يبدو أن المثل القديم الذي يقول "ما طار طير وارتفع الا كما طار وقع" قد تحقق في سوق النفط خلال الاسبوع الثاني من يوليو/ تموز 2008، حيث تسبب تراجع الطلب في انخفاض السعر أكثر من 15 دولارا غير أن العوامل التي تقيد الامدادات علي المدى البعيد قد تحافظ علي حماس المستثمرين لضخ مزيدا من الاستثمارات بالسوق. ويقول من يتوقعون صعود الاسعار، ان الارتفاع القياسي الذي وصل اثره الخام الى أعلى من 147 دولارا للبرميل في مطلع يوليو يفتح الطريق لجلب امدادات جديدة للسوق. وفي المقابل يذهب اخرون الي أن الاسعار التي انخفضت دون 130 دولارا للبرميل الخميس 17 يوليو/ تموز 2008، قد بلغت مستوى من شأنه التأثير بدرجة ملحوظة علي الطلب. وهو ما اتضح علي لسان ريتشارد باتي من مؤسسة ستاندرد لايف انفستمنتس، عندما قال أن زيادة اسعار الخام بنسبة 100% في عام غير قابلة للاستمرار في المستقبل، لافتا الي أن النفط الرخيص بات شيئا من التراث. وتوقع جولدمان ساكس، وهو أحد أنشط بنوك الاستثمار في أسواق السلع الاولية، امكانية وصول الاسعار الى 200 دولار للبرميل، بينما يؤكد خبراء ان الاسعار لن تنزل مطلقا عن 100 دولار للبرميل. يذكر، أن غلاء الخام إمتد الي كافة مناحي الاقتصاد، فيقول راث ستروبيانا الخبير لدى مؤسسة التصنيف الائتماني موديز، أن غلاء الطاقة تسبب في تآكل القوى الشرائية للاسر ودفع تكاليف الانتاج للصعود مما ضغط على تدفق الايرادات وهوامش الربح. وفي سياق متصل، يرى خبراء ان تمحو المخاوف بشأن سلامة الاقتصاد الامريكي والاقتصادات الاوروبية الكبرى بعض الزيادات الناجمة عن المضاربة الموجودة في اسعار أغلب السلع لاسيما النفط، كما انه من غير المتوقع خروج مستثمرين مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين الذين يميلون للشراء طويل الاجل من السوق بشكل جماعي. وزاد نصيب هذه المؤسسات في مؤشرات مكونة من سلال من السلع خاصة النفط الى ما يقدر بنحو 270 مليار دولار. وبالنسبة لهؤلاء لا تزال السلع الاولية مغرية كوسيلة لاحداث توازن في محافظهم في مواجهة ضعف الدولار الامريكي ونمو التضخم وضعف الاسهم. وبلغة المؤشرات، تحول مؤشر ستاندرد اند بورز 500 الي الهبوط بسبب المضاربة الاربعاء 16 يوليو 2008 فاقدا 20% عن مستوى اغلاقه القياسي المرتفع في اكتوبر/ تشرين الاول من عام 2007. وعلى النقيض من ذلك حقق مؤشر جي.اس.سي.اي للسلع الذي تصدره ستاندرد اند بورز والذي يتأثر كثيرا بالنفط مكاسب بلغت 41.4% في النصف الاول من 2008، وفي الوقت ذاته كان مؤشر ستاندرد اند بورز 500 للاسهم منخفضا بأكثر من 12% بحسب بيانات جمعتها رويترز. وأعرب ايفان سميث من جلوبل انفستورز اِلامريكية، عن اعتقاده أن ضعف أسواق الاسهم قد جذب مستثمرين يفضلون الاستثمار طويل الاجل الى سوق النفط الاجلة، غير أن المضاربين للاجل القصير قد يغادرون السوق ويقول البعض ان الخسائر قد تكون هائلة. وتوقع تيم ايفانز المحلل لدى سيتي فيوتشرز برسبكتيف، أن يكون البائعون أكثر نشاطا بمجرد أن يتوقعوا هبوط السوق. ومما يسهم تراجع قيم الاسهم، التباطؤ الاقتصادي وضعف نمو أرباح الشركات وكلها تقود في النهاية الي انخفاض النفط حيث يشعر المستهلكون والشركات بالضغوط ويخفضون الطلب، فالنفط وفقا لمايكل لازنيكا الرئيس التنفيذي لمؤسسة ادارة الاصول جاردنر فاينانس، ليس رهانا على المكسب فقط، فهو متقلب وعرضة للتأثر بمعنويات المستثمرين وكلما ارتفع زادت المخاطر علي المستثمرين. وحتى الطلب من الاقتصادات الصاعدة التي تقودها الصين والهند والذي حفز الارتفاع القياسي في سعر النفط قد لا يكون في منعة من اثار التباطؤ الاقتصادي المتزايد بالولاياتالمتحدة. وعلي صعيد الطلب الاسيوي، قال باتي من مؤسسة ستاندرد لايف انفستمنتس، أن الضعف في الولاياتالمتحدة يتسرب حاليا الى أوروبا واليابان وأجزاء من العالم الصاعد بعواقب ملموسة علي الطلب. وفي أعقاب الازمة النفطية في السبعينات تحولت اليابان من أحد أكبر الاقتصادات كثيفة استهلاك النفط الى أحد أكثرها كفاءة في استهلاك الوقود في العالم. وأضاف باتي أنه تزايدت الضغوط علي السلطات الصينية لاقتفاء أثر اليابان عندما كانت تشهد تحولا سريعا الى دولة صناعية، وإذا تكررت مثل هذه التوجهات في أنحاء العالم النامي فقد يتغير ميزان العرض والطلب بشكل جذري في السنوات القادمة. (رويترز)