طلاب جامعة الإسكندرية في أول ماراثون رياضي صيفي    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    سعر الذهب اليوم الأربعاء 22 مايو 2024 وأخبار السوق العالمي    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس مياه القناة: استخراج جذور الأشجار من مواسير قرية الأبطال وتطهير الشبكات    عاجل| حماس: إعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين خطوة مهمة    لقاءات على هامش القمة    الصحة العالمية: ثلثا مستشفيات غزة خارج الخدمة بسبب العمليات العسكرية    الشهادة الإعدادية 2024.. فرحة بين الطلاب بختام ماراثون الامتحانات في القاهرة    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حريق داخل وحدة سكنية في بورفؤاد    «نقل النواب» تناقش موازنة سكك حديد مصر.. و«الإقتصادية» تفتح ملف «قناة السويس»    خامنئى يصلى على جثمان الرئيس الإيرانى الراحل والوفد المرافق له    "يريد اقتسامها مع منافسيه".. جوارديولا يحصد جائزة مدرب الموسم في الدوري الإنجليزي    لمواليد 22 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    اتفاق على عقد منتدى السياحة الأفريقية بشرم الشيخ «سنويًا»    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    خبيرة تغذية تنصح بعدم شرب الماء بعد الوجبات مباشرة    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر.. ورفع درجة الاستعداد بميناء نويبع البحري لبدء موسم الحج البري    جامعة عين شمس تحصد 3 جوائز لأفضل رسائل ماجستير ودكتوراه    إسبانيا تلحق بالنرويج وأيرلندا وتعترف بالدولة الفلسطينية    فصائل فلسطينية: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوب شرق مدينة رفح    على البساط الوردى «فرانكلين» و«دوجلاس» فى كان!    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    مواعيد مباريات الأربعاء 22 مايو - نهائي الدوري الأوروبي.. ودورة الترقي    اليوم.. انطلاق الدورة الرباعية المؤهلة إلي الدوري الممتاز    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    حملة لإزالة مزرعة العاشر للإنتاج الحيوانى والداجنى وتربية الخيول والنعام فى الشرقية    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    النقض تنظر طعن "سفاح الإسماعيلية" على حكم إعدامه.. اليوم    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    مبلغ صادم.. كم بلغ سعر إطلالة ماجي زوجة محمد صلاح؟    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    «نادٍ صعب».. جوميز يكشف ماذا قال له فيريرا بعد توليه تدريب الزمالك    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    67.7 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرق الأوسط ضحية الحرب الباردة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 24 - 03 - 2010

أتمني علي القارئ الكريم أن يسمح لي بتحليل جذور الصراع الدولي علي منطقة الشرق الأوسط، منطلقا من "نص" ردده الاستاذ هيكل لأكثر من مرة، لنقف علي حقائق الصراع من خلال مركزية القاهرة في بداية الامر، ثم انتقالها إلي بغداد بعد ذلك، خصوصا عندما أكد هيكل أن سنة 1955 هي أخطر سنة مرّت في الخمسينيات من القرن العشرين..
وكنت أتمني عليه مخلصا، أن يعطي لكل ذي حق حقّه تاريخيا، ذلك أن العروض الأمريكية كما سنري من خلال ما سأقدمه من تفاصيل قد عرضت علي أقطاب النظام الملكي القديم في مصر منذ مطلع الخمسينيات، ولكن مصر رفضت رفضا قاطعا شراكتها ضمن منظومة الدفاع، كما رفضت أي مساومات بشأن إجلاء الانجليز عن قناة السويس لقاء ثمن استقطابها لنظام دفاعي أمريكي عن الشرق الاوسط.. كنت أتمني علي الاستاذ هيكل أن يتوغل في الموضوع عميقا، ويتأمل فيه طويلا كي ينصف رجالات مصر الوطنيين الذين لم يفرطوا بالمصالح المصرية العليا، وأن يتكلم عنهم طويلا بحيث لا يجعل عام 1955 عقدة تاريخية يتزعمها بطل معين أو زعيم واحد!
