تلاحقت ارتفاعات أسعار الاغذية في مختلف أنحاء العالم، واللوم أو بعض اللوم على الاقل يقع على عاتق المستثمرين الذين حولوا أموالهم الى أسواق السلع الاولية في السنوات الخمس الاخيرة بحثا عن عوائد أعلى مما يحصلون عليه من أسواق الاسهم والسندات. ووجدت صناديق الاستثمار العالمية أن الارباح التي يمكن تحقيقها في السلع الاولية تفوق بكثير أرباح سوق الاسهم، وقد بدأت منذ عام 2002 تدخل سوق النفط ثم أسواق المعادن فالحبوب. وغذى هذا الاتجاه انخفاض أسعار الفائدة في الدول الكبرى الامر الذي جعل الاستثمارات ذات الدخل الثابت أقل اغراء، كما ساهم بنصيب في ذلك أيضا ضعف الدولار الذي يعمل على رفع سعر الاستثمارات المقومة بالدولار مثل أغلب الحبوب. وجذب هذا بدوره مستثمرين لا صلة لهم بسوق الحبوب أو تربطهم بها صلة واهية وغالبا ما يعرفون "بالمضاربين" فرفعوا أسعار الذرة والقمح وفول الصويا الى مستويات جديدة تماما. وفي مارس/ اذار 2008 سجل سعر الذرة في المعاملات الاجلة 5.88 دولار للبوشل (البوشل يساوى 39.4 طن) وسعر فول الصويا 3/4 15.86 دولار في بورصة مجلس شيكاجو للتجارة -التي تمثل مقياسا للاسعار العالمية-، وبلغ سعر القمح في بورصة مجلس شيكاجو أعلى مستوى عند 3/4 13.49 دولار للبوشل في فبراير/ شباط 2008. وفوجئت شركات صناعة الاغذية بارتفاع تكاليف النقل من جراء ارتفاع أسعار النفط الى مستويات قياسية فنقلت بعض الزيادة في أسعار الحاصلات الى المستهلكين مما أدى الى احتجاجات في العديد من الدول، بل ان بعض الدول منعت تصدير الحبوب حتى تضمن تغطية الطلب المحلي. ويقول المستثمرون ان الاسعار المرتفعة تدعمها عوامل أساسية متمثلة في العرض والطلب مثل زيادة استهلاك البروتين في قوى اقتصادية ناشئة مثل الصين، والطلب على الوقود الحيوي المستخلص من الذرة وفول الصويا وزيت النخيل. وعلى العكس يرى الاقتصاديين ان المستثمرين يتحملون بعض المسؤولية على الاقل. وقال تشاد هارت خبير الاقتصاد الزراعي لدى مركز التنمية الزراعية والريفية بجامعة ولاية ايوا ان الفكرة هي أن هناك الكثير من اللاعبين الجدد في لعبة المعاملات الاجلة بالسلع الاولية وهؤلاء اللاعبين الجدد ليست لهم بالضرورة مصلحة راسخة في السوق باستثناء مصلحة المضاربة. واضاف انه رغم أن السلع الزراعية تتداول وفقا للعوامل الاساسية مثل تقارير المحاصيل فقد تزايدت حدة التقلب فيها بسبب تدفق أموال استثمارات جديدة. ويرى جاري كالتباوم -احد المستثمرين- والذي يدير صندوقا تحوط باسم "كالتباوم اند اسوشييتس أوف أورلاندو" بولاية فلوريدا ويستثمر أمواله في الحبوب أن الناس عندما تتعامل في السلع الاولية لا يبالون بالاثر الاجتماعي. وأضاف ان ما يفعله هؤلاء هو الاستثمار وعملهم هو تحقيق الربح، واذا اعتقدوا ان شيئا سيرتفع سعره فيتجهون لتداوله، دون ان يقلقهم أي تداعيات أخرى. ومع احتدام الحديث عن الكساد في الولاياتالمتحدة يقول البعض ان التوقعات قد لا تكون مبشرة للاسهم والسندات بقدر ما هي مبشرة للسلع الاولية. وقال توم فرنانديز المدير لدى شركة "جرينهافن" لادارة الاصول في اتلانتا تستثمر في المحاصيل الغذائية ومحاصيل الوقود الحيوي انه من المرجح أن يتوقع المستثمرون