كوريا الشمالية: أمريكا لا تستطيع هزيمة الجيش الروسي    يعيش في قلق وضغط.. هل تُصدر المحكمة الجنائية مذكرة باعتقال نتنياهو؟    مواعيد مباريات اليوم لمجموعة الصعود ببطولة دوري المحترفين    ما المحظورات التي وضعتها "التعليم" لطلاب الثانوية خلال الامتحانات؟    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الإثنين 29 أبريل 2024    صحف السعودية| مطار الملك خالد الدولي يعلن تعطل طائرة وخروجها عن مسارها.. وبن فرحان يترأس اجتماع اللجنة الوزارية العربية بشأن غزة    انخفاض جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 في المصانع والأسواق    أمير هشام: تصرف مصطفى شلبي أمام دريمز الغاني ساذج وحركته سيئة    المندوه: كان يمكننا إضافة أكثر من 3 أهداف أمام دريمز.. ولماذا يتم انتقاد شيكابالا بإستمرار؟    مواعيد مباريات برشلونة المتبقية في الدوري الإسباني 2023-2024    ميدو: هذا المهاجم أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    عيار 21 يتراجع الآن لأدنى مستوياته.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم في الصاغة    «أمطار رعدية وتقلبات جوية».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الإثنين في مصر    بعد وفاة والدتها.. رانيا فريد شوقي فى زيارة للسيدة نفسية    مصنعو السيارات: الاتحاد الأوروبي بحاجة لمزيد من محطات شحن المركبات الكهربائية    إصابة 13 شخصا بحالة اختناق بعد استنشاق غاز الكلور في قنا    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    أسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة.. روجينا تنعى المخرج عصام الشماع    مجتمع رقمي شامل.. نواب الشعب يكشفون أهمية مركز الحوسبة السحابية    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    خالد الغندور يوجه انتقادات حادة ل محمد عبد المنعم ومصطفى شلبي (فيديو)    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    رابطة العالم الإسلامي تعرب عن بالغ قلقها جراء تصاعد التوتر في منطقة الفاشر شمال دارفور    «مسلم»: إسرائيل تسودها الصراعات الداخلية.. وهناك توافق فلسطيني لحل الأزمة    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    شقيقة الفلسطيني باسم خندقجي ل«الوطن»: أخي تعرض للتعذيب بعد ترشحه لجائزة البوكر    سامي مغاوري عن صلاح السعدني: «فنان موسوعي واستفدت من أفكاره»    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    التهديد الإرهابي العالمي 2024.. داعش يتراجع.. واليمين المتطرف يهدد أمريكا وأوروبا    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    تحرك عاجل من الخطيب ضد السولية والشحات.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    فيديو.. سامي مغاوري: أنا اتظلمت.. وجلينا مأخدش حقه    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    أيمن يونس يشيد بتأهل الأهلي والزمالك.. ويحذر من صناع الفتن    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أين جاء كل هذا العنف؟
نشر في القاهرة يوم 13 - 07 - 2010

من أين جاء كل هذا العنف؟ سؤال فرض نفسه علي المصريين وهم يتابعون أنباء مذبحة جديدة"مجانية" أي ليس لها مايبررها، ارتكبها رجل في خريف العمر ضد زملائه من العاملين في شركة المقاولين العرب، فقتل 8 وأصاب 18شخصا بين الحياة والموت أما المبرر فهو أن أحد الزملاء سخر منه حين أبلغه أنه يحفر في منزله بحثا عن كنز أثري.
قبلها وقعت جرائم عنف بالجملة، احتار العلماء في تفسير أسبابها، وبعدها اقتحم العنف البيت المصري فصار الأبناء يقتلون الآباء وصارت النساء أكثر قسوة في ممارسة أنواع من الجريمة لم تكن معهودة ولا معروفة في قاموس العلاقة بين الرجل والمرأة تحت سقف واحد.
