الإمارات العربية المتحدة لطالما دفعت الرياضة فاتورة الخلافات السياسية، ليس في منطقة الدول العربية المطلة على الخليج فحسب، بل وعلى مستوى العالم، حتى أنها وصلت في بعض المرات إلى حد اندلاع حروب، مثل تلك التي نشبت في أمريكا اللاتينية بعقد الخمسينات بسبب مباراة في كرة القدم. ومع ذلك، فعادة ما تجمع الرياضة ما تفرقه السياسة. ولعلّ القرارات المهمة التي تتخذ على مستوى استراتيجي بعيد المدى، عادة ما يتمّ تطبيقها قبل ذلك في الميدان الرياضي، مثلما يحدث الآن مع انضمام اليمن "المرحلي" إلى دول مجلس التعاون الخليجي، و"عودة" العراق إلى الخليج الرياضي، وربّما ترقبا لانضمامه - الذي يبدو طبيعيا لدى الكثيرين- لى مجلس التعاون الخليجي سياسيا لاحقا. وربّما يلخّص رمز بطولة كأس دورة الخليج الثامنة عشرة التي تدور هذه الأيام في عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، قصّة الرياضة مع السياسة في هذه المنطقة المتقلبة. فمن قام بتصميم الشعار او الرمز، عراقي، في إشارة إلى تكريس عودة العراق إلى المسابقة التي سبق أن أحرز لقبها ثلاث مرات، فضلا عن الظروف القاسية التي يعيشها الشعب العراقي بفعل الاحتلال. مراقبون اعتبروا ان التصميم يعدّ علامة على أن ما من شيء يمكن أن يجمع العراقيين أكثر من كرة القدم. مصمم ومنفذ كأس الخليج، العراقي احمد البحراني، قال إن فكرة الكأس ترجمة حقيقية لفلسفة وأهداف البطولة تحت شعار "المهم أن الشمل التأم." والرمز هو عبارة عن غطاء الراس للرجال، "الغترة" الخليجية مع "الشماغ" العراقي، ملتفين حول بعضهما البعض، وملتحمين. وكان العراق واحدا من عتاة دورات الخليج الرياضية، إذ سبق له أن سيطر على عدة رياضات فيها، ولاسيما كرة القدم، وشكّل الفريق الذي تأمل جميع المنتخبات الفوز عليه، قبل أن يتسبب غزو النظام العراقي السابق للكويت عام 1990 في طرده من كل من بطولات الخليج، وكذلك البطولات التي ينظمها الاتحاد الأولمبي الآسيوي، الذي كان يرأسه آنذاك، الكويتي فهد الأحمد، قبل أن يخلفه أحمد الفهد الأحمد. وعلى المستوى الفني، تأثرت دورات الخليج فنيا بخروج العراق، حيث باتت المنافسة بين منتخبين فقط، هما الكويت والسعودية. وفي بطولة كأس الخليج السابعة عشرة قبل سنتين في الدوحة، شهدت الدورة عودة العراق، بعد سقوط النظام العراقي بزعامة صدام حسين، وكذلك انضمام اليمن للمرة الأولى. وكان قرارا قد صدر عن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، التي عقدت في مسقط 30 31 ديسمبر/كانون الأول2001 حول قبول انضمام اليمن إلى عدد من مؤسسات المجلس غير السياسية، وهي مجلس وزراء الصحة، ومكتب التربية، ومجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية، ودورة كأس الخليج لكرة القدم. وقال محللون إنّ القرار مهم نظراً لآثاره الكبيرة على مستقبل التعاون في شبه الجزيرة العربية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وضرب المسؤولون الخليجيون أكثر من عصفور بحجر واحد، حيث زاد من التنافس في دورة الخليج الرياضية، فضلا عن زيادة حجم المنتخبات المشاركة فيها. وعلى المستوى البعيد، توفر المشاركة في هذه البطولة، فرصة للشباب اليمني للتلاقي مع نظيره الخليجي، فضلا عن اكتساب الخبرات على المستوى الإداري، بما يجعل من تعميم التجربة لاحقا على بقية القطاعات يسيرة. أما بالنسبة إلى العراق فإنّ الأمر يختلف عن اليمن، حيث أنّه بمثابة عودة طبيعية للدورة الرياضية، بل إنّه من الممكن في غضون سنوات، أن يستعيد الريادة الرياضية في المنطقة، مثلما كان في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وعلى المستوى السياسي، تتيح عودة العراق وانضمام اليمن إلى البطولة آفاقا جديدة، لاسيما بعد أن تمّت تسوية معظم الملفات العالقة بين تلك الدول. ومثلما جرت العادة عندما يتعلق الأمر بانضمام دول جديدة للتجمعات السياسية على مستوى العالم، مثلما هو معمول به في الاتحاد الأوروبي وغيره، يتوقع مراقبون أن يكون انضمام كلّ من اليمن والعراق لاحقا إلى مجلس التعاون الخليجي مسألة وقت لاغير، لاسيما في زمن التجمعات السياسية القوية. ولعل ما يعزز من هذه التكهنات انتفاء الأسباب السياسية التي أثّرت في الرياضة، وأجّلت كذلك انضمام الدولتين إلى ما يعدّ "فضاءهما الطبيعي."