الأهرام 28/6/2008 يقينا.. يستحق الراحلان الكبيران رجاء النقاش وسعد أردش أسمي آيات التكريم والتقدير لدورهما الاسثتنائي في النقد الأدبي والثقافة والفن علي مدي الأعوام الخمسين الماضية. إلا أن منحهما جائزة مبارك في الفنون والآداب لعام 2008 بعد وفاتهما يطرح علامات استفهام ليس حول مدي احقيتهما بالجائزة, بل حول الهدف من منحها لراحلين, والغاية المنشودة لهذه الجائزة عموما, واسلوب عمل القائمين عليها. لقد عاش النقاش وأردش بيننا وكانا يأملان في الفوز بالجائزة في حياتهما لكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد فماذا يعني فوزهما بها بعد وفاتهما؟ هل هو تكريم بأثر رجعي؟ أم أن منطق مانحي الجائزة هو أن من الأفضل للتكريم ان يتأخر بدلا من ألا يأتي أبدا؟ لكن هل هذا هو الأسلوب الأفضل لتكريم الراحلين؟ وهل من اللائق أن يتنافس أحياء مع راحلين للفوز بجائزة, أو أن يتم قصر الأسماء علي الراحلين فقط لضمان فوزهم؟ إن هناك وسائل عديدة لتكريم الراحلين, مثل منح الأوسمة لأسمائهم وإعادة إصدار إنتاجهم وتأليف الكتب عنهم والترويج لافكارهم وإطلاق اسمائهم علي مؤسسات أو شوارع أو ميادين. لكن منحهم بعد الوفاة جوائز ذات قيمة مالية يجعل الأمور تبدو كما لو أنها مكافأة نهاية الخدمة أو معاش. وفي كل الحالات لن يستفيد سوي الورثة وليس الراحلين العظام. ثم إن فلسفة إنشاء مثل هذه الجوائز هي علي ما أعتقد تشجيع الإبداع والأفكار وإشاعة مناخ تنافسي يسهم في تقدم البلاد, وكذلك تكريم كبار المبدعين وإشعارهم بأن ما قدموه لم يذهب سدي . أي أن الجائزة ترتبط بالحياة وبالأحياء وبكيفية تشجيع الدولة وتكريمها لمن يعملون علي الارتقاء بهذه الحياة وناسها. وقد فطنت لهذه المسألة مؤسسة نوبل العالمية فأوقفت منذ عام1974 قبول ترشيح وبالتالي منح متوفين جوائزها الشهيرة. وهي تضع ذلك كأحد الشروط للترشيح الأمر الذي لايقلل أبدا من قيمة ومكانة أي عالم أو باحث أو أديب راحل بل هو وضع للأمور في نصابها. إن هناك العشرات وربما أكثر من كبار علمائنا وأدبائنا ومثقفينا الذين يستحقون الجوائز الكبري ولايصح أبدا أن تسهو اللجنة القائمة علي هذه الجوائز عنهم ثم تعود لتمنح بعضهم تلك الجوائز ولكن بعد وفاتهم! بقيت ملاحظة أخيرة تتعلق بمسيرة جوائز الدولة الكبري فقد مرت بمرحلة كان المسئولون حاليين وسابقين يتزاحمون عليها ثم جاءت مرحلة تكريم الراحلين فإلي أين تتجه هذه الجوائز؟ وما هو جديدها في الأعوام المقبلة؟