ماذا يجري في برمصر؟ أين التسامح في شعب "متدين" يعيش علي نهر النيل؟
14حالة انتحار يوميا بين المراهقين في مصر و900 حكم بالإعدام في عام
تجيب تقارير حديثة حول العنف في مصر، بأن 60% من جرائم القتل في مصر تقع في نطاق الأسرة، وقد سجلت نسبة إحصائية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر أن 87% من مرتكبي جرائم العنف الأسري ضد الأطفال والنساء هم من المتزوجين، في مقابل 13 % من غير المتزوجين وان الذكور يشكلون أغلبية مرتكبي جرائم العنف الأسري بنسبة 78 % بينما الإناث 22%، والأكثر من ذلك أن 88% من أفراد الأسر المصرية تعاني العنف الداخلي، أشهر أبطاله الأب والزوج، أما أكبر ضحاياه فالزوجة والابنة. وحسب بحث تم إجراؤه بالجامعة الأمريكية فإن 85% من النساء تعرضن للتحرش مرة علي الأقل سواء تحرش جنسي أو لفظي ويتم في وسائل النقل العام والطرقات والمدارس، وقال إن أكثر النساء اللاتي تعرضن للتحرش هن من المنتقبات، فلم تصبح الملابس المثيرة هي السبب في التحرش.
وهو مؤشر يعتبره الخبراء علامة خطرة تتطلب وقفة لمعرفة المحرك الحقيقي لهذه الظواهر المفزعة، وهل هي الوراثة أم البيئة أم الظروف السياسية والاقتصادية الخانقة؟ علما بأن البعض يضفي علي الظاهرة أبعادا ثقافية منها انتشار أفلام العنف والجريمة عبر الفضائيات وكذلك صحافة الحوادث التي تباع بأسعار زهيدة في وسائل النقل العامة ومنها المترو والأتوبيسات.
الوعي والموضوعية
وظاهرة العنف شأنها شأن غيرها من الظواهر الاجتماعية التي تحتاج إلي معرفة حجمها الحقيقي والوعي بالعوامل الموضوعية لفهم الظاهرة وتحليلها، وكذلك الوعي بنمط الحياة المعيشية حتي يمكن تحليل الظاهرة من سياقها المجتمعي للوقوف علي مسار تطورها، والكشف عن أسبابها حتي يتسني العمل علي الحد من انتشارها،لاسيما وان هناك من يري وجود مبالغات في تحليل الظاهرة،وان معدلات جرائم القتل في مصر اقل من معدلاتها العالمية وكذلك جرائم الانتحار وقال الدكتور سمير نعيم وهو خبير اجتماعي مصري وعميد كلية آداب بجامعة القاهرة الأسبق انه رغم زيادة عدد جرائم القتل في مصر حسب المعلن في الصحف ووسائل الإعلام، إلا أن نسبتها تعتبر ضئيلة جدا حيث تبلغ 0.59 لكل 100 ألف شخص، وبالتالي ليست مقلقة، لافتا إلي أن هناك ما تثير القلق وبشدة وهي أن جرائم القتل أصبحت تتسم بالعنف والوحشية، وأصبح مرتكبوها ينتمون لجميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها تزيد في داخل الأسرة.
وأرجع الدكتور سمير نعيم خلال منتدي شركاء التنمية "عن تغير أنماط الجريمة في مصر" هذه التغيرات الكبيرة في أنماط الجريمة وتوحشها إلي تزايد العولمة وزيادة حدة الفجوة بين الفقراء والأغنياء سواء علي مستوي العالم أو علي المستوي المحلي، مما أدي إلي توجه الأفراد لقيم استهلاكية علاوة علي مايلاحظ من تدهور في التعليم واختفاء التربية الأسرية السليمة، أما د.مصطفي رجب أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية التربية بسوهاج سابقاً، قال إن معدلات العنف تزداد في المجتمع المصري والدليل زيادة أحكام الإعدام الصادرة هذا العام إلي 900 حكم، وهذا رقم خطير يدل علي غياب روح السماحة، وأضاف:لو نظرنا إلي كل هذه الحوادث نري أن دوافعها مادية يقوم بها إما أشخاص أرادوا أخذ حقوقهم بطريقة بشعة، وإما أناس أرادوا أن يسرقوا أو ينتقموا، وهذا الواقع يؤكد تنامي ظاهرة العنف الجماعي الذي يعد أخطر أنواع العنف علي المجتمع.
