اختلفت وجهات النظر بين خبراء الاقتصاد والمال حول جدوى مشروع "الصكوك الإسلامية"، وثارت العديد من علامات الاستفهام لدى الرأي العام والقوى السياسية حول مدى خطورة هذا المشروع على الممتلكات السيادية للدولة، فيما اعتبرها البعض أداة جديدة للخصخصة، أو صورة مُستنسخة لشركات توظيف الأموال، وهناك من رآه الحل المُناسب للخروج من الأزمه الاقتصادية. وقد أثار موضوع "الصكوك الإسلامية" جدلاً واسعًا ومُثيرًا داخل مؤسسات عديدة في الدولة بعد أن قامت الحكومة بطرح تلك المسألة بدعوى أنها ستشكل المخرج من الأزمة الراهنة، من بينها مؤسسة الأزهر التي تصاعدت لديها المخاوف بتعرض أصول مصر للبيع علي الساحة السياسية الآن، وخاصة في ظل عدم وجود التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة. وقد أعدت وزارة المالية مشروع قانون للصكوك الإسلامية تمهيدًا للتقدم به إلى مجلس الشورى لمُناقشته وإقراره، بعد أن عرضته على الأزهر الشريف لدراسته، على اعتبار أنه وسيلة جديدة في مصر لتمويل المشروعات التنموية المختلفة ومجال لتوظيف أموال البعض بعيدًا عن البنوك العادية، بعد أن شكك البعض في ربوية الفوائد التي يتم الحصول عليها مقابل وضع الأموال كمدخرات في هذه البنوك، وكوسيلة أيضًا لتمويل الكثير من المشروعات التي لم تعد الدولة قادرة علي الاقتراض من أجل تمويلها سواء من الداخل أو من الخارج. ومن جانبه قال الدكتور المرسي حجازي وزير المالية: إن قانون الصكوك الإسلامية قد تم تعديله لحماية أصول الدولة من البيع أو الرهن، لافتا إلى أنه سيتم بحثه في مجلس الوزراء وسيُعرض على مجلس الشورى والأزهر الشريف، وذلك لمُناقشته بعد أن تم إجراء تعديلات جوهرية عليه وفقا لمقترحات مجمع البحوث الإسلامية، مُشيرًا إلى أن التعديلات الجديدة أصبحت أكثر وضوحًا وتحمي أصول الدولة، وأن الممتلكات العامة ليست مجالاً للملكية الفردية أو الخاصة. وأكد وزير المالية حرصه الشديد على إصدار القانون بالتوافق الكامل مع الأحزاب والأزهر الشريف، بعد التعديلات الأخيرة التى أدخلتها عليه الوزارة، وأن القانون لا يمنح حق الملكية لأصول الدولة وسوف يُنشئ هيئة شرعية مركزية للإشراف على عمليات الطرح، وأن قراراتها ستكون نهائية ومُلزمة للحكومة ولأى جهة ترغب فى إصدار الصكوك، وأن دورها لن يقتصر على إبداء الرأى الشرعي، لافتاً إلى أنها منوط بها اعتماد هياكل وعقود الصكوك، ونشر إصدارها، وأن الصكوك ستصدر مقابل حق المنفعة، لافتاً إلى أن هذه المادة تقضي على مخاوف تعرض أصول الدولة لخطر الرهن أو نقل ملكيتها. بينما أعرب خبراء عن تخوفهم من تمسك الدولة بتطبيق مشروع الصكوك، الذى يُثير جدلاً واسعًا رغم إعلان وزارة المالية عن إجراء تعديلات على المشروع لتلافي مخاوف من تعريض الأصول العامة لخطر الرهن أو نقل ملكيتها، من خلال تعديل نص المادة الخامسة، بحيث "يحظر استخدام الأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية عامة أو منافعها لإصدار صكوك حكومية في مقابلها"، فقد أوضح الدكتور محمود منصور أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة الأزهر بأن فكرة الصكوك مستوردة من دول الخليج وهبطت على مصر، وأن تطبيق هذا المشروع فى دبي لا يعني أنه السبب في حالة الازدهار الاقتصادي التي تعيشها، لأنها إمارة تمتلك موارد عديدة جعلتها تتمكن من التدخل بالشراء لضمان بقاء الأصول السيادية، إلا أن هذا الأمر لن نستطيع تحقيقه فى مصر فى ظل مواردها الحالية، وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية هي أن تستولي جهات عربية أو أجنبية على الأصول السيادية للدولة. ومن جانبه أوضح هاني توفيق الخبير المالي، إن طرح قانون الصكوك بوضعه الحالي لا يُعد ضمانة كافية لحماية أصول الدولة، وأن الضمانة الحقيقية هى وجود مُجتمع مدني قوي ومُتابع لجميع التطورات الفعلية على الأرض، موضحًا بأنه إذا كان الهدف من طرح قانون الصكوك تمويل مشروعات جديدة في السوق أو تأسيس مشروعات حكومية فلا مانع، وستعد أداة إضافية، ولكن أن يتم استخدامها لتمويل عجز الموازنة فهو ما لا يجب الموافقة عليه. وأنه بعيدًا عن الجدل المُثار حول هذا النظام المالي إنما تم توجيه بعض الانتقادات لعدم التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة حول إخراج هذا المشروع بالصورة التي تنال إجماع الآراء والاقناع بالهدف منه، ولذلك يقترح البعض أنه من المنطقي أن مشروع قانون بهذا الشكل يحمل إسم "إسلامية" كان يجب أن تتم مُناقشته قبل إعداده مع المؤسسة الدينية وهي الأزهر الشريف المنوط بها تحديد مدى الاتفاق والشريعة الإسلامية، قبل أن يُعلن رفضه في جلسة طارئة لمجمع البحوث الإسلامية، برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لمشروع قانون الصكوك الإسلامية السيادية، نظرا لوجود مُخالفات شرعية في بعض بنوده، منها كلمة "سيادية" حيث أبدى أعضاء المجمع تخوفهم من عدم جواز الطعن على التصرفات والقرارات الناجمة عن المشروع وتحصينها بشكل غير قابل للنقاش والاعتراض، بما يفتح الباب لوجود مخالفات فيما بعد، واعترض الأزهر أيضًا على "حق تملك الأجانب" من غير المصريين للصكوك باعتباره مُخالفا للشرع لأنه لايجوز لأجنبي التصرف في الأموال والأصول الثابتة المملوكة للشعب، فضلاً عن عدم وجود ما يضمن الحفاظ على حقوق الأفراد ممن يمتلكون الصكوك. ومن جانبها أيضًا رفضت اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة المشروع، وتأكيدها على أن المشروع لم يراع الأسس الشرعية في التملك، وأنه يحمل مخاطر عديدة فيما يتعلق بإمكانية رهن بعض الأصول الحكومية، فقد أكد الدكتور عبدالله شحاته رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة أنه قد سبق وحذر الحزب من مخالفات اقتصادية وشرعية شابت مشروع قانون الصكوك، حينما قال: "نحن نثمن رأي مجمع البحوث الإسلامية وندعو مجلس الشوري إلى مناقشة القانون المُقدم منا، والذي نعتقد أنه يُراعي كل الضوابط الاقتصادية والشرعية الخاصة بإصدار الصكوك، ويؤكد علي الدور التنموي للصكوك من خلال مُساهمتها في تمويل المشروعات الحكومية والخاصة بما يُمثل إضافة حقيقية للاقتصاد وليس كما كانت ترغب وزارة المالية من مشروعها لسد العجز الحالي في الموازنة فقط".