نفس المشهد يتكرر مرة أخرى بإيران، لكن هذه المرة الثورة من الداخل، الأولى كانت الثورة ضد الشاه، أما الثانية على حكم الفقيه، الأولى كانت ثورة ملفحة بسواد الزى الرسمى للفقيه، والثانية ثورة خضراء.. اللون الذى اختاره الإصلاحيون رمزاً لهم، الأولى قام بها الخومينى، الثانية تحركها حفيدة الخومينى زهرة اشراقى، ولكن فى الاتجاه المُعاكس، فالخومينى قاد الثورة إلى حكم الفقيه، وزهرة تقودها ضد الفقيه. فما يحدث الآن فى إيران يكشف أن هناك انقساماً داخل مؤسسة الثورة وجيلها الأول، وتتعدى خريطة الانقسام الإصلاحيين والمحافظين، فهناك عدد لا بأس به من رجال الدين. والمتشددون يميلون لفكرة ادخال ولاية الفقيه تحت عباءة الدستور، وهناك من يريد أن تظل السيطرة للفقيه ومجلس صيانة الدستور الذى يعينه بشكل مباشر أو غير مباشر المرشد الأعلى. كما لم يعد من السهل التكهن بالوضع المستقبلى فى إيران بعد انهيار فكرة الديمقراطية الإسلامية، واعتقال زهرة اشراقى وزوجها رضا خاتمى وأكثر من 100 قيادة اصلاحية وتحديد إقامة منافس نجاد، مير حسين موسوى، فالغالبية العظمى من الإيرانيين طبقاً لكل استطلاعات الرأى والتقارير الصحفية مقتنعون تماماً أن نتيجة الانتخابات الرئاسية تم التلاعب بها، ويشعرون بالإحباط، وخرجوا فى أكبر احتجاجات تشهدها إيران منذ عقدين، ووضعوا النظام الإيرانى كله فى حرج خاصة بعد القسوة التى استخدمتها الشرطة الإيرانية والمليشيا الإسلامية، ومازالت أصوات الاحتجاج تنادى.." يسقط الديكتاتور" من فوق أسطح المنازل التى اعتلاها الإيرانيون تجنباً للصدام. واضطر مير حسين موسوى إلى إلغاء التظاهرة الكبرى التى دعا إليها احتجاجاً على نتيجة الإنتخابات، فالرجل كان يراهن على كثافة التصويت وهو ما حدث بالفعل فلم يكن يتوقع أن يخسر، كما أن أنصاره لا يعتقدون أنه خسر ومقتنعون تماماً بتزوير النتيجة لصالح نجاد. والألاف التى تملأ شوارع طهران الآن ولم تستجب لموسوى، لم تخرج من أجل شخص موسوى، لكنهم خرجوا من أجل إجبار الفقيه ومجلس صيانة الدستور على احترام إرادتهم فى التغيير. كما إنها اجبرت المرشد الأعلى على خامنئى على التراجع عن تهنئته لنجاد واعتبار فوزه يوم عيد، مطالباً موسوى باللجوء إلى الطرق القانونية، بالإضافة إلى طلبه من مجلس صيانة الدستور التحقيق فى نتائج الانتخابات. وكشفت تقارير حكومية أن موسوى حصل على 21 مليون صوت من إجمالى 37 مليون صوت ذهبوا لصناديق الإنتخابات،كما قالت مصادر.." إن النتائج التى تم الإعلان عنها بالارقام التى حصدها أحمدى نجاد معدة مسبقا"... إتهمت مصادر حكومية وزارة الداخلية الإيرانية بتزوير النتائج عبر استخدام برامج كمبيوتر لتبدو النتائج متماشية مع الواقع، على الرغم من أن مصادر فى الوزارة نفسها أبلغت موسوى أن كل المؤشرات تشير الى فوزه. وقد حذر موسوى فى رسالة الي أيه الله على خامنئى من نتائج تدخلات قادة محافظين من الحرس الثورى وقوات المتطوعين "الباسيج" وقيادات سياسية، حتى وزارة الداخلية الإيرانية وهى الجهة التى من المفترض أن تكون الأكثر حيادية فى الإنتخابات. لم يقتصر أمرالتشكيك فى نتيجة الإنتخابات الرئاسية الإيرانية على التيار الإصلاحى فقط، بل شمل المحافظين أيضا، فقد تقدم محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني بطعن على نتيجة الإنتخابات طبقاً لإعلان مجلس صيانة الدستور الجهة التى تعتمد نتيجة الإنتخابات، و رضائى من المحسوبين على التيار المحافظ، كما إنها ليست المرة الأولى التى يتم فيها التشكيك فى نتيجة الإنتخابات الرئاسية حيث تم التشكيك أيضاً فى نجاح أحمدى نجاد فى دورته الأولى من المحافظين والإصلاحيين. ويرى المحللون أن الاحتجاجات فى إيران تتعدى الإتهام بالتلاعب بنتيجة الانتخابات، فالثورة الإسلامية كانت ضد الشاه الذى عَطل المؤسسات والقوانين وانفرد بالحكم، ويثورون الآن ضد الفقيه الذى بنى النظام بأكمله له ولحكمه ويملك كل الصلاحيات، الثورة يقودها الشباب ..القوة الأساسية والمحركة للأحداث داخل إيران، هو نفسه الشباب الذى أتى بنجاد، ويثور عليه الآن بعد أن شعر بالإحباط نتيجة الحالة الاقتصادية والفقر والقهر الإجتماعى والطموح الذى لا يرى النور. ويقول المهتمون بالشأن الايراني ان مشاركة زهرة اشراقى أبرز نساء عائلة الخومينى وحفيدته، والتى تطالب دائماً بحقوق المرأة واطلاق الحريات خير دليل على قيام ثورة من داخل النظام فى ايران. وزهرة هى أيضاً شقيقة على اشراقى الذى رُشِح من قبل لرئاسة البرلمان الإيرانى، وهى التى هددت المحافظين بفتح ملفاتهم السوداء أمام العالم عندما حاولوا الصاق التهم لشقيقها، كما إنها زوجة محمد رضا خاتمى شقيق الرئيس الأسبق محمد خاتمى. الأزمة كما يصفها المحللون أن نجاد ايضاً له أنصاره، وهو ما يعنى أن حتى القيادات الأولى للثورة الخمانية منقسمة على نفسها، لذلك أصبح الوضع خطيراً جداً، ولا أحد يستطيع التكهن به، لكن الجميع اتفق أن إيران لم تعد كما كانت، وأن الثورة الخضراء التى تقودها أحد أجنحتها حفيدة الخومينى.... قادمة... قادمة.