كنت اتمني عليه أن يقف وقفة مطولة أيضا إزاء الرئيس محمد نجيب، لينصف دوره الذي رفض فيه اي مساومة من أجل خروج الانجليز ودخول الأمريكان.. كنت أتمني عليه أن يقف وقفة تحليلية مقارنة ليري متسائلا: هل كانت مصر بالذات مهددة من قبل السوفييت حتي تقبل بالمشروعات الأمريكية؟ وهل كانت حسابات مصر ومشكلاتها تماثل حسابات العراق ومشكلاته مثلا؟ وما الفرق بين الحزام الشمالي للشرق الأوسط والمجاور للاتحاد السوفيتي، والمحادد له، وبين الحزام الجنوبي للمنطقة والذي تعتبر مصر علي رأسه؟
هل بدأت المعركة الخاسرة عام 1952؟
لقد بدأت المعركة منذ العام 1952، وليس اثر العام 1956 .. أي بعد انتصار الضباط الأحرار في مصر بانقلابهم العسكري ضد الملك فاروق.. وبدأ افتراق كبير بين عاصمتين وصفها هيكل بالمعركة التي اعترف اليوم أنها (خاسرة)، بل اعترف هيكل أيضا بتراجعه عن فهم سياسات باشا العراق نوري السعيد، بعد أن اشتد الغلو والحقد بين نظامين عربيين: نظام ملكي عراقي ونظام جمهوري مصري وشهدت المرحلة 1952 و 1958 أعتي حرب عربية باردة بين النظامين..
وحتي بعد انتصار عبدالناصر بإزالة الضباط الأحرار في العراق للنظام الملكي، لم يكن شهر العسل طويلا، إذ سرعان ما اشتعلت حرب الاذاعات والخطابات والأغنيات الحماسية بين العاصمتين، وبين نظامين سميا نفسيهما بالثوريين.
إن هيكل عندما يعترف اليوم بالخسارة، لا يعترف بالاسباب الحقيقية التي قادت إلي الكارثة.. إن هيكل الذي يأتي اليوم ليقول إنه الآن فقط فهم سياسات نوري السعيد.. وكأنه يقول إن عبدالناصر كان علي خطأ، كونه لم يدرك تلك السياسات، أو أنه أراد أن يؤسس له مجدا علي حساب الأمة العربية التي توضح للجميع أنها كانت ولم تزل تعيش علي وهم الوحدة الطوباوية أو الوحدة الفورية وكلنا عاش رومانسية الشعارات وضجيج الخطابات وهياج الشوارع وتفاهة البيانات.. تلك التي اودت كلها بمصيرنا يا هيكل..
تعترف اليوم بالخسارة من دون أن تعلن عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء تشتتنا وبعثرتنا وانتكاساتنا وهزائمنا! تعترف اليوم بالخسارة، وكأن السياسات الهوجاء لم تفعل فعلها في تلك الملايين التي أبقيتموها تعيش علي الاوهام حتي يومنا هذا! تعترف بالخسارة ياهيكل وانت تدرك جيداً مدي المجازفة في الوقوف حيال السياسات الدولية ونحن نعتمد جميعنا علي أن يسلحنا الآخرون، ويلعب بمواردنا كل الآخرين! تعترف اليوم بالخسارة يا هيكل وانت تدرك جيدا قبل أي شخص آخر، أن كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في منطقتنا بعد الحرب الثانية كانت من ورائها خطط خارجية ومؤامرات القوي الجديدة في العالم!
من لحظة أمل إلي لحظة بؤس
تعترف بالخسارة اليوم يا هيكل وقد أدركت الآن جيداً من الذي كان صاحب سياسات واقعية، ومن الذي كان صاحب سياسات خيالية! اليوم فقط أجدك تقول:
"بعد 55 سنة.. خسرنا المعركة ووصلنا من لحظة أمل إلي لحظة بائسة.. وإن لم تكن يائسة في العام المتفرد 1955 دعا جمال عبدالناصر لعقد مؤتمر لرؤساء الحكومات العربية.. وخرجت منه الدول العربية بين مجموعتين: الأولي تؤيد رؤية العراق ونوري السعيد حول ضرورة تكوين حلف بغداد لمواجهة الاتحاد السوفيتي... والثانية مع مصر وجمال عبدالناصر تتحدث عن ميثاق الضمان الاجتماعي والدفاع العربي المشترك في مواجهة إسرائيل" (نص هيكل).