ناتجا محليا اجماليا سلبيا من هنا ولديهم ما بين 65 و95 % من أصولهم مستثمرة في اسهم واصول ذات عائد ضعيف. ويضيف أنهم ليس أمامهم خيار سوى تخصيص جزء من استثماراتهم لاصول مربحة فما كان منهم الا ان اتجهوا لتكوين مراكز دائنة في السلع الاولية. والمركز الدائن رهان على أن الاسعار سترتفع بينما يمثل المركز المدين رهانا على أن الاسعار ستنخفض. وقال متعاملون ان ثقل المستثمرين من أصحاب المراكز الدائنة شغل المساحة بين المنتجين والمستهلكين في أسواق الحبوب وهي أسواق أصغر من أن تتحمل التدفقات المالية الضخمة. فاجمالي حجم التعاملات في يوم واحد في الذرة وفول الصويا والقمح ببورصة مجلس شيكاجو أقل من 1 % من 3 تريليونات دولار تتداول يوميا في سوق الصرف الاجنبي العالمية. وفي عام 2007 بلغت القيمة الاجمالية لمحاصيل الذرة وفول الصويا والقمح الامريكية 92.51 مليار دولار. وللمقارنة فان اجمالي قيمة سندات الخزانة الامريكية الصادرة ولم تستحق حتى الان يبلغ نحو 4.6 تريليون دولار، كما أن القيمة الاجمالية لاسواق الاسهم الامريكية تبلغ نحو 16 تريليون دولار. وقال بيتر كوردل رئيس "سليبكا فاينانشال بارتنرز" -وهي شركة للوساطة في التعاملات الاجلة بالسلع الاولية في مينيابوليس- "استوردت الولاياتالمتحدة ما قيمته 36 مليار دولار من النفط الخام خلال مارس 2007 ، واذا استخدم مصدرو النفط هذا المال في شراء قمحنا فسيكون لديهم ما يكفي لشراء المحصول الامريكي بالكامل." ويقول المستثمرون ان القطاع الزراعي يتحمل جزءا من اللوم لعدم الاستثمار بما يكفي في الانتاج خلال السنوات الخمس الاخيرة. ومع تفاقم الازمة الائتمانية الامريكية يوما بعد يوم تتزايد صعوبة حصول المزارعين على قروض في الولاياتالمتحدة أكبر مصدر للحبوب في العالم. كذلك فان الشركات التجارية التي تشتري الحبوب من المزارعين وتعيد تسويقها تسجل خسائر لانها التزمت بتوريد الحبوب بأسعار أقل كثيرا من أسعار اليوم. ومن وجهة نظر فرنانديز- المدير بشركة "جرينهافن"- فان شركات الحبوب نفسها ليست كبيرة بما يكفي من وجهة نظر حجم السوق للتعامل مع هذه الاسعار المرتفعة بسرعة. وكان سوء الاحوال الجوية مشكلة أخرى اذ أثر كثيرا على حجم المحاصيل، ففي استراليا وهي من كبار مصدري القمح أشعلت موجة جفاف حادة السوق. ثم جاء السباق لاستخلاص الوقود الحيوي من الحبوب ليزيد الطين بلة، فقد التزمت الولاياتالمتحدة بانتاج تسعة مليارات جالون من الايثانول المصنوع من الذرة هذا العام وعشرة مليارات جالون في عام 2009. وقد لا يكون من الانصاف توجيه الاتهام في ارتفاع أسعار السلع الاولية لصناديق التحوط والمضاربين نظرا لتعدد العوامل المؤثرة في الاسعار. وقال جافن ماجواير -المحلل لدى شركة أيوا جرين في شيكاجو والتي تتخصص في التعاملات الاجلة في الحبوب الامريكية- ان تحرك أسواق الحبوب نحو الارتفاع في صالح هذه الصناديق، لكنها ستسعد بالقدر نفسه اذا كانت هذه الاسواق تسير في اتجاه نزولي لان بوسعها تحقيق مكسب من بيعها على المكشوف. ويتفق كالتباوم مع هذا الرأي اذ يقول ان هذه الاشياء يمكنها أن تحقق مكسبا في أي من الاتجاهين، وسيأتي الوقت الذي تنخفض فيه الاسعار. رويترز- باراني كريشنان