" بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو في محافظات مصر    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ جنوب سيناء يبحث مع رئيس الجهاز المركزي للتعمير عددًا من المشروعات    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    جهاد جريشة: لا بد من محاسبة من تعاقد مع فيتور بيريرا.. ويجب تدخل وزرارة الرياضة والرابطة    وليد عبدالوهاب: نهائي الكونفدرالية سيكون تاريخيا..وجاهزين بالسعة الكاملة لاستقبال الجماهير    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    انقسام إسرائيلي حول غزة يعقد سيناريوهات إنهاء الحرب    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عيار 21 الآن في السودان وسعر الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024    برشلونة يعزز وصافة الدوري الإسباني بانتصار على ألميريا    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    حسين الشحات : نحترم تاريخ الترجي ولكننا نلعب على الفوز دائما    بهذه الطريقة.. اضبط تردد قناة كراميش 2024    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    بعد ساعات من انتشار الفيديو، ضبط بلطجي الإسماعيلية والأمن يكشف ملابسات الواقعة    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    سعر الفراخ البيضاء والبيض البلدي بعد ارتفاعه الجمعة 17 مايو 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    للرجال على طريقة «البيت بيتي».. أفضل طرق للتعامل مع الزوجة المادية    رد ناري من شريف الشوباشي على يوسف زيدان بعد تصريحاته عن طه حسين (فيديو)    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    مصر ترفض مقترح إسرائيلي بشأن معبر رفح    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لراحة القلب والبال.. أفضل دعاء في يوم الجمعة «اللّهم ارزقني الرضا وراحة البال»    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور ألمانيا في الأزمة النووية الإيرانية
نشر في أخبار مصر يوم 02 - 12 - 2007

تلعب ألمانيا التي تعتبر أهم شركاء ايران التجاريين والتفاوضيين دوراً لا يستهان به في تشكيل الرأي العام الأوروبي والدولي، ونظراً الى نفوذ برلين المتنامي في السياسة الدولية وارتباطها بالمراحل التفاوضية للأزمة النووية الإيرانية اعتاد العالم انضمام ألمانيا إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن عند البت في مسار الملف النووي الإيراني ومصيره.
تتحالف ألمانيا بقيادة المستشارة أنجيلا مركل مع الولايات المتحدة وتتفق معها في ضرورة منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية لكنها تختلف في الطريق، ففي حين تضع واشنطن «كل الخيارات على الطاولة»، فإن برلين توافق مع استبعاد الحل العسكري حرصاً على مصالحها في إيران. وتركت ألمانيا تجربة شرودر - بوش إبان حرب احتلال العراق وراء ظهرها، لكنها لا تستطيع الاستجابة للإدارة الأميركية من دون ترضية مناسب.
العلاقات الإيرانية - الألمانية من أكثر العلاقات الثنائية عراقة في التاريخ الحديث إذ تمتد أسسها التعاقدية إلى عصر الإمبراطور فيلهلم الثاني الذي وقع مع إيران في القرن التاسع عشر اتفاقات متنوعة طاولت جوانب سياسية ومدنية في ما يتعلق بانتقال الأفراد بين البلدين وحقوق الجنسية لرعاياهما. وارتبط البلدان بعلاقات ثقافية متميزة امتدت إلى عصر الشاعر الألماني الكبير غوته؛ الذي استلهم أشعار الفارسي الكبير حافظ الشيرازي في «الديوان الشرقي». واستمرت العلاقات في تصاعد حتى تولى رضا بهلوي حكم إيران عام 1925، فلم يحافظ على المستوى العالي للعلاقات الإيرانية - الألمانية فقط، بل انحاز إلى دول المحور بقيادة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
ودفع تأثر رضا بهلوي بالنازية الألمانية الهتلرية الى تغيير اسم بلاده من «فارس»، إلى «إيران» (التي تعني بلد الآريين)، رابطاً بين إيران وألمانيا بأواصر القربى العرقية من جهة، ومميزاً نفسه عن جيرانه العرب والأتراك من جهة أخرى. ولم تنقطع روابط القربى المعنوية بين إيران وألمانيا في عهد نجله الشاه السابق محمد رضا بهلوي، بل ازدادت رمزية بزواجه من السيدة ثريا إسفندياري التي يجري في عروقها الدم الألماني من ناحية الأم.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة اتجهت بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية نحو الحلفاء، خصوصاً أميركا وبريطانيا، لكن من دون أن تنحدر العلاقات بين طهران وبرلين إلى درجة الجفاء. وازدادت العلاقات الإيرانية - الألمانية متانة عبر الروابط الاقتصادية المتنامية، التي سمحت لإيران باستيراد التكنولوجيا المتقدمة من ألمانيا، بعد أن فتحت الأخيرة الأبواب أمام الاستثمارات الإيرانية. وتغير الوضع نسبياً مع انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 حين انضمت ألمانيا إلى الدول الغربية المتخوفة من تنامي الأصولية الدينية في الشرق الأوسط، ولم تشذ عن هذا الإجماع الغربي أثر اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980، بحيث أصبحت إيران تعاني عزلة دولية مستحكمة. وعلى رغم ذلك توخت ألمانيا ألا تصل علاقاتها مع إيران إلى درجة القطيعة بسبب خليط الاعتبارات الاقتصادية والإستراتيجية الألمانية. على خلفية هذه الاعتبارات كانت زيارة وزير الخارجية الألماني هانز ديتريش غينشر طهران عام 1984؛ لحظة فارقة في العلاقات الإيرانية - الأوروبية عموماً والإيرانية - الألمانية خصوصاً، باعتبارها أول زيارة لمسؤول غربي إلى إيران بعد انتصار ثورتها.
