها, لقد تغيرت الصورة في مصر بالكامل ففي الماضي كان العمدة قادرا علي علاج مشكلات أهل القرية وكان الاغنياء يخرجون أموالا كثيرة من أجل الخير أما المسألة الآن فاختلفت تماما, ولابد من حل المشكلات بصورة موضوعية وعن طريق مشاركة المتخصصين وتجنب السياسات غير المدروسة من بعض المسئولين وعدم تحميل الامن جميع الامور حتي لاتحدث كارثة. موجة الطمع التعصب والعنف والتطرف- والكلام علي لسان الدكتور سعد الزنط مدير مركز الدراسات الاستراتيجية وأخلاقيات الاتصال- جميعها معضلات منابتها أخلاقية, فالمجتمع يمر حاليا بأزمة ويتميز العصر بعدم الاخلاقيات, فالملاحظ أن هذه الظاهرة قد أستشرت علي كافة المستويات وتسربت الي كل شرائح المجتمع بشكل سافر وخطير, ويبدو أن موجة الطمع الفردي والانانية التي لاتعرف بالمسئولية الاخلاقية في ازدياد شديد بل وصلت الي حد الانفلات القيمي والاخلاقي سواء علي مستوي الاسرة أو المدرسة أو إدارات الدولة وأجهزتها أو المجتمع بكل فئاته وطوائفه ويري أن هناك ميلا مجتمعيا عاما تجاه العنف بدا واضحا في العقود الاخيرة وطفت علي السطح ظواهر اجتماعية وثقافية وأمنية مؤثرة لم يكن لها وجود من قبل علي الاقل بنفس المستوي المخيف الذي نلمسه الآن من تعصب وعنف ورفض للآخر والرغبة في تدميره, إننا نعيش في واقع تصارعي لارحمة فيه سواء كان ذلك علي مستوي العلاقات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أوحتي الثقافية, فكل طرف أيا كان مستواه فرديا أو مؤسسيا أو دوليا يحاول اقتناص كل شيء والقاء الآخر في جهنم غير مبال بحالة المرارة التي يتركها عليه و غير مكترث العواقب مستقبلا, وبالطبع لايمكن أن نغفل القضايا الكثيرة والمعقدة المحلية التي أدت الي تأصيل ثقافة التناحر والصراع بين أطراف المجتمع وفئاته المختلفة وحتي بين أفراده بتصنيفاتهم واتجاهاتهم الثقافية والايديولوجية, نحن في حاجة الي خلق ثقافة اتصال اخلاقي وزرع ثقافة حوارايجابي تعزز المسئولية الاخلاقية في المجتمع وهو مطلب نعتقده متاحا لا مستحيلا لانه يقوم علي أسس وقيم اخلاقية مازالت منابتها في عمق الانسان, ويرجع السبب في هذه الظاهرة السلوكية السلبية والتي تسعي لعدم الاعتراف بوجود الآخر الي التحلل الاخلاقي والقيمي في المجتمع والذي زادت حدته خلال العقود الاخيرة كنتيجة لبعض أدوات الهدم التي أسهمت في تدمير البنية الاخلاقية للشعب والتي تميزت عبر آلاف السنين بثراء وعمق طبقاتها ومكوناتها ومصادرها المتمثلة في الدين المكون للعقيدة لدي الانسان المصري والقدوة التي نقتدي بها والجماعة التي نقدم لها ولاءنا وقيم المجتمع وأعرافه وتقاليده التي نلتزم بها والقوانين التي تمثل أطارا يجب أن يحترم, هذا بالاضافة الي الروح الاتصالية المرشدة التي نسير علي نهجها ونطلق عليها الضمير, هذه المصادر لاخلاقياتنا لاشك قد حدث تفسخ ثم انحلال لاوصالها ويري أن هناك عدة عوامل قد ساهمت في ذلك, بالإضافة إلي الانفتاح الاقتصادي المنفلت في السبعينات وما تبعه من تنامي القيم الاستهلاكية والرغبة في الثراء السريع وشيوع ثقافة الفهلوة والانتهازية, هذا فضلا عن السفر لبلاد الخليج واسهام ذلك في تغير النمط الثقافي والديني هذا مع الاخذ في الاعتبار ظاهرة العولمة والسماوات المفتوحة التي أسهمت بلا شك في اعادة تغذية وبلورة فكر الاجيال الجديدة بكل ما يخالف ثوابتنا الاخلاقية والقيمية في نفس الوقت الذي غاب فيه الدور الحيوي للاسرة والمدرسة والمجتمع بأكمله. ويقترح الدكتور سعد الزنط لعلاج هذه الظواهر السلبية البحث عن مجموعة من الأليات التي توصلنا الي جعل الاخلاقيات ثقافة شعب والمسئولية الاخلاقية ميثاقه ومنهجه ولابد من العودة الي لملمة ما انفرط في عقد الاسرة المصرية وقيادة التغيير المجتمعي من خلال منظومة تعليم ملائمة للمستقبل