الأرقام التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مفزعة ومقلقة ويكفي أن هناك 104 آلاف محاولة انتحار بين بنات وشباب مصر خلال عام وأغلبهم من الشباب في المرحلة العمرية من 15 إلي 25 عامًا بنسبة تقدر ب 66.6%، والمفزع حقاً في هذه الإحصائية ان هذا الشباب وهذه الأعمار ليس من المفترض علي الإطلاق أن يتجه تفكيرهم لإنهاء حياتهم بل علي العكس يجب أن يتجه الي كيفية تكوين مستقبلهم، ومما يؤكد تعاظم وانتشار الظاهرة انه منذ أربع سنوات فقط وتحديداً عام 2005 شهدت مصر 1160 حالة انتحار إلا انه ارتفع إلي 2355 في 2006، ثم واصل ارتفاعه إلي 3700 حالة في 2007، ليصل إلي 4200 في 2008 ثم يكسر حاجز الخمسة آلاف منتحر في عام 2009 بمتوسط 14 حالة انتحار في مصر يومياً لنقارب أعلي معدلات الانتحار عالمياً والتي تحتكرها الدول الإسكندنافية ولكن الفارق أنهم هناك ينتحرون جراء الرفاهية المطلقة ونحن ننتحر هنا جراء الفقر المدقع والبطالة والغلاء الفاحش، وشملت الدراسة الأدوات المستخدمة في محاولات الانتحار منها المبيدات الحشرية أو الأدوية والأقراص المخدرة وأكدت أن 66 ألفا من الفتيات والشباب الذين حاولوا الانتحار استخدموا هذه المواد كما أن 98% من المنتحرين يعانون أمراضا نفسية أو عضوية، في حين أن 2% منهم لا يعانون أي مرض وقد انتحروا مختارين. علما بأن ظاهرة الانتحار تشكل 6.3 في المائة من إجمالي الضحايا بين المراهقين في العالم،وقد تغيرت شرائح الانتحار عمريا ففي النصف الأول من القرن العشرين كان 505من المنتحرين يقعون فوق الخمسين بينما تغيرت الشرائح لمصلحة المراهقين الذين صاروا أكثر إقبالا علي الانتحار في العقد الأول من القرن العشرين حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.
عنف ضد النساء
وقال بحث ميداني أجراه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية علي عينة بلغت 1261 امرأة من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية: "إن الزوجة هي أكثر الأطراف الأسرية تعرضا للعنف (61%) تليها الابنة (25%) ثم الابن (9%)، وإن الزوج أو الأب هو أكثر من يمارس العنف داخل الأسرة (40% و 33% علي التوالي) يليها بفارق كبير أهل الزوج 8 % ثم أهل الزوجة 7 %".
أما الأطراف التي وقع منها العنف علي نساء البحث فجاء الزوج علي رأس القائمة (55 %) من حالات النساء المعنفات، يليه الأب 30% في استجابات النساء غير المتزوجات، ثم الأخ 12 % ثم بدرجة أقل أهل الزوج ثم الأم والابن وأطراف من الأسرة.
ومن خلال تحليل أشكال العنف التي وقعت علي 79 % من النساء المشاركات بالبحث وجدت الباحثات أن الإهابة ثم الضرب ثم الحرمان من الخروج ثم التجاهل ثم الحرمان من المصروف كانت أكثر أشكال العنف شيوعا بهذا الترتيب، علي حين جاء الحرمان من التعليم وتعدد الزوجات والطلاق الغيابي في أسفل القائمة كأقل أشكال العنف شيوعا في تلك العينة.