وشكل انهيار الاتحاد السوفياتي السابق بداية تسعينات القرن الماضي لحظة مفصلية في تاريخ إيران وألمانيا، بسبب التغيرات العميقة التي أحدثها. فألمانيا استعادت الوحدة بين شطريها الشرقي والغربي، وإيران أصبحت بعد انتهاء حربها مع العراق مركزاً للاستقرار على حدود مضطربة في آسيا الوسطى بفعل استقلال خمس جمهوريات جديدة على حدودها الشمالية، وحدود جنوبية ملتهبة بفعل الاحتلال العراقي للكويت. وفي خضم هذه التحولات استمرت العلاقات الإيرانية - الألمانية في خط صاعد، وإن بقيت مرتهنة بالولايات المتحدة وعلاقتها بكل من طرفي المعادلة. وشهد الخط الصاعد للعلاقات الثنائية انتكاسة عام 1992، بسبب اغتيال معارضين إيرانيين أكراد في مطعم برليني يحمل اسم ميكونوس، واتهمت إيران بتدبير العملية. ومع تبلور سياسة «الاحتواء المزدوج» التي اعتمدتها واشنطن تجاه كل من العراق وإيران، وبعد سنة فقط ظهور قانون العقوبات الاقتصادية على إيران، الذي يمنع الشركات والأفراد الأميركيين من استثمار أكثر من 20 مليون دولار في قطاع الطاقة الإيراني ويفرض عقوبات على الشركات التي تستثمر فيه. وكان الهدف الأميركي مبنياً على فكرة مفادها أن منع إيران من الحصول على استثمارات في قطاع الطاقة سيكبح طاقتها التصديرية، ما يؤدي إلى تقليص عائداتها من هذا القطاع. لكن هذا القانون ضرب – من حيث لم يحتسب - المصالح الاقتصادية الألمانية في إيران، وأوجد بالتالي تناقضات ثانوية في العلاقات الأميركية - الألمانية.
وللتوفيق بين مصالحها الاقتصادية في إيران المتضررة من قانون العقوبات الأميركي من ناحية، وعلاقاتها مع واشنطن من ناحية أخرى، ابتكرت برلين فكرة «الحوار الانتقادي» مع إيران. واستهدف توجيه الانتقاد غير الملزم لإيران بسبب سجلها في حقوق الإنسان، مع الحفاظ على المصالح الاقتصادية الألمانية والأوروبية. وأعلنت العواصم الأوروبية أنها تسعى - بوسائل مغايرة – الى تحقيق أهداف واشنطن، أي تغيير الخط السياسي لطهران والتأثير فيها في موضوعات حقوق الإنسان وعملية السلام ومكافحة الإرهاب. وفي عام 1997 جاء قرار المحكمة الألمانية في «عملية ميكونوس» والذي تضمن إدانة «أرفع الدوائر» الإيرانية بتدبير الاغتيالات، ليطلق رصاصة الرحمة على «الحوار الانتقادي».
ومع انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي أعادت دعوة «حوار الحضارات» التي أطلقها، اللقاءات الدورية بين إيران والأوروبيين منتصف 1999، وتتوجت دعوات خاتمي الانفتاحية بزيارات شملت دولاً أوروبية في مقدمها ألمانيا، التي قضى فيها خاتمي سنوات رئيساً للمركز الإسلامي في هامبورغ. وشهدت العلاقات ازدهاراً ملحوظاً في فترة رئاسة خاتمي، بحيث عادت ألمانيا تحتل مراكز متقدمة في قائمة شركاء إيران التجاريين. كما كانت الطرف الرئيس في مفاوضات إيران مع الاتحاد الأوروبي حول برنامجها النووي، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، في ما عرف لاحقاً باسم الترويكا الأوروبية.