قبل ان اناقش هذا "النص"، لابد لنا أن ندرك أولويات التدخل الامريكي في الشرق الاوسط بعد اتساع المصالح الأمريكية مع انتهاء الحرب الثانية، ولكي تملأ الفراغ الذي أحدثه تراجع بريطانيا عن قوتها الرئيسية في الشرق الأوسط. وطرحت الولايات المتحدة الأمريكية، صراحة، موضوع إعادة توزيع ثروات العالم، وفي مقدمتها نفط الشرق الاوسط، علي أكثر أكثر توازنا بحيث أرسل الرئيس الامريكي روزفلت خطابا إلي السير ونستون تشرشل قال فيه: "لا أخفي عليك، أن الظروف المتغيرة في العالم، أصبحت تفرض علي الجميع ميزانا جديدا، للعمل في توزيع الموارد الطبيعية". وكنت أتمني علي هيكل أن يراجع تفاصيل اصول الصراع، والبحث في جذوره ويراقب مواقف مصر من التدخلات ليس بعد العام 1952، بل قبل ذلك.
أيضا، أطالبه بمحاولة هادئة للإجابة عن التساؤل القائل: هل الازمة تنحصر في العام 1955 فقط؟ أم أن لها جذورها الممتدة إلي العهد الملكي؟ وما علاقة التحول الذي حدث في مصر بين عامي 1952 و 1954 من متغيرات ضمن تلك الصفقة التاريخية التي كانت تقودها الولايات المتحدة الأمريكية التي حلت في الفراغ الذي تركته بريطانيا؟ إن محمد حسنين هيكل لن يجيب أبدا عن مثل هذه الأسئلة كونه إن أجاب، فسيعلن عن "حقائق" تاريخية، لا يريد أن يعلم بها الناس! إنه لا يريد أن يقول إن مصر كانت قد تعرّضت للتحديات قبل متغيرات العام 1952! إنه لا يريد أن يقول إن ثمة من وقف ضد المشروعات الامريكية من الساسة المصريين الوطنيين القدماء! إنه لا يعتمد الوثائق الامريكية التي أفرج عنها منذ سنوات، ولو كان يعتمد عليها، لأفصح عن مواقف جوهرية لم يعلم بها أحد اليوم! إنه لو اعتمد تلك الوثائق حقا، لتوضّحت للعالم حقائق لا يريد ان يعلمها أحد! إنه إن أراد أن يدقق لما كان عام 1955، لرجع قليلا إلي الوراء، كأي مؤرخ محترف كي يعالج جذور المشكلة لما قبل أحداث العام 1955! من دون أن يقتصر علي عظمتها، بل اعتبارها حصيلة صراع دولي قوي.
درس في الجذور التاريخية
1 / التسرب الأمريكي للشرق الأوسط
يرجع التسرب الامريكي لمنطقة الشرق الأوسط الي ثلاث سنوات سبقت العام 1947، بمشاركة بريطانيا في المسئوليات الدفاعية ضد التوسع السوفيتي الذي بدا نفوذه قويا إثر انتهاء الحرب مباشرة، خصوصا باتجاه المياه الدافئة. إن المفاوضات البريطانية مع العرب والصهاينة قد توقفت، كي يحال الملف الفلسطيني إلي الأمم المتحدة. هنا تبدأ أول أزمة في منطقة الشرق الأوسط، بدا واضحا حجم التدخل الامريكي فيها ! في مارس 1947 أعلن الرئيس هاري ترومان برنامجه الذي سمي ب (مبدأ ترومان) بهدف مزدوج، أولهما مواجهة التهديدات السوفيتية المباشرة لكل من تركيا واليونان بالمعونات العسكرية والاقتصادية، وثانيهما يدعو الي محاصرة التوسعات الشيوعية، في أي مكان من العالم! إن دبلوماسية الحرب الباردة بدأت تتصاعد بقوة، فأصبح الوجود الغربي ممثلا بأمريكا وبريطانيا في قناة السويس خطاً أحمر لا يمكن التفريط به أبدا.. ولكن ستكون قاعدة السويس تشكّل عبئا ثقيلا ليس علي البريطانيين، بل علي الأمريكان أيضا، وستفسد المصالح العربية الغربية! لقد لعب لوي هندرسون، مدير إدارة الشرق الأدني في الخارجية الأمريكية دوراً كبيراً عام 1947، إذ اغتنم الفرص كي يستخدم المشكلات البريطانية لصالح الامريكان..
وكان يقلقه الوجود البريطاني في مصر ومشكلاته إلي جانب مشكلات الوجود الصهيوني في فلسطين.. ولقد نجح في إقرار استقرار سياسي محلي كأمر ممكن، ولكن بقاء بريطانيا محتفظة بقاعدة عمليات استراتيجية شرق المتوسط سيحول دون توطيد العلاقة العربية - الامريكية لعدة سنوات.. وعليه، فإن الهدف كان يؤشر إلي انسحاب القوات البريطانية من مصر انسحابا غير مشروط، وفي موعد محدد! هنا لجأت الولايات المتحدة لتطبيق استراتيجية تركز علي تكوين أحلاف عسكرية لتشكيل حزام آمن ضد التوسع السوفيتي أولا، ومن ثم إقرار مبدأ ترومان ثانيا.
