ظللت أضرب أخماسا في أسداس لأفهم ما يحدث علي الساحة السياسية الآن في موضوع الصكوك الإسلامية لكنني فشلت تماما في فهم ما يجري خاصة عندما وجدت الحكومة قبل أن يتم إحداث التعديلات الأخيرة فيها تعلن عن مشروع قانون أعدته وزارة المالية عن الصكوك الإسلامية كوسيلة جديدة في مصر لتمويل المشروعات التنموية المختلفة ومجال لتوظيف أموال البعض بعيدا عن البنوك العادية بعد أن شكك فريق منهم في ربوية الفوائد التي يتم الحصول عليها مقابل وضع الأموال كمدخرات في هذه البنوك, وكوسيلة أيضا لتمويل الكثير من المشروعات التي لم تعد الدولة قادرة علي الاقتراض من أجل تمويلها سواء من الداخل أو من الخارج, وهذا النظام المسمي بالصكوك الإسلامية موجود في عدد من دول العالم خاصة ماليزيا التي تختص وحدها ب60% من إجمالي الصكوك الإسلامية المصدرة في العالم والتي يقدر إجمالي قيمتها ب200 مليار دولار بالإضافة إلي عدد بسيط من الدول العربية والأوروبية أيضا. لكن بعيدا عن الجدل المثار حول هذا النظام المالي والمعروف بإسم الصكوك الإسلامية فقد صدمت مما وجدته والذي يرقي إلي درجة فضيحة عدم التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة وكأن كل مؤسسة أصبحت عزبة وحدها لاتتعاون مع بقية العزب الأخري عندما وجدت الحكومة وهي تعلن أنها أعدت مشروعا للصكوك الإسلامية سوف تتقدم به إلي مجلس الشوري الذي حل مؤقتا الآن محل البرلمان لمناقشته وإقراره, وكان من المنطقي أن مشروع قانون بهذه الشكل يحمل إسم إسلامية أن تتم مناقشته قبل إعداده مع المؤسسة الدينية المنوط بها أن تحدد أن هذا المشروع يتفق والشريعة الإسلامية أم لا, وأعني بها الأزهر الشريف, وكان من المنطقي أيضا أن تتم مناقشة هذا المشروع مع حزب الأغلبية الحالي بصرف النظر عن حل مجلس الشعب ولا نعرف من الذي يمثل الأغلبية الآن في مصر, لكنني أتحدث عن واقع حالي وهو حزب الحرية والعدالة الذي أصبح منه رئيس الجمهورية علي اعتبار أن هذه الحكومة هي حكومة هذا الحزب, أي أن يكون هناك تنسيق بين هذه الأطراف الثلاثة علي الأقل قبل إعداد مشروع قانون في هذا المجال, لكنني للأسف صدمت كثيرا وبعنف عندما فوجئت بأن الأزهر الشريف يعلن رفضه في جلسة طارئة لمجمع البحوث الإسلامية, برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر, مشروع قانون الصكوك الإسلامية السيادية نظرا لوجود مخالفات شرعية في بعض بنوده كما قال الأزهر منها كلمة سيادية حيث أبدي أعضاء المجمع تخوفهم من عدم جواز الطعن علي التصرفات والقرارات الناجمة عن المشروع وتحصينها بشكل غير قابل للنقاش والاعتراض, بما يفتح الباب لوجود مخالفات فيما بعد. واعترض الأزهر أيضا علي حق تملك الأجانب من غير المصريين للصكوك باعتباره مخالفا للشرع لأنه لايجوز لأجنبي التصرف في الأموال والأصول الثابتة المملوكة للشعب, فضلا عن عدم وجود ما يضمن الحفاظ علي حقوق الأفراد, ممن يمتلكون الصكوك. وقد جاء هذا القرار من جانب الأزهر بناء علي توصية لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية, التي استعانت ب3 من خبراء الاقتصاد الإسلامي, وشارك