شقق التضامن الاجتماعي.. تفاصيل تسليم 1023 وحدة سكنية ب 400 مليون جنيه    بعد نجاحه بمصر.. الزراعة تكشف استخدامات نبات الكاسافا بديل القمح    «حياة كريمة»: توزيع 10 آلاف وجبة ساخنة على الأولى بالرعاية    ب«صواريخ 107».. استهداف تجمعات لقوات إسرائيلية جنوب حي الزيتون    خبير تحكيمي يفجر مفاجأة بشأن ركلة جزاء الزمالك: يجب إعادتها والكرة لم تتخطى المرمى    مدفعناش للجماهير.. آل شيخ يكشف أسرار تواصله الأخير مع الخطيب    الحج السياحي: التعامل مع شكاوى بعض الحجاج بمخيمات منى وعرفات    سرادقات عزاء في عدة مراكز.. المنيا تسجل 6 حالات وفاة اثناء أداء مناسك الحج (صور)    خلال جولتها في أمريكا وكندا.. روبي تحيي الحفلة الثالثة بواشنطن 21 يونيو    الخارجية الأمريكية: نعمل مع مصر وإسرائيل على إعادة فتح معبر رفح    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    سقوط كتل خرسانية كبيرة من عقار بمنطقة طه الحكيم بطنطا.. صور    أبرزهم خالد زكي وحمدي حافظ.. شائعات الوفاة تطارد كبار نجوم الفن    «حياة كريمة» تعيد الابتسامة على وجه بائع غزل البنات.. ما القصة؟    الخارجية الأمريكية: 9 كيانات مقرها في الصين سهلت حصول الحوثيين على أسلحة    فسحة ب 5 جنيه.. زحام شديد بحدائق القناطر الخيرية في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    9 سيارات كسح لشفط المياه.. استمرار العمل على إصلاح كسر خط رئيسي بأسيوط    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بختام ثاني أيام العيد الاثنين 17 يونيو 2024    ذكرى رحيل إمام الدعاة    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    "على نفقته الخاصة".. طلب عاجل من الأهلي بشأن مواجهة الزمالك    انتبه- 3 روائح يصدرها جسمك عند الإفراط في لحم العيد    بترا: الأردن يثمن تنظيم مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا ويرفض الانضمام للبيان الختامى    رئيس وزراء الهند يهنئ الرئيس السيسي: عيد الأضحى يذكر بقيم التضحية والرحمة    ثاني أيام عيد الأضحى.. استمرار انقطاع المياه بالفيوم    أيمن الرقب يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    ستولتنبرج: نصف الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي يذهب إلى الولايات المتحدة    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    حمامات السباحة بالقليوبية تشهد إقبالا كبيرا في ثانى أيام عيد الأضحى    البابا تواضروس يستقبل عددًا من الأساقفة    مرض العصر.. فنانون رحلوا بسبب السرطان آخرهم الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    أسماء 23 مصابا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة قمامة على صحراوي الإسكندرية    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    محمود الليثي ينهار من البكاء في أول تعليق له بعد وفاة والدته    لبيك اللهم لبيك    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    القبض على شخص بحوزته أقراص مخدرة بالخصوص    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    بيلينجهام: ألعب بلا خوف مع إنجلترا.. وعانينا أمام صربيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصية غير مستقرة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 13 - 10 - 2009


استئذان بالانصراف.. لا معني له!
يقول محمد حسنين هيكل في مقدمة استئذانه بالانصراف: "لقد كان يرد علي بالي منذ سنوات أن الوقت يقترب من لحظة يمكن فيها لمحارب قديم أن يستأذن في الانصراف، وظني أن هذه اللحظة حل موعدها بالنسبة لي، ففي يوم من أيام هذا الشهر (سبتمبر 2003) استوفيت عامي الثمانين وذلك قول شهادة الميلاد وهو دقيق يومئ بحمد الله إلي عمر طويل مديد لكن هناك مع ذلك قولا آخر أكثر صوابا هو حساب زمان العمل علي مساحة العمر، والحقيقة أنه في حالتي تواصل دون انقطاع لأكثر من ستين سنة (قرابة اثنتين وستين) لأن تجربتي معه بدأت بالتحديد يوم 8 فبراير 1942 حين رأي أستاذنا في مادة جمع الأخبار أن يعرض علي أربعة من تلاميذه (تكرمت المقادير وكنت أحدهم) فرصة التدريب العملي تحت إشرافه في جريدة الإجيبشيان جازيت وهو يومها مدير تحريرها، وهي وقتها وبسبب ظروف الحرب وزحام الجيوش أوسع الجرائد الصادرة في مصر انتشارا (رغم لغتها الإنجليزية).