ما أسباب العنف؟
أولا: استمرار الأزمة الاقتصادية المحلية مرتبطة بالأزمات العالمية مما أدي إلي حدوث نوع من الانفلات الاجتماعي رصده التقرير السنوي الخامس للمجلس القومي لحقوق الإنسان الصادر2009 الذي اعتبر أن الهموم المعيشية تمثل للمجتمع المصري حساً حقيقياً لا يقل وطأة عن مخالفات وانتهاكات حقوقه المدنية السياسية وكشف التقرير الرسمي أن المعاناة الاقتصادية والاجتماعية تشكل أكثرية الشكاوي التي تلقاها المجلس خلال العام الماضي بنسبة تتجاوز 70 في المائة، بينما كانت الشكاوي من مخالفات لحقوق الإنسان المدنية والسياسية بنسبة 9.1%
أشار التقرير أن العام 2008 تميز بانتشار عدد من الظواهر السلبية الجديدة، أبرزها الانفلات السلوكي في الشارع المصري، وما صاحبه من تزايد حالات التحرش الجنسي الفردي والجماعي علي نحو لا سابق له، وزيادة حدة العنف المصاحب لجرائم القتل والشروع فيه «علي نحو غير مألوف في تاريخنا القديم والحديث». وانتقد التقرير استمرار حالة الطوارئ وغلبة الهاجس الأمني علي الجانب الحقوقي في مصر.
ثانيا: حدوث نوع من التصدع في جدران الأسرة المصرية، سمح بأن تخترقه أنواع من الجريمة الجديدة،وتري مديرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتورة نجوي الفوال أن التفكك الذي شهدته الأسرة المصرية مؤخرا مسئول عن شيوع العنف بين أفرادها.
وقالت إنه لم تعد هناك وصفة سحرية لمقاومته إلا بالعودة إلي الأسرة، ليبدأ العلاج من داخلها، لأن العنف بدأ ينتشر نتيجة لتراخي الأسرة عن القيام بدورها في التربية، مشيرة إلي أن ذلك النوع من العنف الأسري ربما أخذ شكل الظاهرة العالمية.
ويتفق معها الخبير الاجتماعي في الجريمة الدكتور أحمد المجدوب الذي يري أن التنشئة الاجتماعية الخاطئة مسئولة عن شيوع العنف حيث يتعلم الأولاد منذ الصغر أسلوب العنف داخل الأسرة الي جانب غياب القدوة وتغذية وسائل الإعلام لهذه الظاهرة السلبية.
وقال إن هناك عدة أسباب اجتماعية واقتصادية مثل تراجع العوامل الروحية وتعاظم القيم المادية وانتشار ظاهرة الإدمان التي تعد وراء نسبة كبيرة من الجرائم، ويرجع د. المجدوب تزايد الجرائم داخل إطار نفس الأسرة إلي أنه كلما ازدادت العلاقة مباشرة واستمرارية ازدادت فرص الصدام والتصادم، وأخيراً شدد د. المجدوب علي غياب وافتقاد المؤسسات الدينية التي لم تعد تمارس دورها خوفاً من فتح باب الحوار والتطرق لما هو أبعد من المشكلات الاجتماعية بمعني آخر الدخول في المحظور.
الأنانية والطمع
من ناحيته أرجع أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة القاهرة الدكتور سعيد عبدالعظيم أسباب العنف داخل الأسرة المصرية إلي أسباب خاصة بالصراع علي الميراث أو لخلاف مادي أو بسبب الحقد والضغينة بين أفراد الأسرة الواحدة، وقال إن بعضها يرجع لمرض نفسي لدي أحد أفراد الأسرة.
