فى دمياط ثورة من أجل لقمة العيش.. المدينة التى كانت عاصمة لصناعة الأثاث الذى يتم تصديره لكل أنحاء العالم فى طريقها لتكون مدينة أشباح.. نصف ورش الأثاث أغلقت أبوابها، المهنة تتدهور والكساد هائل، العمال يقفدون مصدر رزقهم وهم الذين لم تكن لهم متعة إلا العمل الذى أتقنوه وأحبوه، أسعار الخامات ترتفع بصورة كبيرة، وكبار التجار يسيطرون على السوق. والسوق نفسه يتدهور بسبب المنافسة الأجنبية التى كانت تأتى من الصين، والآن تنضم تركيا بفضل العلاقات الوثيقة مع الحكم، وبسبب الإعفاءات الضريبية التى وصلت إلى 40٪!! ثورة صناع الأثاث تشتعل، والحكومة غائبة، وبدلا من وضع الحلول لإنقاذ هذه الصناعات الوطنية المهمة، يتركون دمياط تتحول من ورشة عمل إلى عنوان جديد على إفلاس الحكم فى مواجهة المشكلات، يخرج الآلاف للاحتجاج وطلب الإنقاذ، فلا يجدون فى مواجهتهم إلا هذا «المجهول» الذى لم يعد مجهولا.. البلطجية بالسيوف والخناجر يطاردون من يطلبون لقمة العيش ويصرخون من أجل إنقاذ صناعة وطنية تحتضر!! وصناعة أخرى كانت هى الأهم فى مصر.. صناعة النسيج والملابس التى تعيش محنة منذ سنوات كثيرة، والتى تواجه الآن خطر الانهيار الكامل، المصانع لا تجد القطن ولا مستلزمات الإنتاج، القطن المصرى يفضل التجار تصديره، والقطن المستورد يحتاج إلى عملات أجنبية غير متوفرة.. الكل يعانى.. المصانع الخاصة والقطاع العام، لكن معاناة الأخير أكبر.. مصانع القطاع العام التى تحملت عبء التنمية والتشغيل لسنوات طويلة، تعرضت منذ ثلاثة عقود لإهمال فظيع، تمهيدا للتخلص منها مع موجة «الخصخصة» وفساد الإدارة وأطماع السماسرة!! منذ سنوات والصرخات تتعالى لإنقاذ هذه الصناعة المهمة كثيفة العمالة وصاحبة الخبرة الكبيرة والسمة العالمية.. لكن لا أحد يهتم، تصوَّرْنا أن الموقف بعد الثورة سوف يتغير، لكن الواقع يقول إننا أمام نفس السياسات.. بل وأسوأ!! فنحن الآن لا نهتم بالتصنيع ويترك إدارة اقتصاد البلاد فى أيدى ناس كل خبرتهم كانت فى تجارة العملة، أو تجارة التجزئة، أو الاستيراد الذى يتركز بالصدفة فى الموبيليات.. والملابس الجاهزة!! الكثير من المصانع أغلقت أبوابها.. والباقى يعمل بجزء من طاقته.. والأزمة تشتد.. وخطط الإصلاح موجودة، لكن يبدو أن البعض يمهد الطريق لتسليم صناعات مصر ل«الحلفاء الجدد» بأرض الأسعار مع حفظ الحق فى السمسرة!! من دمياط وصناعة الأثاث، إلى المحلة وكفر الدوار وصناعة النسيج.. القضية واحدة: صناعات عريقة تحتضر، والحكم يتفرج والسماسرة والوكلاء يكسبون من الاستيراد أو التهريب هل يمكن أن يكون هناك مستقبل نقلا عن جريدة التحرير