وتتوجت هذه المفاوضات بإبرام اتفاق في نهاية العام 2003 يقضي بإيقاف إيران تخصيب اليورانيوم كإثبات حسن النية، في مقابل استمرار المفاوضات بين الأطراف للوصول إلى حل نهائي يطمئن الدول الغربية ويضمن لإيران الحصول على التكنولوجيا المتقدمة وفك الحصار الدولي المضروب عليها. ومع انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في عام 2005 وما تلاه من عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم، ظهرت الأزمة النووية الإيرانية وازداد التقارب في المواقف بين ضفتي الأطلسي، وحصلت ألمانيا لنفسها على مكان إلى جوار الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن عند النظر في الملف النووي الإيراني.
ألمانيا هي الشريك التجاري الأول لإيران على المستوى الدولي، وارتبط البلدان بعلاقات اقتصادية قوية تعود إلى ستينات القرن الماضي وسبعيناته، وكانت إيران من أوائل دول العالم الثالث التي امتلكت أنصبة في الشركات الصناعية الألمانية الكبرى مثل كروب ودايملر وغيرهما. كما أبرم البلدان في زمن الشاه السابق صفقات اقتصادية ضخمة ووقعا عقوداً في مجالات النقل والبنية التحتية والطاقة، ونموذج محطة الطاقة بالقرب من ميناء بوشهر الإيراني مازال ماثلاً، إذ أنشأتها شركة سيمنز الألمانية العملاقة وتوقف العمل فيها بضغط أميركي منذ انتصار الثورة الإيرانية.
وعليه فإن إمكانات النفاذ الاقتصادي إلى السوق الإيرانية لم تستنفد بعد، ومن ناحية أخرى يرى الكثير من الخبراء الاقتصاديين الألمان ضرورة الحفاظ على ما انجز على الصعيد الاقتصادي مع إيران، انتظاراً لظروف مختلفة تمكن الاقتصاد الألماني من الوثوب من إيران كمنطقة ارتكاز إلى أسواق أخرى واعدة ومهمة. من ناحيتهم يدرك صانعو القرار السياسي الإيراني أهمية الدور الألماني في فك الحصار الاقتصادي. يضاف إلى ذلك التكنولوجيا الألمانية والتي تعتبر الأكثر تأهيلاً - في ظل المقاطعة الأميركية - لتحديث الاقتصاد الإيراني.
صدّرت ألمانيا بضائع إلى إيران عام 2005 قيمتها حوالى أربعة بلايين ونصف البليون يورو، محتلة المركز الأول بين الدول الأوروبية من حيث التصدير الى إيران، وقدرت الودائع والأصول الإيرانية في ألمانيا بحوالى 5.5 بليون يورو في العام نفسه. وإذ بلغت إيرادات إيران من النفط حوالى 55 بليون دولار في العام نفسه، تكون إيران بذلك أودعت في ألمانيا واشترت منها ما يقارب عشرين في المئة من إيراداتها النفطية.
واستمر الحال قريباً من ذلك عام 2006، حين تراجع التصدير الألماني إلى إيران بسبب ارتفاع سعر اليورو مقارنة بالدولار، ما يرفع قيمة السلع الألمانية في الأسواق الدولية ويقلل قدرتها على المنافسة مع البضائع الأميركية والآسيوية. لذلك بلغت الصادرات الألمانية الى إيران حوالى 4.1 بليون يورو فقط، لتحتل إيران المركز الأربعين في قائمة الشركاء التجاريين لألمانيا. وعلى رغم الأهمية الفائقة التي توليها إيران للصادرات الألمانية في تدعيم علاقاتها مع ألمانيا، لا يجب استنطاق دلالات أكثر مما تحتمل الأرقام، لأن الولايات المتحدة تحتل المركز الثاني بعد فرنسا على القائمة بحجم يبلغ 78 بليون يورو. وبتزايد وتيرة التصعيد في الملف النووي الإيراني أفلح الضغط الأميركي على المؤسسات المالية العالمية في إجبار الكثير من المصارف الأجنبية على الخروج من السوق الإيرانية في الشهور الثلاثة الأخيرة، ومن هذه المصارف أكبر مصرفين ألمانيين هما: دويتشه بنك ودرسدنر بنك.