أما السبب الثالث فله علاقة بالصحة النفسية للمجتمع المصري وهنا يقول الدكتور عادل صادق إن غالبية الشعب المصري يفتقرون إلي مناهج علمية للصحة النفسية وهناك فرق بين الصحة النفسية التي تلاحظها في تفاؤل الناس وإقبالهم علي الحياة وبين حالة الحزن واللاسعادة التي تسيطر علي وجوه المصريين غير أن الأمراض النفسية موضوع مختلف تماما.
فيما اعتبر أستاذ الطب النفسي بقصر العيني الدكتور يسري عبدالمحسن تصاعد العنف وتنوع أشكاله ودخول فئات جديدة إليه إشارة إلي وجود خلل جسيم في التكوين النفسي وشخصية مرتكبه، خاصة عندما تكون الجريمة من النوع البشع، وأشار إلي جريمة الرجل الذي قتل كل أفراد أسرته أو الأم التي قامت بخنق مولودتها، وقال إن هذا العنف لم يأت من فراغ وإنما جاء محصلة تراكمات تربوية بها سلسلة من الأخطاء الكبيرة نتيجة للخلل في التكوين الأسري وفي العلاقة بين أفراد الأسرة.
أضاف الدكتور عبدالمحسن سببا آخر إلي التفكك الأسري وإهمال البناء المعنوي والكيان العاطفي والأخلاقي للأسرة وهو تزايد العنف في المجتمع نتيجة للفراغ وانتشار البطالة وتراجع دور المؤسسات الدينية. لاسيما وان لدي الشعب المصري كمًا هائلاً من الإحباط علي مستويات متعددة ترتبط إلي حد بعيد بنوع من التلوث السمعي والبصري والأخلاقي، والمتمثل في الضوضاء والصخب والقاذورات والأخلاقيات المتدنية في الشوارع والميادين والدواوين مما يخالف الطبيعة الهادئة والنقية التي اعتادها الشعب المصري في مراحل سابقة من تاريخه.
دم علي شاشة الفضائيات
من ناحية رابعة تلعب وسائل الإعلام دوراً أساسياً في ترسيخ مفهوم العنف حتي يسير العنف والجنس كخطين متوازيين في معظم أعمالنا الدرامية،حيث يعطي للبطل الحق في أن يكون خصماً وحكماً في نفس الوقت يسعي للحصول علي حقه بيده حتي لو قتل أو سرق في سبيل ذلك، كما أن اختيار أبطال تلك الأعمال الدرامية ممن يتسمون بخفة الظل واللطف والوسامة يعطي للشباب نموذجاً محبباً للعنف يسعون فيما بعد للاقتداء به حينما تواتيهم الفرصة.
وفي دراسة للدكتور حمدي حسن أبو العينين بعنوان(العنف والفوضي في الإعلام المصري) أشار إلي تورط المحطات الفضائية الخاصة في عرض برامج وأخبار العنف والدم، وقد عرضت بعض القنوات الخاصة كيف ذبح جزار شابين مصريين ذبح الشاه، وشاهد الناس الدماء تتدفق من الضحيتين فيما كان المارة في الشارع غير مكترثين لما يقع. وعلي شاشات التليفزيون أيضا قتل خمسة أشقاء شابا ومثلوا بجثته وسحلوه في الشارع، وعلي شاشات التليفزيون أيضا لقيت جريمة مقتل الشاب المصري في لبنان اهتماما يفصل بالصور مراحل الهمجية في القتل والانتقام، ولقي قتيل في الإسكندرية من التليفزيون اهتماما يحكي بالصورة كيف تم التمثيل بجثته، ومن قبل هؤلاء جميعا عرفنا من التليفزيون كيف قتلت سوزان تميم بالتفصيل ورأينا صورها وهي مقتولة، وأبدعت قنوات التليفزيون في استعادة تصوير مسرح جريمة اغتيال الفتاتين هبة ونادين.