وخالية من مسببات التدهور الاخلاقي والقيمي, ولابد من العمل علي نشر ثقافة الحوار الايجابي بين الناس قناعة بأنه يمثل القاعدة المشتركة للجميع فضلا عن التركيز علي بعض الاهداف الموصلة ومنها يجب علينا أن نقوي حواسنا الاخلاقية وأن نقدر الآخرين ونسامحهم ونفهمهم ونقبلهم بآرائهم ومعتقداتهم المختلفة. سلامة المجتمع محمد عثمان عثمان المحامي يري أن التعصب بشكل عام أصبح ظاهرة انتشرت في الاونة الاخيرة بشكل مخيف وتصل أحيانا الي درجة العنف وأخري تتخذ صورة تهدد أمن وسلامة المجتمع مما يدعونا الي تناول هذه الظاهرة السيئة ووضع الحلول وسبل مواجهتها وذلك يتطلب تضافر جهود الدولة والافراد وجميع طوائف الشعب ومنظمات المجتمع المدنية المحترمة, وأنه قد تلاحظ ارتفاع حدة التعصب المذهبي أو العرقي أو الطائفي أو الاقليمي أو المهني وأنه في معظم الاحوال نجد أن البعض ينحاز الي الفريق الذي ينتمي اليه دون أن يتدبر أو يفكر فيما إذا كان الشخص الذي ينحاز له علي صواب أم علي خطأ وأحيانا يتطور الامر الي العنف مثل حوادث الاصابة أو القتل الخطأ التي تحدث علي الطرق السريعة وكثيرا ما يكون المجني عليه هو المخطيء وتقوم البلدة بقطع الطريق والاعتداء علي الابرياء وتحطيم سيارات من ليس لهم علاقة بالواقعة كما ينتشر التعصب المذهبي حيث نجد أن بعض أبناء الطوائف المختلفة ينحازون الي بعضهم البعض بعيدا عن الموضوعية أو المصلحة العامة مما يؤثر بالسلب علي أمن وسلامة المجتمع وهناك أيضا التعصب المهني فبعض أبناء المهنة الواحدة ينحازون الي أحد أو بعض الزملاء في موقف ما وتعلو أصواتهم ويتطورالامر الي العنف دون أن يتبينوا ما إذا كان ابن مهنتهم علي صواب أم علي خطأ, وهذا التعصب في الاونة الاخيرة هو المحرك الرئيسي للعديد من أعمال العنف والشغب التي تطالعنا بها الصحف يوميا وأحيانا يتم تهدئة صاحب المشكلة الاساسية ويتطور الامر بمعرفة آخرين ليس لهم علاقة بالموضوع من قريب أو بعيد الا لمجرد أنهم جيرانه أو أبناء بلدته أو ينتمون الي طائفة معينة أو قبيلة معينة. ويضيف محمد عثمان عثمان قائلا: لابد علي الدولة بشكل أساسي أن يكون تفاعلها مع هذه الظاهرة بشكل أفضل مما هو قائم ويجب أن تعي أن الوقاية خير من العلاج, ويجب علي المجالس المحلية والبلدية والقروية والجمعيات الاهلية أن تمارس دورها في القضاء علي هذه الظاهرة ونشر ثقافة التسامح والرجوع الي المنطق والعقل وعدم الانسياق وراء الشائعات0 دور المحليات ويتفق المهندس جمعه جبريل حسن رئيس المجلس المحلي بالبحيرة مع الرأي السابق حول دور المحليات المهم والحيوي في علاج الظواهر السلبية بالمجتمع مشيرا الي وجود لجنة للمصالحات تابعة للمجلس المحلي يرأسها أحد رجال القانون وتضم نخبة من الخبراء والمتخصصين في كافة المجالات حيث إن الخلافات تختلف في طبيعتها وتحتاج في حلها الي نوع من التخصصية حتي يتحقق الغرض الحقيقي منها في حل المنازعات بناء علي رغبة الاطراف وبشكل ودي وبالطرق الشعبية دون الحاجة للجوءلاقسام الشرطة والمحاكم وغالبا ما تتفق الاطراف علي الصلح بعد أقناعهم من جانب خبراء اللجنة التي تضم بينها جميع عناصر الامة, وأنه بالنسبة للعنف فهو يختلف من منطقة الي أخري وبين الحضر والريف حيث الحرص أكثر علي العلاقات الودية فيما بين أهل القري وتربطهم علاقات وثيقة وأيضا عائلية, وأن المحليات تشهد اهتماما بالغا خلال هذه الفترة حيث أنها بالفعل الاقرب الي الناس تعرف همومهم ومشكلاتهم عن قرب مما يجعلها أكثر تفهما لها وتحاول إيجاد الحلول العاجلة والمفيدة. ويلتقط ياسر رياض عبد المولي أمين الوحدة الحزبية وعضو المجلس المحلي لمركز نبروه خيط الحديث مؤكدا أن التعصب في القري يكاد يكون معدوما وكذلك العنف بين الناس حيث الترابط والالفة بين أهل الريف فمعظم المشكلات مرتبطة