فيها الدكتور علي جمعة, مفتي الجمهورية, والدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن, والدكتور عبدالفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر الأسبق, حيث ناقشت اللجنة المشروع علي مدار يومين, وكتبت تقريرا يرصد المخالفات ويوصي برفض البنود المقترحة, بل ذكر أيضا إن أعضاء المجمع اعترضوا أيضا علي بيع الأصول الثابتة, واقترحوا طرحها بنظام حق الانتفاع أو الإيجار. والأخطر من ذلك أنه فور أن أعلن الأزهر هذا أسرع حزب الحرية والعدالة من خلال لجنته الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة علي رفضها هي الأخري للمشروع المقدم من وزارة المالية بشأن الصكوك الإسلامية وذلك تزامنا مع ما صدر عن مجمع البحوث الإسلامية من رأي حول مشروعية الصكوك, والذي جاء متوافقا مع رأي اللجنة في التأكيد علي أن المشروع لم يراع الأسس الشرعية في التملك, وأنه يحمل مخاطر عديدة فيما يتعلق بإمكانية رهن بعض الأصول الحكومية. وأكد د. عبدالله شحاته رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة أنه قد سبق وحذر الحزب من مخالفات اقتصادية وشرعية شابت مشروع قانون الصكوك. وقال بيان رسمي للجنة الاقتصادية بالحزب: نحن نثمن رأي مجمع البحوث الإسلامية وندعو مجلس الشوري إلي مناقشة القانون المقدم منا والذي نعتقد أنه يراعي كل الضوابط الاقتصادية والشرعية الخاصة بإصدار الصكوك ويؤكد علي الدور التنموي للصكوك من خلال مساهمتها في تمويل المشروعات الحكومية والخاصة بما يمثل إضافة حقيقية للاقتصاد وليس كما كانت ترغب وزارة المالية من مشروعها لسد العجز الحالي في الموازنة فقط. وهذا يعني أن هناك مشروعا كان لدي حزب الحرية والعدالة عن الصكوك الإسلامية لكن الحكومة لاتعلم عنه شيئا!! أو أن الحزب قد أعد قانونا لاتعلم الحكومة عنه شيئا!! ولا أعرف مع من تمت دراسة أي من المشروعين؟! ولماذا لم يرفع حزب الحرية والعدالة مشروعه للحكومة فور أن علم بأن هناك مشروعا آخر يتم إعداده في الخفاء عن الصكوك الإسلامية؟ والأخطر من هذا وذاك أنه فور أن تمت الإطاحة بالسيد ممتاز السعيد وزير المالية من الوزارة أعلن بشكل غير مباشر أن حزب الحرية والعدالة كان علي علم تام بمشروع القانون الذي أعدته الحكومة عن الصكوك الإسلامية بل وشارك في إعداده!! بالذمة ده كلام؟ أو بهذه الصورة يتم العمل في الدولة حاليا, أكل جهة تعمل وحدها وبعيدا عن التنسيق مع الجهات الأخري المعنية وكأننا في جزر منعزلة؟! أو بهذه الصورة سوف يثق المواطن بالقرارات وبمشروعات القوانين التي يتم إعدادها الآن, وإذا حدث رفض شعبي سريع لها يتبرأ الجميع منها ويدعي البطولة بهدف حرق الآخر أيا كان هذا الأخر؟ وهل تتوقعون بعد كل هذا الخلاف أن يقبل الناس علي مشروع الصكوك الإسلامية إذا تم إقراره ليكون رافدا مهما في تمويل مشروعات التنمية في مصر, أم سيموت قبل أن يولد؟ ياسادة البلد لم يعد يحتمل مثل هذه التصرفات الصبيانية خاصة إذا جاءت من المختصين رتبوا لصالح هذا البلد بشكل أفضل من هذه وإذا لم تكونوا تستطيعون فلتتركوا المهمة لغيركم. رابط دائم :