وحينما تضيف قنواتنا الفضائية هذا العنف الواقعي إلي قائمة أخري من أحداث العنف الحقيقية التي نتعرض لها في ساعات المساء عبر نشرات الأخبار، حيث تنتشر الدماء وتتناثر الأشلاء في الحروب والكوارث الطبيعية، وحين تأتي برامج المصارعة بالكثير من العنف والدماء، وتلاحقنا السينما بالمزيد من أعمال العنف والجريمة، فإن السؤال الذي يبقي بلا إجابة هو كيف يمكن لأي شخص يتعرض لهذا الكم من العنف أن يبقي علي القليل من الاحترام للحياة الإنسانية، ويبدو أننا بهذا العبث الإعلامي قد دخلنا دائرة جهنمية لن ينجو منها أحد. فنحن نصنع في أذهان الناس واقعا مريضا سوف ينتج أناسا أشد مرضا ليصنعوا الواقع الأسوأ وهكذا.
وفي كتاب" جرائم الأسرة.. بداية الانهيار!" للمؤلف : فتحي حسين عامر نتوقف عند رأي د. سامية خضر أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع والفلسفة بكلية التربية جامعة عين شمس علي شيوع السلبية بين الآباء والأمهات في الأسر المختلفة والإيمان الشديد بتغير الجيل فيما يسمونه بجيل الإنترنت- أي عالم مختلف لا حدود له ولا قيم وليس لديه موروث يتمسك به بل يضع لنفسه عالما آخر من القيم الدخيلة والألفاظ الغريبة التي باتت تتردد بين الشباب- فيما يسمونه بالروشنة وفي ظل غياب مؤسسة تتصدي لذلك كما أن للإعلام دوراً كبيراً في تفشي العنف فالإعلام يعد آلة موجهة ومعلمه لجميع الأطياف.
غياب ثقافة الحوار
يلفت د.محمد المهدي في كتابه عن أسباب العنف الاجتماعي إلي ظاهرة مهمة هي انسداد قنوات التغيير السلمي والشرعي مما يؤدي إلي علاقة ملتبسة بين المواطن والسلطة، فهو يراها سلطة مستبدة يحمل تجاهها مشاعر الرفض والغضب وفي نفس الوقت يداهنها ويخشاها، وشيئا فشيئا تحدث تشوهات في شخصية المواطن فإما أن ينفجر غضبه في أعمال عنف تجاه السلطة ورموزها، أو يزيح هذا الغضب تجاه غيره من المواطنين فيقهرهم ويعذبهم، أو تجاه زوجته وأبنائه فيحيل حياتهم جحيما أو يحول غضبه إلي عدوان سلبي يظهر في صورة عناد وسلبية ولامبالاة وكسل وتراخ، أو يتحول إلي فهلوي وسيكوباتي يلاعب السلطة ويخادعها ويستفيد من سلبياتها ويتعايش معها.
أما السلطة فإنها تنظر إلي المواطن بتوجس وحذر وتري فيه مخادعا أو متآمرا وبالتالي تحتاج لقانون طوارئ يحكمه ويتحكم في نواياه الخبيثة (في نظرها) التي لا تكفيها القوانين العادية فهو في نظر السلطة ماكر ومخادع ويمكنه الاحتيال علي القوانين واستغلال ثغراتها. ويرصد المهدي أيضا تقلص المساحة الحضارية بسبب الزحام وسوء التوزيع والاختناقات المرورية وتفشي العشوائيات، ومفهوم المساحة الحضارية لدي علماء الاجتماع يعني تلك المساحة المتاحة للفرد كي يتحرك فيها بحرية، ومن خلال التجارب العملية وجد أنه كلما ضاقت هذه المساحة زادت دفعات العنف لدي الأفراد.فضلا عن شيوع وغلبة القيم السلبية مثل الفهلوة والانتهازية والنصب والاحتيال والكذب ومحاولة الكسب السريع بغير جهد أو بأقل جهد، والرشوة والمحسوبية، والظلم الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.