في ليلة باردة من ليالي عاصمة الامبراطورية البريطانية عام1922 اجتمع وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل( رئيس وزراء بريطانيا لاحقا) مع مساعديه لرسم خريطة جديدة للمنطقة تناسب الامبراطورية البريطانية بعد انتهاء الحرب العالمية( الأولي) وبعد الانتهاء من الاجتماع سأل تشرشل مساعديه: هل أهل الشرق الأوسط راغبون أو قادرون علي الاستمرار في العيش معا وفق هذا التصور( الخريطة الجديدة) الذي تضمن وضع حدود سياسية بين الدول العربية واقتطاع أراض وضم أخري, وانشاء كيانات عربية جديدة( امارة شرق الأردن) وغير عربية( اسرائيل) ؟! وبصرف النظر عن اجابة مساعدي تشرشل علي السؤال فقد أجاب العرب عليه.. لقد تكيفوا!؟ يواجه العرب خطة تشرشلية جديدة.. أمريكية هذه المرة فقد باتت فكرة تقسيم العراق قريبة من بوابة الفيدرالية وتحت عناوين براقة مثل التوزيع العادل للثروة النفطية. وتروج مراكز بحوث ودراسات استراتيجية أمريكية قريبة من الادارة صراحة الآن لفكرة تقسيم العراق بزعم أن ذلك سيساهم في جعل العراق اكثر أمنا واستقرارا ومن بينها مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز الذي يدعو في دراسة أعدها ادوارد جوزيف وميشيل هانلون الي تقسيم العراق الي ثلاث دويلات كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب يكون لدي كل منها مسئولية كاملة عن الحكم والأرض. ويعتبر التقرير تقسيم العراق سيعد مقبولا بمقارنة ذلك بالوضع الحالي والحرب الأهلية والطائفية المستمرة حاليا فيه وفي ضوء فشل جهود المصالحة الوطنية في العراق.. ويري التقرير أنه ازاء النتائج المحتملة للانسحاب الأمريكي من العراق فان التقسيم- حسب التقرير- هو الحل الوحيد لتحقيق المصالح الأمريكية وتجنب انفجار حرب أهلية ويضم التقرير خرائط تقسيم البلاد والعباد والثروة. وتأتي خطط تقسيم العراق في اطار تداعيات النظام أحادي القطبية بانهيار الاتحاد السوفيتي بنهاية عام1991 ورسم الولاياتالمتحدة خريطة جديدة للعالم والشرق الأوسط بدأت بتلاشي الصومال من علي الخريطة مرورا بتجميد عملية السلام ونصح المحافظين الجدد لرئيس وزراء اسرائيل السابق نيتانياهو بعدم تنفيذ الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني وليس انتهاء لغزو العراق وباثارة النزاعات في جنوب السودان ودارفور وفي لبنان وعزل سوريا والتصعيد ضد ايران. ورافق ذلك مشاريع عسكرة الشرق الأوسط وطرح دور لقوات دولية تحت قيادة أمريكية لحلف الأطلسي( الناتو) في حفظ الأمن في أفغانستان والسودان ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة والأوروبيون ليسوا بعيدين عن الخريطة الأمريكيةالجديدة. وقد كشف وزير خارجية ألمانيا السابق يوشكا فيشر في كتابه مقبض القوة أن الادارة الأمريكية ترسم خريطة سياسية وثقافية جديدة للشرق الأوسط واعتبر ماسمي مشروع الشرق الأوسط مقدمة ويؤكد أن الأوروبيين علي الخط مع الأمريكيين وأن الاختلاف هو في التفاصيل ومن ثم لايناويء الأوروبيون الخطط الأمريكية بل يدعو فيشر الي استراتيجية أمريكية أوروبية مشتركة تحاول أن تجد حلولا لمشاكل المنطقة خاصة النزاع العربي, الاسرائيلي كخطوة أولي علي طريق عملية اعادة تشكيل