مبادرة السيدة الفاضلة سوزان مبارك قبل شهر رمضان الماضي والتي ناشدت فيها المؤسسات والهيئات والشركات والقادرين بالحد من مظاهر الاستعراض المكلفة في شهر رمضان، دعوة جاءت في وقتها ولاقت صداها حيث توقفت العديد من الجهات عن الافطار الجماعي الذي يتكلف المبالغ الطائلة ويمثل مظهرا من مظاهر الاسراف غير المبرر في ظل المعاناة الاقتصادية حيث تصل نسبة الفاقد من الطعام علي الموائد المصرية خلال شهر رمضان 06٪ ويتجاوز 57٪ في المناسبات والولائم. تقدير الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أن قيمة الطعام تبلغ مليار جنيه يوميا لشعب مصر في يوم رمضاني واحد!! من اجمالي 002 مليار جنيه هي جملة الانفاق السنوي علي الطعام!! القضية مهمة وتستحق المزيد من التوعية ليقل هذا الاسراف عاما بعد عام، هذه المظاهر التي لا تمت لشهر الصوم بأي صلة واصبحت مظهرا من مظاهر التباهي والرياء ومكانا لعقد الصفقات اكثر من كونها حالة تضامن اجتماعي، فهذا التضامن له مظاهر اكثر اهمية واكثر جدية من موائد الرحمن، مثل مساعدة الفقراء في شراء ملابس المدارس، أو دفع مصروفاتهم، أو تشغيل عاطل، أو اعانة مريض فقير، يمكن أن ينتفع بالمال اكثر كثيرا من انتفاعه بوجبة غذائية مجلوبة من الفنادق باسعار خيالية، والمؤسسات والهيئات يمكنها ان تحقق الصلات بين العاملين فيها بأشكال افضل كثيرا من حشد مجموعة منتقاة في فندق أو ناد، واضافة اعباء جديدة علي المرور الذي يعاني من اختناق مزمن يتضاعف في رمضان لقد بدأنا العام الماضي ومهما كانت البداية متواضعة فإن مواصلة الدعوة ستحقق في النهاية هدفها. المبادرة التي اعلنتها السيدة الفاضلة العام الماضي من المجلس القومي للمرأة جاءت خطوة ممتازة لتعميق الدور المجتمعي العام للمجلس يثبت انه ليس مجرد مجلس للمطالب الفئوية للمرأة ولا يهتم فقط بتقديم التشريعات والاجراءات التي تساهم في النهوض بأوضاع المرأة المصرية وتمكينها اجتماعيا وسياسيا وعلي اهمية هذا الهدف، لكنه يهتم بالمجتمع ككل ويضع اقتراحاته واسهاماته من اجل حياة افضل لكل المصريين. اسراف وبذخ القادرين في رمضان وفي غير شهر رمضان يمثل تناقضا صارخا مع معاناة غير القادرين من ارتفاع الاسعار.. العام الماضي اجمعت الاراء والمناقشات علي رفض مظاهر البذخ الرمضانية التي تشترك فيها جهات عامة وهيئات دينية وشركات مثل افطار الوحدة الوطنية الذي لا يقدم ولا يؤخر في قضية الوحدة الوطنية ولا تخرج آثاره إلي الفقراء من المسلمين والمسيحيين. وموائد الرحمن بعد ان تجاوزت هدفها الاساسي وهو الرغبة في فعل الخير ومساعدة المحتاجين في هذا الشهر الكريم إلي نوع من الاستعراض والتباهي العلني. والملحوظات نفسها يمكن توجيهها إلي موائد ودعوات العائلات والاصدقاء بما تشهده من بذخ وفائض من الطعام، وهناك اسر في اشد الحاجة إليه، هذا بخلاف ما يشهده الشهر الكريم من اختناقات في المرور وحوادث مرور قبل الافطارلأن الجميع يلهث في الشوارع للحاق بهذه الدعوات، بل ان البعض تصلهم اكثر من دعوة في اليوم الواحد وبعضها يصعب الاعتذار عنه فيضطرون إلي الذهاب إلي مكانين أو ثلاثة بعد ان تحولت هذه الدعوات إلي بيزنس وبروتوكول بكل ما يتبع هذا الجري واللهاث من مكان إلي مكان لارضاء اصحاب الدعوات! علي رجال الدين ان يقوموا بدورهم في التوعية وفي اعادة شهرالصوم إلي طبيعته وإلي المطلوب منه، ولتكن هذه بداية لترسيخ عادات وسلوكيات استهلاكية علينا ان نتعايش معها طوال العام. كنا نتمني ان تشمل دعوة التقشف المسلسلات والبرامج التليفزيونية والاذاعية وكل الضجيج الاعلامي المصاحب لشهر الصوم، وهذا الحشد الذي لا يمكن ان تتابعه أي قدرة علي المتابعة، فكل القنوات ترفع شعار من »الافطار إلي السحور« وكل القنوات تعد المشاهدين بانهم لا يستطيعون التحول عنها إلي غيرها! هذا الصراع علي ليل المشاهد ليس من أجل سواد عيونه ولكن من المؤكد انه من اجل كعكة الاعلانات ومن الواضح ان هذه الكعكة ضخمة وتستحق التنافس لدرجة ان القنوات لم تكتف بدعوات المشاهدة والاعلان عن الفقرات الرمضانية قبل شهر من حلول شهر رمضان عبر شاشاتها فقط فسعت من باب الاحتياط إلي نشر صفحات اعلانية في معظم الصحف لاصطياد اي مشاهد شارد، وهذا من جهة يسعدنا كصحفيين لانه يؤكد ان الصحافة المكتوبة مازالت تتمتع بالاهمية والبريق لدرجة ان قنوات مهمة تري في نشر الاعلان عن برامجها في الصحافة المكتوبة امرا ضروريا لانتشارها، لكنه من جهة اخري يحزننا لان هذا الاصرار علي تحديد اقامة المشاهد امام التليفزيون بشكل عام من الافطار إلي السحور يؤثر علي الانتاج الذي يصل إلي درجة الصفر في رمضان، كما ان الالحاح بالاعلانات المليئة بالموائد العامرة يجعل التليفزيون اداة تعطي رسائل مخالفة لدعوة التقشف التي اصبحت ضرورة طوال العام وفي رمضان شهر الصوم بشكل خاص. إلي جانب هذا الاسراف والبذخ في الطعام هبت حرب اعلانية لاهوادة فيها بين الفضائيات والارضية للمسلسلات والبرامج الحوارية..الكل يرد علي الكل.. اعلانات متتالية .. كل ساعة مسلسل جديد! فضائية تؤكد مسلسلات عرض مستمر.. وأخري تؤكد :نعرضها لك في افضل الاوقات واعادات بتنوع اكثر.. فضائية تريد ان تحسمها لصالحها فتؤكد : برامج رمضان كل دول واكثر.. عندنا !! ترد قناة فضائية بكل ثقة معلنة للمشاهدين: احنا سيبنا علامة في بيتك حصريا!! ثم تصل إلي اجرأ قناة في رمضان علي صفحاتها بكل شفافية : السيرة الذاتية للمذيعين!! وفي مواجهة الحصرية.. يرد التليفزيون المصري علي الجميع. مفيش حاجة حصري كله التليفزيون المصري!! كم رهيب من المسلسلات والبرامج يحتاج الي اجازة بدون مرتب لكي نستطيع متابعة 05٪ من كل هذا الكم من الانتاج التليفزيوني والاذاعي.. *الأخبار