رغم تزايد الوعود العربية والدولية بمنح مساعدات مالية ضخمة لدعم عملية الانتقال الاقتصادى فى مصر توضح المؤشرات الاقتصادية ان تلك المساعدات تعد بمثابة " مسكنات " مؤقتة للتحديات الاقتصادية فى ضوء ارتفاع معدلات العجز المتزايد فى الميزانية وتراجع معدلات الاستثمارات الاجنبية المباشرة وتصاعد المطالب الفئوية. وتؤكد دوائر اقتصادية دولية ان الطريق الوحيد لتجاوز الازمات الاقتصادية فى مصر يكمن فى توفير البيئة المواتية للاستثمار عن طريق تبنى حزمة من الاجراءات التحفيزية لطمأنة المستثمرين الاجانب وتوفير المزيد من الفرص الحقيقية للاستثمار. وشددت على ضرورة تسريع المفاوضات مع صندوق النقد الدولى بشأن قرض بقيمة 4.8 مليار دولار لتعزيز ثقة المؤسسات الدولية المانحة فى قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى منوهة الى ان مصر تحتاج الى استثمارات دولية وخاصة بقيمة 45 مليار دولار للوصول الى معدل النمو الاقتصادى المستهدف والذى يبلغ 4.4 % العام الجارى مقابل 1.8 % عام 2011 . وشهدت الفترة الماضية مؤشرات ايجابية تظهر تصميم الحكومة المصرية للمضى قدما فى اجراءاتها الرامية الى طمأنة المستثمرين الاجانب من بينها الزيارات المتعددة للبعثات الاستثمارية الاجنبية - ومن بينها بعثة المستثمرين الامريكيين التى زارت مصر خلال الفترة من الثامن حتى الثانى عشر من سبتمبر الجارى وضمت عددا كبيرا من رؤساء الشركات الامريكية - وزيارة المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى كريستين لاجارد الى القاهرة واجراءها مباحثات مع الرئيس محمد مرسى وأعضاء المجموعة الاقتصادية بالحكومة المصرية علاوة على تاكيد الحكومة على دعم مساهمة القطاع الخاص فى خطة التنمية . كانت المملكة العربية السعودية قد تعهدت بضخ مساعدات مالية بقيمة 3.75 مليار دولار - قدمت منها حتى الآن نحو 1.75 مليار دولار فى صورة وديعة لدعم الاحتياطى النقدى بالبنك المركزى ودعم الموازنة وتمويل بعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى جزء منها فى صورة مواد بترولية - بينما أودعت قطر ملياري دولار لدى البنك المركزى المصرى في مسعى لدعم اقتصاد مصر. وتعهدت ليبيا بايداع مليارى دولار بالبنك المركزى المصرى حال استرداد الاموال الليبية المهربة بالخارج بينما ابدت الكويت والامارات استعدادها لتوفير مساعدات مالية لمصر. ووعدت الولاياتالمتحدة بتقديم 50 مليون دولار لتنمية وتعمير سيناء إضافة إلى 500 مليون دولار لدعم الموازنة العامة للدولة واسقاط حوالى مليار دولار من الديون المصرية. وفى السياق ذاته تعهد الاتحاد الاوروبى بتقديم مساعدات بقيمة 700 مليون يورو لمصر شريطة توصل الاخيرة الى اتفاق مع صندوق النقد الدولى لدعم النمو الاقتصادى بينما ابدت تركيا ايضا عزمها توفير قرض لمصر بقيمة مليارى دولار. ومن جانبها تعهدت قطر مؤخرا بضخ استثمارات قدرها 18 مليار دولار في مشروعات سياحية بالساحل الشمالى، وأخرى بمنطقة شرق التفريعة تشمل مصانع للحديد وإنتاج الطاقة الكهربائية. ومن جهة اخرى تمضخت زيارة الرئيس محمد مرسى لبكين عن استثمارات صينية بنحو 5.5 مليار دولار. وأوضح محللون اقتصاديون دوليون ان تعزيز ثقة المستثمرين الاجانب فى بيئة الاستثمار المصرية يستلزم تعزيزالاستقرارالسياسى والامنى واعادة بناء مؤسسات الدولة وخاصة عقب اقرار الدستور. وفى ذلك الصدد قال إدوارد هايدنبرج كبير المحللين الاقتصاديين بدويتش بنك ان رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل وجه