بالامور المادية وبالنسبة للريف يسهل حلها بين الجيران والاهل والاحباب وسرعان ما يتكاتف الجميع من أجل حلها, والعنف الحالي في التعاملات بين الناس يرجع الي البطالة المتفاقمة بين الشباب ولايجب اغفال دور المحليات الاكثر أرتباطا مع الاهالي وتتعرف عن قرب علي همومهم وتحاول إيجاد الحلول السريعة والمجدية فعلي سبيل المثال خلال أزمة رغيف العيش التي شهدتها مصر خلال الشهور الماضية حينما عانت احدي القري من مشكلة توزيع الخبز مما كان ينذر بكارثة وتصادم بين الناس كما حدث في عدة أماكن علي مستوي الجمهورية الا أن تدخل المحليات وقيامها بتقسيم الخبز وفقا لحصر السكان كان له الاثر الايجابي في نفوس سكان القرية جميعا دون تفرقة, فنحن نعيش في سلام ولانشعر بالفارق بين المسلمين والمسيحيين بل هناك تعاون في كل الامور ومنها التنظيمية وكذلك المشاركة في جميع المناسبات الدينية والقومية, ولم يحدث علي الاطلاق ما يعكر صفو الوحدة الوطنية والمحليات في القري تقف مع المواطنين وتسعي مع الجمعيات الاهلية علي توفير حياة أفضل وشغل أوقات الفراغ من خلال الاهتمام بمراكز الشباب التي تستوعب أعدادا كبيرة من سكان القرية . مشكلة عالمية الدكتور احمد زايد عميد كلية آداب القاهرة وأستاذ علم الاجتماع يشير الي أن مشكلة التعصب عالمية حيث يعيش العالم حاليا داخل قوقعة العرق والسلالة والحدود الضيقة الا أن هذه الظاهرة تصبح أكثر حدة في الدول النامية الاكثر تأثرا نتيجة عدة عوامل داخلية أهمها فقدان القيم المركزية التي يلتف حولها الناس ويعتبرونها هدفا, فالعدل والمساواة علي سبيل المثال موجودان شكلا وليس في الاداء الفعلي للبشر ولا السلوك اليومي للناس, فهناك أفراد يحصلون علي حقوقهم وآخرون لا, وأصبح كل فرد يبحث عن مصالحه الخاصة و أن التعصب يأتي في حالة عدم الشعور بوجود هدف عام والناس حاليا يتعارفون بأقاليمهم وعائلاتهم وديانتهم حتي أصبح التصنيف داخل الدين الواحد وهومايؤدي الي التفكك المجتمعي والطريق الي الاخطر وهو التطرف في ظل عدم وجود قواعد تتفق علي الصواب والخطأ ويدخل الناس في جدل ويفقد المجتمع فكرة الاجماع مما يزيد من فرص تنامي العنف خاصة مع زيادة الفقر والحرمان و الضغوط الحياتية. عنف التلاميذ العنف وصل الي طلاب المدرسة أيضا وهو ما تؤكده في بحثها الدكتورة سميحة نصر عبد الغني دويدار أستاذ علم النفس ورئيس قسم بحوث الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية' حيث تشير الاحصاءات الي تزايد حوادث العنف بين طلاب المدارس الاعدادية والثانوية خلال السنوات الخيرة بشكل مطرد, كما أشارت أحصاءات شرطة الاحداث الي زيادة أعداد الاحداث الذين صدرت ضدهم أحكام مقيدة للحرية بنسبة مخيفة,وأنه رغم شيوع هذه الظاهرة في المجتمعات التي تعرف ثقافة العنف الا أن هذا النمط بدأ ينتشر أيضا في المجتمعات التي تتأسس ثقافتها علي التجانس والتسامح مثل المجتمع المصري وتدل المؤشرات الي إمكانية زيادة حجم العنف بين طلاب المدارس في المستقبل الامر الذي يؤكد أهمية التنبيه الي وجوده والبحث عن حلول له فالعنف المدرسي ليس عنفا بين الطلبة فقط وأنما يدخل في اطاره العنف الموجه ضد المدرسين والمديرين بما يعني أنه مؤسسي ويحتاج الي دراسات تتعدد فيها التخصصات وتقدم رؤي شاملة لأبعاده ومظاهره, وأنه رغم أن حوادث العنف داخل المدارس قد تكون قليلة عند مقارنتها بحوادث العنف في المجتمع الا أن ظهورها يعد انذارا يؤشر علي أن عوامل كامنة في الاسرة أو المجتمع المدني أو حتي في نظام التعليم نفسه تحتاج الي بحث متعمق من أجل التعرف عليها من أجل ضبطها والتحكم فيها, وأن عملية اكتساب التعليم النظامي من أهم العمليات التي تؤهل الفرد لأن يكون فردا ناجحا قادرا علي أن يلعب دوره في مجتمعه وأن يكون ملتزما بمبادئه وأهدافه.