تامل ايران البدء في صياغة نص الاتفاق النهائي حول برنامجها النووي مع مجموعة الدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) المعروفة بمجموعة "5+1" لتقريب وجهات النظر لتقليل هوة الخلافات بين كل من إيران والقوى الكبرى وذلك قبل أيام من الموعد المحدد للتوصل إلى اتفاق نهائى بشأن ملف إيران النووى في 20 يوليو الجاري برئاسة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومنسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون وبحضور ممثلي الدول الكبرى الست. فقد شهدت فيينا اجتماعات وزراء خارجية كل من إيران جواد ظريف والولاياتالمتحدة جون كيرى وبريطانيا ويليام هيج وفرنسا لوران فابيوس وألمانيا فرانك فالتر شتاينماير فى محاولة لتسوية الخلافات التى تعرقل مفاوضات السداسية وطهران حول البرنامج النووى الإيرانى. ومع تمسك كل طرف بوجهة نظره ومع إصرار واشنطن على تسوية الملف النووي الإيراني، غادر العاصمة النمساوية وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بعد فشلهم فى إحراز أى تقدم فى المفاوضات الثنائية والثلاثية المكثفة التى عقدت مع الجانب الإيراني. الخوف من برنامج ايران النووى :- فإيران مازالت تصر على مواصلة برنامجها النووي، بالإضافة إلى إزالة هواجس الآخرين إزاء هذا البرنامج، وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قائلا: "يمكننا صنع التاريخ حتى الأحد المقبل (20 يوليو). الثقة طريق ذو اتجاهين، ويجب معالجة هواجس كل الأطراف لإبرام اتفاق". وأن بلاده لا تسعى إلى صنع قنبلة ذرية، واصفا مبدأ الردع النووي بأنه "جنون"، أما عباس عراقجي، نائب ظريف، فأشار إلى "خلافات في شأن كل القضايا الرئيسة والمهمة"، معددا "تخصيب اليورانيوم والعقوبات، والجدول الزمني لإعادة الملف (النووي) الإيراني إلى مساره الطبيعي، إضافة إلى مسألتي مفاعل آراك ومنشأة فردو" للتخصيب. وأضاف: "لم نتمكن من تضييق الفجوات في شأن القضايا الكبرى، ولم يتضح إن كان في إمكاننا فعل ذلك. مسائل كثيرة تحتاج إلى قرارات سياسية صعبة، ونأمل بأن يكون الوزراء على استعداد لاتخاذ هذه القرارات". في الوقت نفسه تصر واشنطن على الضغط على طهران لاتخاذ "خيارات صعبة"، ولمعرفة قدرة طهران على تحقيق تقدم نحو التوصل لاتفاق شامل يبدد جميع المخاوف من احتمالات تطويرها سلاح نووى قبل انتهاء المهلة. دبلوماسية النفس الطويل :- ومن الواضح أن الإصرار الإيراني مرتكز على ما يمكن تسميته بالدبلوماسية التراكمية الإيرانية التي تقوم على مبدأ استنزاف الوقت لتثبيت الحقائق وهو ما يطلق عليها "دبلوماسية النفس الطويل"، وهي التأكيد على أحقية إيران في امتلاكها برنامجا نوويا باعتباره من ركائز الجمهورية الإيرانية، وكان لدى الولاياتالمتحدة موقف واضح يتمثل في أن النظام السياسي الإيراني وسلوكه غير مقبولين وأن الحل الفوري كان العقوبات والمزيد من تلك العقوبات خلال العقود الثلاثة الماضية. وبالتالي لم يكن البرنامج النووي الإيراني إلا أحد عناصر أزمة عدم الثقة بين واشنطنوطهران والتي لم تصل إلى حجم العداء السياسي. وما شهدته العلاقة بين واشنطنوطهران منذ تولي الرئيس حسن روحاني في صيف 2013، من حوارات لم يكن وليد اللحظة ولكن رغم الخلافات بين الجانبين إلا أن هناك ثقافة من الحوار بين الطرفين رغم التباين في المواقف بشأن الكثير من الملفات الإقليمية. وتأسيسا على ذلك يمكن القول أن ما حدث خلال عقد من التواصل السري والعلني بين واشنطنوطهران في وقت الخصومة السياسية لم يكن في الحقيقة إلا نوعا من كسر النمطية لكل طرف لدى الآخر فصورة الشيطان الأكبر كما تصورها الأيديولوجيا قد لا تتطابق وحال السياسة وتقلباتها ، كما أن صورة الدولة المارقة لا تتطابق ولا تنسجم مع المحافظة على مصالح الولاياتالمتحدة في منطقة شديدة الأهمية والحساسية مثل الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك نجحت إيران في عدم السماح لأمريكا والغرب بأن يعاملها وفق نماذجه الجاهزة مثلما فعلت في العراق أو ليبيا، فالحل العسكري رغم الحديث عن الاستعداد الإيراني له كان شبه مستبعد أن تقوم به الولاياتالمتحدة، لكن القلق كان دائما من إسرائيل، وهو أمر تكفلت به الولاياتالمتحدة خلال السنوات القليلة الماضية. كما سعت إيران إلى ألا تكون مثل كوريا الشمالية في أن يكون منطق العقوبات هو السائد بشأنها، لذلك عمدت إلى مجموعة من المبادرات التي أحدثت تصدعا ` ولو شكليا ` في بعض المراحل، إلا أنه ساعد إيران في أن تتظاهر جيدا بعدم تأثرها بالعقوبات كما يروج له غربيا. لقد عمدت إيران إلى تفكيك الجبهة الغربية عبر الانفتاح على لاعب دون الآخر، كما هو الحال في الانفتاح على واشنطن وإبقاء الدول الغربية كالمتفرج، وكانت من قبل قد عمدت إلى التعاون مع دول أوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا حتى عام 2008، كما أنها عمدت إلى تصوير قدرتها على إعطاء ظهرها للغرب عبر علاقة وشراكة إستراتيجية مع الصين وروسيا. ولا شك أن هذه الاستراتيجية والدبلوماسية الإيرانية في التعامل مع الغرب بشأن ملفها النووي هو الذي مكنها من مواصلة التفاوض حتى الآن، وباتت واشنطن هي التي تحتاج لإيران في حسابات ملفات الشرق الأوسط الملتهبة ولعل أبرزها التطورات الجارية في العراق وحربها ضد داعش والتطورات على الساحة السورية واللبنانية. وفي ضوء ما سبق يمكن القول أن المحادثات بين إيران والقوى الكبرى قد تستمر ستة أخرى على خلفية تأكيد إيران على حقها التام في برنامجها النووي بما فيه إكمال دورة تخصيب اليورانيوم وامتلاك تقنيات البناء النووي في مجالات البحوث والتطوير والمنشآت، وكذلك بسبب التشكيك في مصداقية إيران والتزامها ببنود الاتفاق المرحلي الموقع مع القوى الكبرى وخاصة تلك النقطة المتعلقة بسماح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بحق القيام بعمليات تفتيش مفاجئة واقتحامية لجميع المنشآت النووية والمنتجات والمخططات والسجلات الإيرانية. ومن هنا يمكن القول أن أي تسوية للملف النووي الإيراني قد تستغرق فترة أخرى من ستة أشهر وحتى عام، بعد حسابات المصالح الأستراتيجية لكل الأطراف، ليس فقط الإقليمية بل أيضا العالمية، لذلك فمجموعة "5+1" لابد أن تكون مستعدة لجولة من المفاوضات خلال النصف الثاني من عام 2014.