إيران ومدرسة الجيوبوليتيك الألمانية
تطغى الأهمية الإستراتيجية لإيران تاريخياً على صانع القرار الألماني، إذ ظهرت واضحة في التخطيط الإستراتيجي للعسكرية الألمانية أبان الحرب العالمية الثانية. وقتذاك لم تغب إيران عن المحاور الألمانية للسيطرة على النفط وتطويق قوات الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط. كانت إيران هدفاً رئيساً في الحرب العالمية الثانية، ويرى بعض المحللين الاستراتيجيين الألمان أن الخطأ التاريخي الذي قاد إلى هزيمة هتلر كان متمثلاً في التوغل نحو الشرق ومحاربة روسيا بعيداً من الأراضي الألمانية Drang nach Osten.
ويبدو مفيداً في هذا السياق أن نعلم أن غزو الاتحاد السوفياتي كان بهدف نزع الأوراق البريطانية الإستراتيجية عبر الاستيلاء على نفط إيران وأذربيجان. وتكتسب إيران أهمية جيوبوليتيكية ممتازة من المنظور الألماني بفضل إطلالتها الشمالية الواسعة على الجمهوريات الإسلامية للاتحاد السوفياتي السابق، فضلاً عن علاقاتها التاريخية معها (كانت أجزاء كبيرة من تلك الجمهوريات حتى العام 1828 جزءاً من إيران)؛ وذلك لاستكمال حلقات الضغط الإستراتيجية على روسيا. التي بدأت منذ فرض القيادة الألمانية الانسحاب على الاتحاد السوفياتي من ألمانيا الشرقية مروراً برفض الفكرة الروسية القائلة بحياد مناطق ألمانيا الشرقية، والمحاولات الألمانية الناجحة لضم دول اشتراكية سابقة، مثل بولندا وهنغاريا وجمهوريات البلطيق، إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي وليس انتهاء بتحجيم الكيان السلافي الصربي في البلقان ويوغوسلافيا السابقة، ما مهد الطريق إلى عودة ألمانيا إلى شرق أوروبا الذي تعتبره مجالها الحيوي تاريخياً.
محمود أحمدي نجاد
تتميز الإطلالة الجنوبية الغربية لإيران بدورها المركزي في سلم الأولويات الألمانية، إذ تطل سواحل إيران على الخليج الذي يمثل أحد أكثر المناطق الإستراتيجية حساسية في العالم نظراً الى الاحتياط النفطي الهائل فيه، الذي يغذي الدول الصناعية - وألمانيا في طليعتها - بالطاقة. وعلى رغم احتياطات إيران النفطية الكبيرة باعتبارها رابع أكبر منتج للنفط في العالم، فإن أهميتها كمورد للطاقة من المنظور الألماني لا تعتمد على احتياطاتها من النفط، بل على مواردها من الغاز الطبيعي. وذلك أن ألمانيا غير راضية عن احتكار روسيا – شركة غازبروم تحديداً - سوق الغاز الأوروبية، وترغب في تنويع مصادرها من الغاز حرصاً على مناعة قرارها السياسي حيال موسكو.
وليس خافياً أن الدور السياسي لألمانيا على الصعيد الدولي عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً، لا يتناسب مع وزنها الاقتصادي على الساحة الدولية، الأمر الذي تدركه القيادة الألمانية وتتحرك على محاور لحله:
1- السعي إلى احتلال مقعد دائم في مجلس الأمن، ويمثل الملف النووي الإيراني مدخلاً مناسباً بوجود ألمانيا في المشاورات والقرارات الخاصة به.
2- استخدام الغطاء الأوروبي لمد علاقاتها السياسية مع الدول ذات الوزن الإقليمي الخاص، لضمان دور قيادي داخل الاتحاد.
3- الحفاظ على العلاقات الثنائية التاريخية مع بعض الدول المحورية مثل الصين وإيران وماليزيا وإندونيسيا.
