لعل الحديث عن هذه المناسبة الغالية على قلوب كل العمال وهى "عيد العمال" تتجلى فيه أعظم الكلمات والعبارات التى تشيد بالجهود العمالية ، التى تمثل القاعدة الراسخة التى تناضل لدعم مسيرة العمل والإنتاج والتطور وتحقيق التنمية الشاملة ، بل وتمثل "حجرالزاوية " لتقدم الشعوب وحضارته ، فنحن اليوم ومع التقدم الهائل فى عالم التكنولوجيا والاتصالات ، ومع الصراع المحتدم بين دول العالم نحو الريادة فى التقدم العلمى والتكنولوجى ، والتى بالفعل يُقاس عليها المستوى الحضارى للشعوب ، وهذا ما يؤكد بأن العمال على مختلف تصنيفاتهم فى أى دولة يمثلوا ركيزة الانتاج والتطور والتنمية فى كل مناحى الحياة ، وفى احتفال عمال مصر السنوى يلتقون بالرئيس مبارك ، حيث يلقى خطاباً سياسياً شاملاً ، ويُكرم عدداً من القيادات النقابية تقديراً لجهودهم فى خدمة العمال وقضاياهم . والجدير بالذكر أن يتزامن العيد هذا العام مع مرور الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر .. وهى مناسبة غالية على كل عامل فى مصر ، الذى يُعد تكوين أول اتحاد عام للعمال حدثاً مهماً فى تاريخ الحركة النقابية المصرية ، تحقق به الأمل الذى كافح وناضل من أجله قادة ورواد العمل النقابى ، وسجلوا صفحات مجيدة فى تاريخ الحركة النقابية .. حيث ظل الاتحاد رمزاً شامخاً للتنظيم العمالى النقابى الموحد ، والمتحدث الرسمى الوحيد باسم عمال مصر والمطالب بحقوقهم وحل مشاكلهم ، ويمثل همزة الوصل فى عملية التوازن بين طرفى العملية الإنتاجية والخدمية . ومن المُلاحظ فى خطاب الرئيس مبارك بمناسبة العيد هذا العام نجد إنحيازه الدائم للعامل ودفاعه عن حقوقه ، عندما حذر من مغبة استغلال قوى سياسية لمشاكل العمال ، قائلاً : " إن أية احتجاجات ينبغى أن تسلك طريق الشرعية والتنظيم النقابى الرسمى ، وإننى على عهدى معكم فى الدفاع عن حقوقكم والمضى فى تعزيز العمل النقابى العمالى وتطوير آلياته وتفعيل أنشطته ، وأن الحفاظ على المكاسب التى حققتها الحركة العمالية ستظل دائماً فى مقدمة أولوياتى " ، وقد أشاد الرئيس بدور العمال فى مسيرة العمل الوطنى .. قائلاً " لقد كنتم فى صدارة العمل الوطنى عبر هذه المسيرة وكنتم لها سنداً فى مراحلها المتعاقبة ، وأن مصر فى حاجة لمواصلة عطاء العمال واسهاماتهم خلال المرحلة المقبلة " ، ودعا العمال إلى النهوض بدورهم خلال هذه المرحلة الهامة ، كما دعا الحكومة والعمال وأصحاب الأعمال إلى تعزيز التفاهم والمشاركة فيما بينهم ، ومطالبة الحكومة بالتشاور والتنسيق بين وزارة القوى العاملة وباقى الوزارات المعنية حول ما يمس مصالح العمال ومكتسباتهم من قرارات ، وقال " لقد التزمت الحكومة بالحفاظ على حقوق العاملين فى تنفيذ عمليات إعادة هيكلة الشركات العامة وخصخصتها " . وبالنسبة للتنظيمات النقابية والعمالية فى العالم تعتبر بريطانيا أول دولة تشهد محاولات للتنظيم النقابى بصفتها الدولة التى تفجرت على أراضيها الثورة الصناعية فى أوروبا فى القرن الثامن عشر ، وقد ظل التنظيم النقابى ممنوعاً فى بريطانيا حتى عام 1834 ، وحتى بعد أن سُمح به فإن القانون الإنجليزى لم يعترف رسمياً بالنقابات حتى عام 1875 ، أما المحاولات الأولى لإنشاء أول منظمة نقابية فى بريطانيا ، عندما