رسالة ايجابية لطمأنة المستثمرين الاجانب والهيئات المانحة من خلال تاكيده على ضرورة دعم الاستثمارات الخاصة والاجنبية وخاصة فى مجالات التنقيب عن النفط والغاز وانشاء محطات الكهرباء وتقليص الدعم واصدار سندات اسلامية "صكوك " لتعزيز النمو الاقتصادى وتوفير التمويل لمشروعات البنية التحتية . وأضاف ان الثقة فى بيئة الاستثمار المصرية سوف تتوقف على قدرة الحكومة على تنفيذ الاصلاحات الهيكلية والتى ستسهم فى تعزيز مصداقيتها داخليا وخارجيا وابرام الاتفاق النهائى مع صندوق النقد الدولى بشان تمويل بقيمة 4.8 مليار دولار . الا انه اشار الى ان الاتفاق مع صندوق النقد الدولى يستلزم توافقا واسعا بين كافة القوى السياسية وموافقة البرلمان محذرا من احتمال تعثر الجهود الحكومية الرامية الى زيادة حجم الاستثمارات الاجنبية حال الاخفاق فى دعم الاستقرار السياسى والامنى وتبنى رؤية واضحة للسياسات الاقتصادية وتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولى بشان القرض. وأوضح هايدنبرج أن زيادة الاستثمارات الأجنبية بمصر ترتبط بشكل وثيق ايضا بعدة مؤشرات هامة من بينها عودة الاحتياطى الأجنبى - الذى تراجع من 36 مليار دولار فى يناير عام 2011 الى 14.2 مليار دولار فى أغسطس الماضى - الى مستوياته المرتفعة وتعزيز الاستقرار المالى والنقدى وطمأنة المستثمرين بشان الاوضاع الاقتصادية. كانت بيانات البنك المركزى المصرى قد أوضحت أن صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية لمصر خلال النصف الاول من عام 2012 بلغت نحو 650 مليون دولار فقط من بينها 70 % بقطاع البترول. ومن ناحية اخرى، قال وليام كلاوس الخبير المصرفى والاقتصادى السابق بمؤسسة "مورجان ستانلى "الامريكية ان زيادة حجم الاستثمارات الاجنبية ينبغى ان تحتل قمة أولويات سياسات الحكومة المصرية فى ضوء تراجع حجم التدفقات الاستثمارية الاجنبية المباشرة خلال العامين الماضى والجارى والارتفاع الملحوظ فى عجز الموازنة والذى بلغ حوالى 22.13 مليار دولار. وأضاف ان شركات أجنبية عديدة أبدت رغبتها فى دراسة الفرص الاستثمارية المتاحة بالسوق المصرية شريطة وضوح الرؤية الاقتصادية واستقرار الاوضاع السياسية والامنية منوها الى ان شركة بريتيش بترويليام - على سبيل - أعلنت عزمها ضخ استثمارات جديدة تتراوح ما بين 3 و 5 مليارات دولار . وأوضح كلاوس ان الحكومة المصرية ينبغى عليها الاعتماد على الاستثمارات العربية والاجنبية بدرجة اكبر من المساعدات المالية فى سد العجز فى الميزانية وتمويل مشروعات البنية التحتية وتقليص المديونية لافتا الى ان السوق المصرية تتمتع بمزايا تنافسية عديدة من بينها وجود حوالى 90 مليون مستهلك ورخص الايدى العاملة وموقعها الجغرافى المتميز علاوة على الاتفاقيات التى وقعتها مع العديد من القوى الاقتصادية كالاتحاد الاوروبى . وتوقع زيادة حجم الاستثمارات القادمة من دول الخليج خلال الاعوام القادمة وخاصة مع اتجاه الحكومة المصرية لدعم علاقاتها مع الدول العربية وخاصة الخليجية وتبديد مخاوفها " الدول الخليجية " من احتمال تصدير الثورة اليها منوها الى ان مصر تحتاج الى تنويع استثماراتها وتوفير مجالات جديدة للاستثمار أمام الشركات الاجنبية لدعم نموها الاقتصادى. كما توقع كلاوس تنامى أنشطة اصدار الصكوك الاسلامية فى مصر بحلول العام القادم باعتبارها احد ادوات الديون وخاصة عقب صدور القانون الذى ينظمها خلال الاشهر الثلاثة القادمة وذلك فى اطار الجهود الحكومية الرامية الى كبح العجز فى الميزانية.