وكانت فكرة هذا الأستاذ وهو (سكوت واطسن) أن التدريب العملي يعطي تلاميذه إمكانية الجمع بين الدراسة والممارسة وذلك تأهيل ناجز ونافع. وكان الرجل خبيراً عارفا، فقد كان قبل التدريس مراسلاً صحفيا غطي الحرب الأهلية في إسبانيا. وفي تلك المهمة زامل أسماء علت ولمعت في آفاق النجوم (من طراز أرنست همنغواي وجورج أورويل وآرثر كوستلر وأندريه مالرو وغيرهم) ولم نكن وقتها ندرك ما فيه الكفاية عن هؤلاء الرجال ولا عن المعركة الإنسانية الكبري التي نبهوا العالم إليها خبرا ورأيا، لكن شخصية أستاذنا وما تميزت به من الحماسة المشبوبة بالنار تكفلت بتعويض النقص في معارفنا حتي أتيح لنا فيما بعد أن نستوعب تلك الرابطة الدقيقة العميقة بين الحرف والموقف". انتهي كلام هيكل
إننا نعرف بأن جريدة الايجيبشيان جازيت هي أقدم صحيفة تصدر بالإنجليزية في الشرق الاوسط منذ العام 1880، وكانت قد تأسست علي يد خمسة رجال، ومنهم محررها أندرو فيليب وموبرلي بيل الذي اصبح بعد ذلك محررا للتايمز اللندنية، وقبيل اندلاع الحرب الثانية، انتقلت ملكية الجريدة إلي رجل الاعمال البريطاني الغني المستر اوزوالد فيني، ولكن ما يذكره هيكل عن استاذه الذي سماه سكوت واطسن محرر هذه الجريدة في الاربعينيات.. وقد جعل اسمه عالميا في مصاف آفاق النجوم من طراز أدباء عمالقة، من دون أن يعطينا أي فكرة عنه أو عن سيرته.. لقد تعبت جداً وأنا أبحث عن سكوت واطسن، ولقد وجدت العشرات من الاسماء تحت هذا العنوان، ولكنني لم أجد صحفيا عالميا اسمه سكوت واطسن وهو يلمع في آفاق النجوم !! إنني أستميح هيكل وأسألة أن يعطينا نبذة عن حياة سكوت واطسن في مصر وما هي جنسيته؟ ومتي جاء وغادر مصر؟ وإلي أي مصدر أو مرجع يمكننا أن نجد ضالتنا عنه؟ كنت أتمني أن أجد شيئا عن هذه الشخصية وهي تحرر صحيفة مصرية بالانجليزية إبان الحرب الثانية.. فلم أجد! فإن وجدنا شيئا عنه، فيكون باستطاعتنا القول إن هيكل قد تعلم من سكوت واطسن.. وإن لم نجد، فإن واطسن سيغدو وهما من الأوهام أيضا!
ويستطرد هيكل قائلا: "وكان تقديري أن أي حياة عمراً وعملا لها فترة صلاحية بدنية وعقلية وأنه من الصواب أن يقر كل إنسان بهذه الحقيقة ويعطيها بالحس قبل النص واجبها واحترامها، ثم إنه من اللائق أن يجيء مثل هذا الإقرار قبولا ورضا وليس إكراها وقسرا، كما يستحسن أن يتوافق مع أوانه فلا ينتظر المعني به حتي تتطوع مصارحة مخلصة أو تداري مجاملة مشفقة لأن انتظار المصارحة مؤلم وغطاء المجاملة مهين".
وكان هيكل يفكّر بطريقة جيدة قبل سنوات من اليوم إن لكل انسان فترة صلاحية بدنية وعقلية.. ولكنه لم تمض أيام علي اسئذانه الشهير ذاك، إلا وقد عاد من جديد متحديا نفسه ومخالفا لما قاله هو نفسه.. لنستمع إليه يقول: "وكان جوابي مقدراً وليس معانداً أن عدد السنين حقيقة حساب ودوران أي عجلة طوال الوقت طاقة مستنفدة مؤثرة علي صلب معدنها ذاته ولو تعطل الناس مع حاصل الجمع أو تمنوا لو تتحمل المعادن إلي الأبد فذلك ليس من شأنه إلغاء قواعد الحساب أو تعطيل قوانين إجهاد المواد واستهلاكها".
