لم تكن مصر بعيدة عن موجة الغلاء التي اجتاحت العالم, بل كانت من أكثر الدول تأثرا بها, خاصة في ظل تدني مستوي الأجور وضعف رواتب الموظفين وفشل السياسات والحلول المقترحة لمواجهتها عبر السنوات الماضية.. وبالرغم من أن التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والجهات الحكومية تعزي ارتفاع الأسعار إلي تطور أسعار السلع الأساسية في البورصات العالمية, فإن السوق المصرية لديها عوامل أخري خاصة بها, أسهمت في ارتفاع آخر للأسعار منها تحرك الأسعار كلما اقتربت علاوة الموظفين, بالإضافة إلي عدم تأثرها بتراجع الدولار ولا التخفيضات الجمركية العديدة, وذلك في الوقت الذي شهدت فيه ارتفاعات ملحوظة عند ارتفاع الدولار, بخلاف جشع التجار وضعف الرقابة علي الممارسات الاحتكارية. التقارير الاقتصادية تحذر من موجة الغلاء واستمرار صعود أسعار السلع الرئيسية عالميا, حيث يشير مركز معلومات مجلس الوزراء إلي أن أسعار القمح العالمية ارتفعت من184.6 دولار للطن في ديسمبر2006 إلي342.4 دولار في ديسمبر2007, كما ارتفع سعر الطن لزيت فول الصويا من675 دولارا إلي1018 دولارا, وسعر الطن للذرة الصفراء من144.6 دولار إلي167.7 دولار, أما الحديد البيليت فقد قفز من443.8 دولار إلي572.5 دولار, أما سماد اليوريا فارتفع من254.4 إلي391.8 دولار, وبلا شك تعكس هذه الزيادات الأسباب الحقيقية للغلاء محليا وعالميا, وحجم التداعيات لهذه الموجة, ويكفي ان نعلم أن هناك800 مليون شخص حول العالم لايزالون يفتقرون للأمن الغذائي حسبما يشير تقرير للبنك الدولي, ولكي تتم مواجهة الطلب علي السلع الغذائية هناك ضرورة لزيادة إنتاج الحبوب بنسبة50% واللحوم بنسبة85% حتي عام2030. الغلاء أصبح قضية عالمية, خاصة في ظل الضغوط التي تواجهها إمدادات الأغذية العالمية جراء اتساع نطاق الطلب علي الغذاء والأعلاف والوقود الأخضر وتزايد أسعار الطاقة وتراجع مساحات الأراضي الزراعية وشح الموارد المائية, بالإضافة إلي الآثار الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ, لذلك هناك حاجة ملحة لحلول وتدابير عاجلة علي المستوي المحلي لمواجهة ألسنة اللهب المندلعة من الأسواق, التي تكتوي بها جيوب المواطنين عموما, ومحدودو الدخل بشكل خاص. ولأن مصر تستورد نحو60% من احتياجاتها من الغذاء,فقد تأثرت أسواقها كثيرا بموجة الغلاء التي تزحف من حين إلي آخر, حيث شهدت الأسواق ارتفاعات متوالية للأسعار في الفترة الأخيرة, وأدي ذلك إلي ارتفاع معدل التضخم السنوي لأسعار السلع الاستهلاكية بنسبة9.8% خلال عام2007 مقارنة بالعام السابق عليه, حسبما ذكر جهاز التعبئة العامة والإحصاء, والذي كشف في آخر تقاريره عن ارتفاع معظم السلع الرئيسية. وعلي سبيل المثال فقد ارتفعت اسعار الأرز بنسبة10.2% والدقيق27.8% والمكرونة38% والزيوت27.1% والفاكهة19.6% والجبن17.5% والخبز البلدي4.1%, كما أشار إلي ارتفاع أسعار التعليم والأدوات المدرسية بنسبة37.8% والأثاث والمعدات المنزلية6% وأسعار المستشفيات بنسبة1.8%. وقد أعد مركز معلومات مجلس الوزراء تقريرا لرصد موجة الغلاء عالميا وتأثيرها علي السوق المحلية تحت عنوان' موجات الأسعار العالمية.. كيف تطورت عبر السنوات الأخيرة.. وهل هي مشكلة محلية أم عالمية؟' أكد فيه الدكتور ماجد عثمان رئيس المركز أن قضية ارتفاع الأسعار تؤثر في مستوي رفاهية الأفراد وقدرات الدولة في إدارة مواردها, مشيرا إلي أنه في ظل