تأسست " الجمعية الوطنية لحماية العمال" عام 1831، وبعد ذلك فى عام 1934 تأسست على يد روبرت أوين " النقابة الموحدة الوطنية العُظمى" ، ومنذ ذلك الحين بدأت تنتشر فى أوروبا فكرة إنشاء النقابات للدفاع عن مصالح العمال ، ولكنها كانت تواجه بالقمع من الشرطة ، ففى فرنسا ظل التنظيم النقابى ممنوعاً حتى 1884 ، أما فى إيطاليا ظل الإضراب عن العمل ممنوعاً حتى 1889 ، وفى ألمانيا سُمح فقط للعاملين فى مجال الصناعة بالانتماء النقابى تحت شروط كثيرة ومختلفة ، وفى الولاياتالمتحدة ورغم السماح للنقابات بالعمل ، فقد ظل القانون الأمريكى لا يتعامل مع النقابات حتى نهاية القرن التاسع عشر . أما قصة عيد العمال فتعود إلى عام 1886 ، حيث أعلن حوالى 350 ألف عامل أمريكى فى أول مايو الإضراب العام تحت شعار " ثمانى ساعات عمل ، ثمانى ساعات نوم ، ثمانى ساعات راحة " ، وقد دعت الأممية الأولى فى مؤتمر جنيف عام 1866 ، العمال إلى النضال من أجل يوم عمل من 8 ساعات " 8 ساعات عمل ، 8 ساعات راحة ونوم ، 8 ساعات ثقافة وتعليم " ، وقد لقيت هذه الدعوة صدى واسعاً لدى عمال الولاياتالمتحدة فى الثمانينات ، وفى عام 1884 دعت " منظمة فرسان العمل الأمريكية " إلى تطبيق يوم العمل من 8 ساعات بدءاً من السبت الأول من مايو 1886 الذى عمت فيه الإضرابات والمظاهرات خصوصاً فى المناطق الصناعية ، مما أغضب السلطات وأثار غضبها . وكانت مدينة شيكاغو أكثر المناطق التى شهدت تظاهرات ضخمة مُطالبة بتحديد يوم عمل من ثمانى ساعات ، وعلى إثر نجاح الإضراب دعا عمال شيكاغو إلى تمديد الإضراب يومى 3 و 4 مايو 1886 ، حيث دعا لاجتماع سلمى فى " هاى ماركت " إلا أنه تعرض لقمع من السلطات الأمريكية التى فتحت النيران عليه بحجة قيام العمال بإطلاق النار على الشرطة ، مما أدى إلى مقتل أكثر من 200 عامل ، واعتقلت الشرطة عدداً من القادة النقابيين حكمت على ثمانية منهم بالإعدام وقامت بسجن الباقى منهم لعدة سنوات تراوحت ما بين 3 و 5 سنوات . والنقابيون الذين حُكم عليهم بالإعدام هم : " ألبرت نارسون ، أوجست سبايس ، سمول فيلدن ، مايكل شواب ، جورج أنجل ، أدولف فيشر ، لويس لنج ، أوسكار نيب " . وقد نُفذ فيهم حُكم الإعدام فى 11/11/1887 ، وكان " أوجست سبايس " قد أطلق كلماته الشهيرة قبل إعدامه " سيأتى اليوم الذى يصبح فيه صمتنا فى القبور أعلى من أصواتنا " . وبالفعل فإن أحداث مايو 1886 ، أصبحت فى كل عام بمثابة صرخة مدوية لعمال العالم تدعوهم للوحدة من أجل الدفاع عن حقوقهم وانتزاع المكاسب لهم للعيش بكرامة وإنسانية . وعلى إثر المجزرة التى حدثت فى مايو 1886 ، فقد دعت الأممية الثانية عام 1889 إلى اعتبار الأول من مايو يوماً عالمياً للعمال ، يرمز إلى تحركهم ونضالهم من أجل حقوقهم فى العمل والراحة والثقافة والتعليم ، وحددت الأممية الثانية الأول من مايو 1890 يوماً لبدء الاحتفال بالمناسبة . ومنذ الأول من مايو 1890 ، بدأ العمال فى دول أوروبا المختلفة الاحتفال بالمناسبة ، ثم انتشرت الاحتفالات إلى مختلف دول العالم ، حتى أصبح الأول من مايو رمزاً لوحدة العمال ، ويوماً يشعرون فيه بانتصاراتهم ، وقد استطاع العمال فى مختلف دول العالم جعل الأول من مايو عيداً رسمياً مدفوع الأجر . 30/4/2007