الأفكار غير المترابطة عن دور القاهرة التاريخي وفكرة الجامع المشترك
دعوني أعلم القارئ الكريم، بأن من الاساسيات الممتعة في كتاباتي أن أقف وأنا اقرأ ما قاله هيكل مباشرة لقناة الجزيرة.. علي "نصوص" مشّوهة أو أفكار معطبة أو إنشائيات كلام غير مترابط البتة.. كي اعالجه معالجة نقدية جذرية تتجاوز منهج التحليل إلي آليات التفكيك.. فمثل هكذا "نصوص" وخصوصا في كتابة التاريخ أو إطلاق أحكام فيه وعلي نسق متضارب لا يعرف أوله من آخره.. انما هي فرصة لكل الباحثين والكتاب العرب أن يجدوا في "نماذج" مشوهة كهذه سبيلا لمعرفة الصواب وادراك الخطأ الذي يتعاطاه أحد سدنة الصحافة العربية والذي يعتبره البعض من عشاقه عميداً لها.. فضلا عن أن تصويب التاريخ المشوه أو النصوص العاطلة إذ يعطي للاجيال من بعدنا حكمها علينا، وعلي تفسيرها لأوضاعنا المعاصرة في المنهج والتفسير والتفكير.
غياب المعني
نقرأ النص التالي بهدوء لنفكّكه علي مهل.. يقول هيكل: "الحاجة الثالثة إللي لفتت نظر جيلي أو لفتت نظري أنا بصفة عامة إنه في هذا الفضاء التاريخي والجغرافي والسياسي والثقافي اللي أنا عايش فيه واللي أنا بأُطل عليه القاهرة علي وجه التحديد مدينة تلعب دورا مهما جداً ودورا يقف المرء أمامه وهو يحاول أن يبحث عن أسبابه، المنطقة كانت باستمرار عُمر هذه المنطقة وهذه مسألة لابد أن نلاحظها من ألفين وخمسمائة سنة لم تعرف فكرة الدولة المنعزلة، مش هأقول المستقلة، المستقلة ممكن تبقي مستقلة..". إن الرجل يتحدث عن القاهرة تلعب دوراً مهما جداً وهو يطالب بمعرفة أسبابه وكأننا لم نعرف أو ندرك أسبابه! ثم ينتقل إلي المنطقة من دون أن نعرف ماذا يريد من القاهرة.. كي يذكر بأن المنطقة لم تعرف فكرة الدولة المنعزلة في البداية يقول إبان عمر المنطقة ثم يعقب ذلك بملاحظته علي مدي ألفين وخمسمائة سنة.. بعدها ينتقل إلي الدولة.. فمن المدينة إلي المنطقة إلي الدولة، وسمّاها بالدولة المنعزلة! لا نعرف بالضبط ماذا يريد أن يقول هل إن القاهرة أم المنطقة لم تعرف الدولة المنعزلة؟! ويعّلق بأن لن يقول "المستقلة" ممكن المستقلة تبقي مستقلة - كما يستطرد قائلا - ولا نفهم ما الذي يريد أن يقوله ولماذا أقحم مفهوم "المستقلة" هنا وكل علماء السياسة والتاريخ يقّرون أن مفهوم "الاستقلال السياسي للدولة" هو مفهوم حديث لا علاقة له بتاريخ الدول الوسيطة والقديمة. إنه الهذيان بعينه!
التباس في المعاني
ونبقي مع ما يقول: "الدولة التي تحيا وحدها دون ما حولها وهذه مسألة طبيعية لأنه الفضاءات الإنسانية، الفضاءات الجغرافية، الآفاق السياسية والتاريخية لا تعرف معني الحدود، الحدود دي ظاهرة جديدة بمعني إنه الطقس الأحوال الجوية ما بيجيش عند الحدود وتقول والله Passport عشان أعدي به من فلسطين إلي مصر، حتي Even وسائل المواصلات الحديثة لما نفكر في الطيارات مثلا في الطائرات أو نفكر في التلغرافات أو نفكر في أي حاجة أو في الفضائيات ليست هناك حاجة في الطبيعة اسمها هذه الحدود السياسية بالتحديد، بمعني إنه المناطق وهنا في جغرافيا سياسية المناطق مناطق متشكلة، مناطق موجودة لها خواص متصلة ومتواصلة وليست فكرة الدولة المستقلة المعزولة بهذا الشكل الذي نتصوره أحيانا".