وجد التضارب في مصالح طرفي التحالف الأطلسي أقصى درجات التعبير عن نفسه في مسألة إيران وكيفية التعامل مع طموحها النووي، ومنذ الانقسام في التحالف الأطلسي إبان حرب احتلال العراق وجهود الترميم الذي بذلها لاحقاً طرفا التحالف في أميركا وأوروبا، تبدى الملف النووي الإيراني مستعصياً على الاتفاق بينهما، على الأقل حتى عودة إيران إلى التخصيب مطلع عام 2006. صحيح أن دول الاتحاد الأوروبي تتفق مع الولايات المتحدة على منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لكن الرؤى والطرائق التي يتبناها كل من الطرفين للوصول إلى هذا الهدف تباينت بصورة جعلها على طرفي نقيض. وفي حين أرادت أوروبا الوصول إلى هذه النتيجة عبر المفاوضات وتقديم مزايا اقتصادية وسياسية وأمنية الى إيران كي تتخلى طواعية عن برنامجها النووي، تشددت أميركا في مطالبها تجاه إيران وفرضت المزيد من القيود على الطرف الأوروبي المفاوض مع طهران. واستنفدت ألمانيا قدرتها على النفاذ إلى معادلات الربح والخسارة الإيرانية لأن العروض الأوروبية لم ترق إلى المستوى المطلوب إيرانياً، فلم تعد «لعبة المفاوضات» ممكنة طالما ظل الأوروبيون من دون «صلاحيات»، خصوصاً في ما يتعلق بضمان أمن النظام الإيراني والسماح له بدور إقليمي. وحكم الموقف الأوروبي في مفاوضاته مع الإيرانيين اعتبار أساس هو الحفاظ على مستوى العلاقات داخل التحالف الأطلسي بعد ترميمه من النتائج المترتبة عن احتلال العراق.
خاضت ألمانيا – ضمن الترويكا الأوروبية - مفاوضاتها مع إيران مجردة من أوراق كثيرة، إذ افتقرت إلى ورقة الردع، لأن الخيار العسكري الأوروبي خارج احتمالات التفاوض والحسابات وإن نظرياً. وفي الوقت نفسه لم تمتلك الترويكا الأوروبية أيضاً ورقة الحوافز الأمنية، كما أن أوروبا استطاعت فقط تقديم مزايا اقتصادية لإيران، لكنها لا تستطيع – عملياً - عقاب إيران اقتصادياً بمفردها. ويزداد الوضع تفاقماً لألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي مع تصاعد التوتر في الملف النووي الإيراني، لأنه يدفع بأسعار النفط في الأسواق الدولية إلى الأعلى بصورة دراماتيكية، الأمر الذي سيترك تداعياته السلبية عليها باعتبارها مستوردة صافية للنفط. كما أن عدم وجود اتفاق واضح بين ألمانيا ومن وراءها أوروبا من ناحية، وأميركا من ناحية أخرى، على حدود التغيير المطلوب في إيران والمنطقة، يجعل أوروبا في موقع التابع الذي يجب عليه دفع الفواتير السياسية والدبلوماسية من مصالحه الإستراتيجية، في الوقت الذي لا تستطيع فيه أوروبا المشاركة برسم مشاريع المستقبل لإيران وللمنطقة. وفي المقابل ساهم الأداء الإيراني العائد بقوة إلى تخصيب اليورانيوم في رأب التصدعات في المواقف الأطلسية، إذ لم يبق أمام ألمانيا والدول الأوروبية سوى المطالبة فقط باستبعاد الحل العسكري من قائمة الاحتمالات النظرية لحل الأزمة النووية الإيرانية. لذلك دعمت أوروبا القرارين1737 و1747 اللذين يفرضان عقوبات اقتصادية على إيران لإجبارها على التوقف عن تخصيب اليورانيوم، وتدعم أيضاً مشروع القرار الجديد الذي يرفع سقف العقوبات.
لا ترغب ألمانيا في تكرار تجربة بوش - شرودر عام 2003، لكنها تحاول الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية الطويلة المدى هناك، وهي مصالح لا تتعلق بهوية الجالس في قصر بيليفو في برلين سواء كان غيرهارد شرودر الاشتراكي الديموقراطي أو أنجيلا مركل المسيحية المحافظة. تعلم برلين أنها لم تستطع إجبار إيران على التوقف عن تخصيب اليورانيوم طيلة سنوات عبر تقديم المزايا الاقتصادية، كما تعي أنها في الجانب الآخر لن تستطيع إجبار واشنطن على تبني خيارات معينة حيال إيران بما فيها استبعاد الخيار العسكري عبر المعارضة الديبلوماسية... مصالح ألمانيا في إيران تاريخية وجيوبوليتيكية لا يمكن التضحية بها مجاناً، أما علاقات برلين وواشنطن فإنها إستراتيجية ومفصلية، لذلك ربما يكون الثمن الذي يجب على واشنطن أن تدفعه لألمانيا في ملف آخر، فتدعم توسيع العضوية في مجلس الأمن بما يضمن عضوية ألمانية دائمة فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.