انهت الرئاسة العراقية فصلا طويلا من الجدل حول مصير علي حسن المجيد الذي طالما كان حاضرا في اكثر المجازر دموية سواء كانت في مدن اقليم كردستان او في جنوب العراق او في غزو نظام صدام لدولة لكويت، لتصادق على حكم الاعدام الصادر بحقه وتضع حدا لحياة رجل طالما تلطخت يداه بالدماء. وكانت المحكمة الجنائية العراقية العليا صادقت في ال 24 من يونيو الماضي بالاعدام شنقا على علي حسن المجيد احد ابناء عموم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وذراعه اليمنى. لقب المجيد ب «علي الكيماوي» و«جزار كردستان» اثر ادانته في قضية حملات الانفال التي اسفرت عن مقتل ما لا يقل عن مئة ألف شخص في العام 1988. يتحدر «علي الكيماوي» والبالغ من العمر (66 عاما) من مدينة تكريت وهو من رفاق الدرب الاوائل لصدام ومن اوفى الاوفياء له. وهو متهم بقصف مدينة حلبجة الكردية بأسلحة كيمياوية في 1988 قبل ان يشارك في غزو الكويت في 1990 وقمع الانتفاضة الشيعية بعدها في 1991. كان المجيد الذراع اليمنى لصدام وكان يكلف تنفيذ المهمات ذات الطابع الدموي وطالما اعترف بانه اداة قتل وبدا ذلك واضحا في تصريحه حين سلم امانة مكتب الشمال لحزب البعث المنحل لخلفه انذاك حسن علي العامري في ابريل 1989 قائلا: «لست بالشخص المناسب ولن اكون مناسبا للظروف السائدة في الشمال، فالرفيق حسن علي شخص مناسب لظروف السلام والاستقرار السائدة»، مقرا بانه لا يصلح ان يكون رجل سلام. وكان سبق ان عين في العام 1987 مسؤولا عن حزب البعث في منطقة كردستان العراق وسيطر على الشرطة والجيش والميليشيات في هذه المنطقة. وبعد شهرين من توليه هذا المنصب قام الجيش العراقي بعملية اخلاء واسعة لمناطق عدة في كردستان اذ اقتيد سكان وماشيتهم بالقوة الى مناطق صحراوية متاخمة للحدود الاردنية والسعودية اي بعيدا عن مناطق تواجد الاكراد. وشكل ذلك بداية لسياسة «الارض المحروقة» التي اعتمدت في كردستان وتعززت بعد ان دعم الاكراد حملة «نصر 4» التي شنتها ايران على العراق في يونيو 1987. في 17 و18 مارس 1988 قصفت مدينة حلبجة الكردية (70 الف نسمة) بالقنابل الغازية (الكيمياوية) في عملية قادها «علي الكيماوي» الذي اطلقت عليه هذه التسمية نسبة الى العملية المذكورة. وتتراوح التقديرات الكردية لاعداد القتلى بين اربعة وسبعة الاف في هذه العملية بينهم نساء واطفال في حين اكد تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» ان اعداد الذين قضوا في حملات القمع التي قادها المجيد يتراوح بين 50 ومئة الف شخص. ولايزال الكشف عن تسجيل صوتي له وهو يعترف بسعيه لاستخدام السلاح الكيمياوي لابادة الكرد في شمال البلاد «مدويا». فقد قال المجيد في ذلك التسجيل في 26 مايو 1988 في اجتماعه مع قادته العسكريين «طلب مني جلال طالباني ان افتح معه قناة خاصة للاتصال وفي ذلك المساء ذهبت الى السليمانية وضربتهم باسلحة ومعدات خاصة»، وكان يقصد هنا الاسلحة الكيمياوية. ثم استطرد: «حتى لو توقفت الحرب مع ايران وانسحب الايرانيون من جميع المناطق التي احتلوها فأنا لا أتفاوض معه (طالباني) ولا اوقف التهجير». وزاد: «سننتهي من التهجير ونبدأ بمهاجمتهم من كل الجهات وندك معاقلهم وخنادقهم حسب خطة عسكرية منظمة... واذا استطعنا استعادة ثلثي تلك المناطق حينذاك سنطوقهم في جيوب صغيرة ثم نضربهم بالاسلحة الكيمياوية». واضاف «انا لا اضربهم بالكيمياوي ليوم واحد فقط بل سأضربهم باستمرار بالاسلحة الكيمياوية على مدى خمسة عشر يوما... انا لا اذكر اسم الاسلحة الكيمياوية لان ذلك محظورا لكنني اقول سأفتك بكم بالاسلحة القاتلة الحديثة»، ليرتبط اسم علي حسن المجيد بلقب «الكيمياوي». وقال المدير التنفيذي ل «هيومن رايتس» كينيت روث، ان المجيد «تورط في اسوأ الجرائم التي ارتكبت في العراق بما في ذلك الابادة الجماعية» وطالبت المنظمة بتوقيف هذا الرجل ومحاكمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم بحق الانسانية. وفي اغسطس 1990 عين «حاكما» للكويت تحت الاحتلال العراقي حيث عمد الى اخماد جميع جيوب المقاومة قبل ان يعود ليشغل منصبه مجددا كوزير للشؤون المحلية في مارس 1991. وفي مارس 1991 لعب المجيد دورا اساسيا في قمع التمرد الشيعي في جنوب البلاد الذي يطلق عليه الشيعة تسمية «الانتفاضة الشعبانية». وسعيا منه لاثبات الولاء الذي لا لبس فيه والطاعة العمياء، قرر علي حسن المجيد شخصيا الانتقام من صهر صدام الذي فر الى الاردن مع شقيقه وعائلاتهما العام 1995 وقتلهما بيده فور عودتهما الى بغداد في فبراير 1996 بعد العفو عنهما وقتل المجيد حسين كامل وشقيقه صدام وهما ابنا احد اشقائه «غسلا للعار» فيما وصفته الصحف العراقية انذاك بانه «الصولة الجهادية». وعين «علي الكيماوي» وهو عضو «مجلس قيادة الثورة» اعلى هيئة حاكمة في عهد صدام مسؤولا عن المنطقة العسكرية الجنوبية لمواجهة الاجتياح الاميركي - البريطاني الذي بدأ في 20 مارس 2003. وفي يناير 2003 توجه المجيد الى دمشق ومنها الى بيروت في اطار جولة على الدول العربية لشرح الموقف العراقي بعد شهر ونصف الشهر من بداية مهمة مفتشي الاممالمتحدة المكلفين التحقق من عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق وكانت تلك زيارته الاولى خارج العراق منذ 1988. بيد ان جولته واجهت صعابا كثيرة فقد اخبر المسؤولون المصريون الحكومة العراقية بانهم لن يرحبوا به في القاهرة كما رفض الاردن استقباله وطالب رئيس منظمة حقوق الانسان الدولية باعتقاله ومحاكمته ليعود ادراجه الى العراق. واعلن التحالف الاميركي - البريطاني في السابع من ابريل عام 2003 ان «الكيماوي» قتل في قصف على مدينة البصرة (جنوب البلاد) لكن وزير الدفاع الاميركي انذاك دونالد رامسفيلد عاد واعلن في يونيو العام ذاته ان الرجل «لا يزال على قيد الحياة» وانه اعتقل في احدى القرى في جنوب سامراء في 21 اغسطس من العام 2003.