أتمني علي القارئ الكريم أن يتأمل معمقا في "النص" أعلاه ويسأل نفسه: هل استطاع أن يقبض علي معني محدد واحد من هذا الخلط العجيب والمتنافر لغة واصطلاحا ومضمونا؟ ألا يعني أن هذا الخلط صادر عن شخصية غير مستقرة ومتناقضة بحدة أو أنها في الحقيقة تجمع جملة هائلة من التناقضات؟
الحدود ومعناها
إنه باق في إطار الدولة التي يراها تحيا وحدها دون ما حولها.. كيف؟ لا يفّسر لنا ذلك وهذا مخالف لحياة الدول والامبراطوريات في التاريخ. فلا يمكن أبداً أن تحيا أي دولة لوحدها من دون أي علاقة لها مع المحيط. كيف هي مسألة طبيعية؟ صحيح أن الفضاءات المتنوعة لا تعرف معني الحدود.. وعليه، فإن الدولة لم تحيا لوحدها كما يقول هيكل. وصحيح أن الحدود ظاهرة جديدة، ولكن اي حدود يا هيكل انها الحدود السياسية Boundaries فالحدود موجودة بين الدول منذ القدم، ولكنها لم تكن سياسية تحدد بعوارض او اسلاك او نقاط حدودية.. بل كانت تسمي في العصور الوسطي والقديمة ب"التخومMarshes بل إن أول من فكر بتأسيس حدود لدولته منذ القدم هي الصين، ولم يزل سور الصين العظيم واحداً من اهم عجائب الدنيا السبع. ونبقي مع النص بكل ما يحتويه من هذيان وفوضي، فما دخل الطقس والأحوال الجوية التي لا تحتاج إلي جواز مرور؟ وما دخل وسائل المواصلات، وكلها من منتجات القرن العشرين؟ كلنا يعرف أن ليس هناك حاجة في الطبيعة اسمها الحدود السياسية. فما دخل هذا بالتشكيلات السياسية وبالجغرافية السياسية التي لم تعرفها المنطقة إلا في القرن العشرين.. ونحن نعرف تمام المعرفة ما الذي كانت عليه أوضاع المنطقة إن كنت تقصد المنطقة.. وما الذي كانت عليه القاهرة إن كنت تقصد القاهرة!
كيف يفسّر المنطقة؟
نبقي نتواصل مع ما يقوله هيكل: "هذه المنطقة بالتحديد وهذه خاصية غريبة لأنه أنا هأرجع إحنا بنتكلم علي دور القاهرة إحنا بنتكلم ليه القاهرة كان لها هذا الوضع اللي أنا حسيت به، أول حاجة نلاحظ إنه هذه المنطقة عمرها ما كانت لوحدها من ألفين وخمسمائة سنة علي وجه اليقين اللي نقدر نرصدهم ونقدر نشوفهم هذه المنطقة بعد ما انهارت فيها مشروعات الدولة المستقلة أو اللي كنا بنتصور فيها المجتمعات المنعزلة الموجودة في الواحات اللي في المنطقة لأنه المنطقة لو نفتكر منطقة في واقع الأمر هي عدة واحات، الشرق الأوسط كله عدة واحات في الواحة اللي علي وادي النيل، الشام مجموعة واحات، العراق في واقع الأمر هو واحة اللي عملها وادي الرافدين لكنها باستمرار بنلاحظ إنها بُقع من العمران محاطة بالصحراء مطوقة بالبحار، لكنه فكرة الكيانات المستقلة ما نشأت أو البدايات الاجتماعية واللي نشأت في الحضارات القديمة زي الحضارة المصرية والآشورية والبابلية.." (انتهي النص).
وأتمني هنا علي كل القراء الكرام أن يراجعوا قراءة النص في أعلاه، ويسألوا أنفسهم وأذهانهم: ما الذي يريده هيكل من هذا الذي عرضه وبهذه اللغة التي تحتوي علي ثرثرة لا علي أي معاني.. فما معني الواحة هنا؟ وما الذي يريد هيكل الوصول إليه؟
التاريخ عند هيكل: خبط عشواء!
