الجمهورية : 26/5/2009 توالت علينا الأزمات الاقتصادية وتفاقمت حتي أفرزت لنا ظواهر اجتماعية غريبة علي مجتمعنا .. ولعل أخطر هذه الظواهر .. ظاهرة القتل السهل التي تطالعنا بها صفحات الحوادث يوميا.. ولعل ما ينشر أقل بكثير مما لاينشر من هذه الحوادث البشعة غير المبررة.. هذه الظاهرة تحتاج إلي اهتمام من الأجهزة المختصة للوقوف علي الأسباب التي أدت إلي تفشيها والعمل علي إزالة أسبابها. هل يعقل أن يقوم شخص بقتل زوجته وأسرتها لمجرد انها خلعته لاستحالة العشرة بينهما؟؟ .. وهل يعقل أن يقوم شاب بذبح طفلي خاله لخلاف لا يرقي حتي لمجرد العقاب وليس إلي استخدام العنف.. أو آخر دخل ليسرق وعندما وجد فتاتين ذبحهما ومزق جسديهما.. وغير ذلك من الحوادث التي نشرت حول سهولة القتل لأتفه الأسباب. لقد حرّمت الأديان السماوية القتل واتفقت علي أن النفس البشرية معصومة.. وشدد الإسلام علي تحريم أي عملية قتل غير مبررة. وذلك لقدسية حق الحياة الذي هو أقدس الحقوق علي الاطلاق.. فالحياة هي أثمن ما وهبه الله للإنسان وبدون الحياة لا قيمة لأي حق آخر.. وقد غلّظ الله عقوبة القاتل وحرّم القتل إلا بشرطين هما: أن يكون دفعا للقتل أو جزاء عليه. وأن يكون منعا للإفساد في الأرض.. وما عدا ذلك فالقتل حرام وهو من أكبر الكبائر حيث يأتي بعد الشرك بالله في التحريم.. لأن الله وحده واهب الحياة وليس لأحد أن يزهقها. يقول تعالي "في سورة المائدة الآية 32": "من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون". ويقول تعالي "في سورة النساء الآية 93": "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما". ويقول تعالي "في سورة الإسراء الآية 33": "ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا" صدق الله العظيم. وهناك كثير من الآيات التي جاء بها القرآن الكريم ليشدد علي تحريم القتل وإزهاق النفس البشرية.. وأيضا من الأحاديث النبوية الشريفة التي قالها الرسول الكريم في تحريم القتل.. يقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما". ويقول صلي الله عليه وسلم: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار". وقال صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع: "أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد" صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وآيات وأحاديث أخري كثيرة تشدد علي تحريم القتل وسفك الدماء.. بخلاف القوانين الوضعية التي تجرم القتل وتنزل أقصي العقوبات علي مرتكبيه.. ومع كل هذا نجد أن القتل أصبح سهلا.. وكأن من يرتكبه يذبح دجاجة. هل سهولة القتل ناتجة عن الظروف الاقتصادية الصعبة جدا من بطالة وغلاء وشح الموارد وازدياد رقعة الفقر.. أم انها ناتجة عن عوامل أخلاقية كاختفاء الوازع الديني وضياع المثل العليا وانهيار أدوات ومؤسسات التربية وقلة الوعي الأخلاقي وكل ذلك يؤدي إلي أمراض نفسية تدفع إلي ارتكاب كل الجرائم بما في ذلك القتل السهل. إن عملية القتل أصبحت مرضا وليس عرضا وباتت ظاهرة يجب مواجهتها بدلاً من تجاهلها بحجة انها حوادث فردية.. إنها ليست فردية لأن معظم من لا يجد قوت يومه يسهل عليه ارتكاب أي شيء حتي القتل.. وحيثما يظهر الجوع يسهل القتل. وأقول لكافة الجهات وعلي رأسها حكومتنا.. عالجوا هذه المشكلة الاقتصادية الاجتماعية الأمنية الأخلاقية قبل أن تتفشي بين الشباب العاطل والأفواه الجائعة والنفوس المريضة.