المنطقة وتشجيع ودعم التحول الديمقراطي في دولها. فبينما كانت اتفاقية سايكس- بيكو عام1916 اتفاقية بين أكبر قوتين استعماريتين وقتها لتقسيم مناطق النفوذ والمستعمرات فان الولاياتالمتحدة وبرغم كونها القوة العظمي الوحيدة الآن في العالم حرصت علي أن تشرك الأوروبيين والدول الصناعية الكبري في تنفيذ مشروعها لتجنب أي معارضة, وتجلي ذلك في عرض الادارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير علي الدول الصناعية الثماني الكبري في قمة سي ايلاند عام2004 حيث حظي المشروع بدعم الدول السبع الأخري. وتجدر الاشارة الي أن سايكس بيكو وضعت حدودا سياسية وادارية بين ولايات الخلافة العثمانية العربية والاسلامية قسمت الطوائف والثروة ووضعت بذور نزاعات حدودية وزرعت وسطها دولة يهودية بعد قمة سي ايلاند وفي فبراير2005 خلال مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية بحثت الادارة الأمريكية مع الأوروبيين دور حلف شمال الأطلسي( الناتو) في عملية السلام في الشرق الأوسط. وفي الحادي والعشرين من نفس الشهر شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل القمة الأمريكية الفرنسية حيث أعلن عن الشر اكة الأمريكية الأوروبية الجديدة, وفي أعقابها أدركت فرنسا أنها أخطأت بعدم تأييد غزو العراق2003 فباعت سوريا للولايات المتحدة وبدأ مخطط استهدافها انطلاقا من لبنان. وفي القمة الأمريكية الأوروبية في يونيو عام2005 بواشنطن أعلن الطرفان تبنيهما برامج لتشجيع ودعم الديمقراطية في المنطقة؟ وليس صحيحا أن أحداث11 سبتمبر2001 كانت وراء التفكير الأمريكي في اعادة صياغة الشرق الأوسط فلم تكن تلك الأحداث سوي اللحظة المناسبة التي وفرتها الأقدار للانطلاق نحو التنفيد بغزو العراق وطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والترويج لأن عرب ومسلمي هذه المنطقة يتحملون مسئولية مشاكل العالم( الارهاب). لاتعكس تصريحات القيادات والمسئولين احساسا بوجود تحديات وتهديدات تواجه وجود دولهم ومستقبلها.. فقط بيانات أكاديمية الطابع مثل الحديث عن أن هذا المشروع أو ذاك تهديد للهوية دون طرح رؤية واستراتيجية للتعامل مع هذا التهديد, أما ايران فقد طرحت مشروعا اسمه الشرق الأوسط الاسلامي وتسعي الي تشكيل مايسمي ب جبهة موحدة في مواجهة التهديدات الخارجية وهو طرح عاطفي يدخل المنطقة في حروب أهلية علي نحو ما شهده قطاع غزة مؤخرا من اقتتال بين حركة فتح وحركة المقاومة الاسلامية(حماس). ولاتعارض الدول العربية الفيدرالية الباب الملكي لتقسيم العراق وتورطت بعضها في التعامل الطائفي مع العراق بادعاء حماية السنة, أما أهل العراق فهم يسهلون التقسيم حيث التعامل مع القضايا الداخلية يتم علي أساس عرقي( عربي كردي تركماني آشوري) وطائفي( سني شيعي مسيحي) كما تعاملوا مع توزيع المناصب علي هذا الأساس( رئيس كردي سني ورئيس وزراء عربي شيعي ورئيس برلمان عربي سني). يبدو أن الرئيس الأمريكي جورج بوش وادارته والمحافظين الجدد من الثورانيين ليسوا في حاجة الي الاهتمام برد الفعل العربي علي خريطة جديدة للمنطقة بل ربما ليسوا في حاجة اصلا الي طرح سؤال كهذا! فقد ساعدهم بعض العرب أساسا في اتمام غزو العراق بنجاح.