2 / ولادة حلف الأطلسي وحلف وارسو
يمكننا القول إن الطرفين قد بدآ التحرك نحو الأحلاف الدولية، إذ انشأت موسكو مكتب الاستعلامات الشيوعي: (الكومينفورم)، وهو المكتب الذي فرضه ستالين ليبسط سيطرته علي دول اوروبا الشرقية، وأيضا علي الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية وبقية أنحاء العالم. كان كل من مشروعي مارشال الامريكي والكومينفورم السوفيتي سببا أساسياً في تقسيم أوروبا، الي معسكرين متصارعين.. ثم تبلورت أول خطوة لانقسام العالم بولادة أو تأسيس حلف شمال الاطلسي في 4 أبريل 1949، متكونا من الولايات المتحدة الامريكية، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورج، والنرويج، والدنمارك، وأيسلندا، وايطاليا، والبرتغال .
وأعقب توقيع حلف شمالي الاطلسي، التوقيع علي اتفاقيات ثنائية مع اليابان 1950، والفلبين 1951، وكوريا 1953، والصين الوطنية 1954، واستراليا ونيوزيلندا 1951، واتفاقية دفاع مشترك مع كل من ايران وتركيا وباكستان 1959 وغيرها. بعد هذا كله، وجد الاتحاد السوفيتي نفسه ملزما بإلغاء المعاهدات القديمة مع بريطانيا 1942، ومع فرنسا 1944، لينبثق بين 11 و 14 مايو 1955 في مؤتمر وارشو العاصمة البولونية، حلف ضم دول الكتلة الاشتراكية الشرقية، وهي: الاتحاد السوفيتي، وبولونيا، وتشيكوسلو فاكيا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبلغاريا، وألبانيا، وهنغاريا .. وصدر من بعده اتفاق تعاون ومساعدات متبادلة مع توحيد القيادة العسكرية بين تلك الدول هكذا تشكّل حلف وارسو الذي يمثل الكتلة الشيوعية قبل تكوين حلف شمال الاطلسي الذي يمّثل الكتلة الغربية.
3 / مصر وبدايات الصراع
دخلت مصر في مفاوضات مع الإنجليز بداية عام 1950 علي يد حزب الوفد الحاكم، والذي أخذ موقفا صلبا، فهو يطلب الجلاء وهم يريدون الدفاع المشترك، فتعثرت المفاوضات.. بدأت هناك عمليات مسلحة متفرقة مصرية عند القنال ضد قوات الاحتلال.. وكانت الولايات المتحدة قد دخلت علي الخط للحد من الخطة البريطانية الكبيرة ضد مصر والتي سميت ب»روديو RODEO« هنا، سيبدأ ومنذ هذه اللحظة التاريخية فصل جديد من العلاقات، إذ أرسلت الحكومة الامريكية إلي مصر وكيل وزارة خارجيتها، روبرت ماكجي، في مهمة الي القاهرة، وبتفويض سياسي واسع، ولكنه لم يصل إلي أي نتيجة أو إلي أي شيء محدد. لقد كان التدخل الامريكي سابقا ولاحقا قد أثار الشكوي لدي البريطانيين الذين شعروا أن ثمة لعبة مزدوجة يمارسها الأمريكان في مصر.. وبإغراء من المصريين! لقد كتب هربرت موريسون، وزير الخارجية البريطاني، خطابا شديد اللهجة، الي نظيره الامريكي، دين أتشيسون، يتهم فيه الولايات المتحدة الامريكية بكل صراحة.. إنها تتخذ لها سياسات في مصر، تساعد علي تأزيم الموقف دون أن تكون مساعده في حله.. وإنها تكرر المنطق نفسه الذي اتبعته في إيران! إن الرسالة طويلة، وفيها إشارات خطيرة حول خلاف الحليفين علي مصر حتي يقول له بالنص: "إن مصر، ليست، ولن تكون أبداً قادرة علي الدفاع عن نفسها، ضد عدوان من قبل دولة كبري، وقد رأينا ذلك في الحرب الأخيرة، ولاشك أننا سنراه، مرة أخري، إذا نشبت حرب جديدة. ولكن مصر، ليست مهمة لذاتها فقط، وإنما لكونها، كذلك، العنصر الرئيسي في الدفاع عن الشرق الاوسط كله، ولا أود أن أذكرك، مرة أخري، بأهمية الشرق الأوسط في الدفاع عن العالم الحر " (انتهي نص الرسالة). ما نتائج ذلك؟
لقد توضح اليوم وبعد مرور أكثر من نصف قرن علي تلك الأحداث المصيرية، حجم التسلل الامريكي عند مطلع الخمسينيات، وأن الولايات المتحدة مقبلة علي ممارسة دور امبراطوري جديد، وهي مصممة لملء الفراغ الذي ستتركه بريطانيا، وأنها الوريثة الوحيدة لممتلكات الامبراطورية العجوز في المنطقة، وأهم عنصرين أساسيين: المصالح النفطية من خلال الامتيازات أولا، والسيطرة علي القواعد والاجواء والبحار ثانيا. كان السوفييت قد انشغلوا بعد الحرب لإعادة بناء ليس بلادهم التي تأثرت بالحرب، بل لمنظومتهم في أوروبا الشرقية، فاكتفوا بدور المراقب.