لنتأمل معا حديث الرجل عن المنطقة التي يعترف أنه يرجع ليتكلم عن القاهرة فيضيع سامعه وقارئه من جديد في متاهة لا يعرف نفسه كيف يخرج منها.. إنه قد أحس بذلك، وكأننا لا نعرف مكانة القاهرة في التاريخ ولم نعرف مدي تأثيرها منذ عصر الاسكندر حتي حملة نابليون.. الآن أختلف عن الذي ذكره في البداية إنه يقول بالمنطقة ولا يقول بالدولة، وأعتقد أنه لم يمّيز بين الاثنتين، فالمنطقة لم تكن لوحدها منذ الفين وخمسمائة سنة.. ثم يعطينا اليقين في الذين يرصدهم ويقدر يشوفهم.. ونسأله: من هم؟ هل هي السنوات في هذه الحقبة الطويلة من السنين؟ لا احد يدري ولا هو نفسه يدري! لأنه تسجيل بارع من الهذيان التاريخي! ثم يرجع إلي هذه "المنطقة" التي انهارت فيها مشروعات الدولة المستقلة! أية مشروعات هذه التي يتحدث عنها هيكل؟ انها مشروعات الدولة المستقلة؟ أية دولة مستقلة؟ إنني واثق أنه لا يدري ما يقول! ثم يدخلنا في نص مبعثر لا معني له أبداً.. أي مجتمعات منعزله موجودة في الواحات؟ والمنطقة - حسب عرفه - مجموعة واحات الشرق الأوسط في وادي النيل وبلاد الشام والعراق.. أنه يعرف الدولة المستقلة هنا ثم ينتقل إلي توصيف مجتمعات منعزلة ومنها إلي واحات ومنها إلي بقع من العمران! محاطة بالصحراء ومطوقة بالبحار.. إنها بديهية يدركها القاصي والداني.. ليخلص - كما أتخيل - بأن فكرة الكيانات المستقلة لم تنشأ، وأن البدايات الاجتماعية قد نشأت في الحضارات القديمة.. وأنني أسأل القارئ الكريم: هل فهم شيئا ذا من هذا الهذيان المصحوب بأمثلة خاطئة وبمفاهيم أكثر خطأ.
الرابط الجامع
يكمل النص قائلا: ما نشاء، لكن لما دي هذه انتهت اللي حصل إنه هذه المنطقة أصبحت تخضع باستمرار بنوع من الرابط الجامع، الرابط الجامع في وقت من الأوقات كان الإسكندر الأكبر جاء واحتل وأخذ كل ده فبقينا كلنا موجودين في نوع من الكومنولث المتوسطي عاصمته في الشمال وبعدين انتقل مركز القوي إلي الرومان فبقي كل البحر الأبيض وما حوله كله روماني وبعدين انتقل الروماني بيزنطة فبقينا كله في جامع واحد بشكل أو آخر سواء كان مقبول مننا أو مش مقبول مننا وبعدين بقي فيه جاء الفتح العربي وبقي في جامع من نوع آخر وتنوعت الممالك، لكن فضلنا باستمرار تحت نفس الجامع فضلنا باستمرار المنطقة باستمرار في حالة إلي جامع وفي حاجة إلي مراكز تبادل فكري وحضاري وتجاري موجودة متناثرة" (انتهي النص).
السؤال: ما تعريف "الرابط الجامع" عند هيكل؟؟.. لا نعرف ما الذي يقصده أو يريده بالضبط! الرابط الجامع حسبما ندركه من النص الذي أطلقه، هو العامل الحقيقي الذي يجسد علاقة المركز بالمحيط (أو كما حللت ذلك في تطبيقاتي علي الدواخل والأطراف إن صح تقديرنا). إن هيكل استعار مفهوم الرابط الجامع، ولكنه لم يدرك ما يقول.. ما علاقة الاسكندر الأكبر بالموضوع أصلا؟ ما الذي تعنيه بالكومنولث المتوسطي إن كنت لا تدرك العلاقة بين الاسكندر والمناطق التي مر بها؟ من قال بمثل هذا "الكومنولث"؟ ما هذا الهذيان التاريخي؟ عاصمته في الشمال تقصد أثينا.. ثم انتقل مركز القوي إلي الرومان.. لماذا استخدمت مركز القوي؟
إنه مصطلح سياسي واداري لا علاقة له هنا في موضوعنا.. إنك تتسلسل تاريخيا، ولكنك لا تدرك تحولات التاريخ.. أثينا وروما وبيزنطة لا رابط جامع بينها وبين المنطقة.. فكل من هذه الامبراطوريات قد نشرت نفسها في البر والبحر واخترقت مناطق كبري في آسيا وافريقيا، وكانت جميعها من الاطراف او التوابع، فليس هناك كومنولث متوسطي ولا في جامع واحد ولا هم يحزنون ! ثم يكمل "النص" عن الفتح العربي، الذي يعتبره جامعاً من نوع آخر وفيه تنوعت الممالك.. لكن هيكل يري أننا بقينا باستمرار في حالة إلي جامع ومراكز تبادل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.