الاقتصاد العالمي المنفتح فإن قضية ارتفاع الأسعار أصبحت قضية عالمية تؤثر وتتأثر بها جميع الدول. وأشار التقرير إلي أن صندوق النقد الدولي قام برصد تطور الأرقام القياسية لأسعار السلع الأساسية علي المستوي العالمي خلال الفترة من عام1995 وحتي2007, وكشف عن أن الرقم القياسي للأسعار العالمية للسلع الأساسية ارتفع بنسبة138.6% خلال الفترة من1995 وحتي عام2006 لتصل إلي6,238 نقطة, موضحا أنها بلغت في نوفمبر2007 نحو317.1 نقطة مرتفعة بنسبة45% عن شهر يناير من نفس العام. ورصد التقرير الارتفاعات في السلع الغذائية خلال الفترة من نوفمبر2006 وحتي نوفمبر2007 وأوضح أن الأغذية والمشروبات ارتفعت20% والغذاء21% والبترول57% والطاقة53% والمواد الخام الزراعية7.8%. وللتعرف علي موقع مصر بين الدول الأخري في مستويات الأسعار, عرض التقرير عددا من المقارنات مع عدد من الدول مثل الصين والأردن والبرازيل واندونيسيا, حيث أشار إلي أن مصر تسبق الأردن والصين في الرقم القياسي لأسعار السلع حيث سجل في عام2007 نحو147.2 نقطة مرتفعا بنحو87% عن عام1995, وتوقع التقرير أن يستمر الارتفاع خلال العام الحالي ليصل إلي158.7 نقطة, أما الصين فسجلت113.4 نقطة ومتوقع أن ترتفع إلي117.9 نقطة العام الحالي, بينما سجل الرقم القياسي للأسعار في اندونيسيا187.5 نقطة ومتوقع أن يرتفع إلي199.1 نقطة, وسجل في الأردن125.7 نقطة ومتوقع أن يصل إلي131.5 نقطة. وعرض التقرير التغير الذي شهدته أسعار بعض السلع الرئيسية في مصر خلال العام الماضي, حيث تصدر التعليم القوائم التي ارتفع الرقم القياسي لأسعارها وزاد بنسبة35.1%, يليه الطعام والشراب بنسبة9.9% ثم الملابس والأقمشة4.35% والسلع والخدمات المتنوعة3.9% والثقافة والترفيه2.9%. وبالرغم من فشل مختلف السياسات لوقف ارتفاع الأسعار, فإن الدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق يري أن حل مشكلة ارتفاع الأسعار في مصر يتلخص في ثلاثة محاور الأول حول ارتفاع الأسعار العالمية, وقال إن الأشهر الأخيرة شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار العالمية وهي أسعار لانتحكم فيها وليس لها علاج, ولكن المهم أن نعرف لماذا نستورد سلعا غذائية أساسية وبكميات كبيرة, ويري أن الحل لهذا المحور هو تقليل الاستيراد وتعويض الفارق بزيادة الإنتاج المحلي للسلع الغذائية المحلية وضرورة البدء في زراعة المساحات المخصصة لزراعة القمح. اما المحور الثاني فهو منع الممارسات الاحتكارية وزيادة دور جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار, وأن يبدأ في دراسة جميع السلع الأساسية لمعرفة ما إذا كان فيها ممارسات احتكارية من عدمه, وهنا يجب تغليظ العقوبات ورفع الغرامة إلي ما بين50 و100 مليون جنيه,بالإضافة إلي تشديد الرقابة علي الأسواق, أما المحور الثالث لمواجهة ظاهرة الغلاء كما يقول الدكتور علي لطفي فهو توعية المستهلك, وهو العنصر الأهم في ضبط الأسواق, مستشهدا بأن أسعار البيض والدواجن تراجعت في أثناء أزمة إنفلونزا الطيور بسبب تراجع الطلب عليهما, وهنا يحتاج المستهلك للتوعية واللجوء للسلع البديلة حتي لا يستمر التجار في زيادة الأسعار, فمثلا عند ارتفاع أسعار اللحوم يتجه المواطن للدواجن والأسماك, مؤكدا أنه في حال توقف المواطنين لمدة شهر عن تناول اللحوم فإن أسعارها بلا شك ستتراجع, وقال إن هذا هو أنسب الحلول لمواجهة جشع التجار ومبالغتهم في الربح.