مصر تقرع ناقوس الخطر
في يوم 8 أكتوبر 1951، أعلن النحاس باشا رئيس وزراء مصر إلغاء معاهدة 1936 مع اتفاقيتي 1899 بشأن إدارة السودان، وذلك أمام مجلسي النواب والشيوخ بالبرلمان المصري، وقدم له مراسيم بمشروعات قوانين تتضمن ذلك الإلغاء. فماذا كان موقف بريطانيا حيال ذلك؟ أعلنت تمسكها بالمعاهدة، وهدد موريسون وزير خارجيتها بأن بريطانيا ستقابل القوة بالقوة، إذا اقتضي الأمر من أجل ابقاء قواتها في منطقة قناة السويس، وأن بريطانيا لم تذعن لما تريده مصر! وكان ذلك منطق حكومة العمال أو منطق زعيم المحافظين السير ونستون تشرشل الذي وصف الإجراءات المصرية بالضربة الأشد خطراً والأكثر مهانة للكرامة! فماذا حدث؟
اتفقت حكومات الدول الأربع: بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وتركيا، إثر إلغاء مصر معاهدة 1936، والتقدّم مجتمعة، بمقترحات إلي الحكومة المصرية، وهي تمثّل بديلا عن هذه المعاهدة. وتتضمن المقترحات: قبول مصر الدفاع المشترك مع الدول الأربع، وأن قوات دولية تناط بها حماية القنال حتي في وقت السلم، وأن يستمر حكم بريطانيا للسودان، مع إنشاء رقابة دولية، لا تحد من سيطرة الإنجليز عليه، وجعل علاقة البلدين مصر والسودان مجرد علاقة مائية. معني ذلك استبدال معاهدة بأخري.. وقد قدمت هذه المقترحات إلي الحكومة المصرية يوم 13 أكتوبر 1951 من قبل سفراء الدول الأربع ومقابلتهم علي انفراد مع وزير الخارجية المصري الدكتور محمد صلاح الدين الذي أصّر علي مقابلتهم وإياه منفردين، فانفرد السفير البريطاني بعرض المقترحات مكتوبة، ومن ثم أيدها السفراء الآخرون.
مصر الملكية ترفض المشروع الأمريكي
اجتمع مجلس الوزراء المصري يوم 14 أكتوبر 1951 في بولكلي، للنظر في المقترحات، ودعوة مصر المشاركة في منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، وقرر رفض المقترحات من أساسها، وقال إنها غير صالحة، وقرر رفضها، وأنه يستمر في إلغاء معاهدة 1936، وأعلن فؤاد سراج الدين وزير الداخلية والمالية المصري، وقتئذ، ذلك القرار في مجلس النواب إبان اجتماعه في 15 اكتوبر 1951 .
أقر البرلمان المصري تشريعات إلغاء معاهدة 1936، ووافق عليها، ونشرت بالجريدة الرسمية.. وحددت الحكومة الموقف من بريطانيا ومصر والسودان، ولم تعد مصر ملزمة بالصداقة والتحالف مع بريطانيا، وأن وجود أي قوات بريطانية علي أي شبر من التراب المصري يعد عملا ضد إرادة الشعب والبرلمان والحكومة، فهو إذن احتلال بالقوة والإكراه كونه غير مشروع، فضلا عن إنهاء وجود الإدارة المؤقتة في السودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.