نقلاً عن الاخبار 20/9/2007 كان علي باشا مبارك أول من افتتح فصولا لمحو الأمية في عهد الخديوي عباس حلمي الأول.. أي ان الحرب ضد الأمية عمرها يزيد علي 150 سنة.. ورغم ذلك فمازالت الأمية تتفشي بيننا هنا وهناك.. مازالت بظلامها تحجب النور عن 30 % من السكان! لهذا فقد حان الوقت بان ننظر حولنا.. نري تجارب الدول الأخري.. ونثبت أننا لسنا أقل من دول مثل كوبا والسلفادور وشيلي وتايلاند وغيرها في تحدي الأمية. وحان الوقت أيضا لمكافحة الأمية باللامركزية.. من خلال دور فاعل للمحافظات.. نصوم عن مكافحتها 'علي الورق فقط' ونقاومها علي أرض الواقع بمساهمات كل فئات المجتع المدني والجامعات. حول اللامركزية جهود محو الأمية والتركيز علي دور المحافظات يؤكد د.رأفت رضوان المدير التنفيذي للهيئة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية: ان التوجه الذي تفضل به الرئيس مبارك في اجتماعه بالوزراء والمحافظين بالقرية الذكية مؤخرا يمثل نقطة فارقة في عمل الهيئة، ويمثل عودة إلي الفصل بين مؤدي الخدمة وبين من يدير ويقيم هذا الأداء.. فالقانون رقم 8 لعام 1991 ركز علي ان دور الهيئة هو التخطيط والتنسيق والمتابعة وأناط بكل مؤسسات الدولة مسئولية التنفيذ لكن الواقع اختلف تماما وانسحبت جميع المؤسسات من أداء دورها في محو الأمية ما عدا وزارتي الدفاع والداخلية وتحملت الهيئة تقريبا مسئولية التنفيذ بالكامل وبالطبع فإن قضية الأمية أكبر من ان تتعامل معها هيئة واحدة فهي قضية تنموية في المقام الأول ترتبط وتتشابك مع قضايا اقتصادية واجتماعية وتستلزم جهودا تكاملية فالقضية قضية تمكين وادماج لثلث سكان مصر في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل فالأمي يحتاج لأكثر من معرفة حروف القراءة والكتابة والأرقام ،وهو ما يستلزم ان يكون من يهتم بشأنه قادرا علي ان يقدم له حلولا متكاملة لمشاكله اليومية بصورة تجعله أكثر ارتباطا بالعملية التعليمية. ولدينا في مصر 16.8 مليون أمي بنسبة 29.3 % من السكان حسب احصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء منهم 5.1 مليون من 15 سنة إلي 35 سنة و8.2 مليون فوق 45 سنة والباقي فوق 10 سنوات. خدمات متكاملة ويضيف د.رأفت رضوان: ان توجيه الرئيس مبارك بخصوص مسئولية المحافظين عن محو الأمية في محافظاتهم يؤكد علي مفهوم تقديم الخدمات المتكاملة لأكثر الفئات تهميشا في المجتمع المصري. وأعتقد ان الفصل بين التنفيذ والمتابعة يضمن وجود اطار تنظيمي كفء قادر علي ان يحقق المصداقية والشفافية في هذه القضية. وبلغة الأرقام يتحدث د.رضوان: ان الأرقام تقول ان الهيئة بإمكانياتها الحالية تستطيع ان تمحو أمية حوالي 450 ألفا إلي 500 ألف أمي سنويا من خلال حوالي 40 ألف فصل لمحو الأمية منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية. ويدير هذه المنظومة قوة عمل تصل إلي 2500 شخص فقط مقارنة بقدرة الإدارة المحلية التي يعمل فيها قرابة 3.5 مليون موظف منهم مليون مدرس. ومن أهم مشكلات محو الأمية في مصر مشكلة التسرب من التعليم ووفقا لبيانات تعداد سنة 2006 تسرب حوالي 320 ألف طالب سنويا يزيد من أعداد الأميين بالاضافة إلي الزيادة السكانية السنوية فتصبح المحصلة النهائية لمحو الأمية ما بين 13 ألفا إلي 18 ألفا شخص سنويا مما يقلل من مستويات الانجاز. أما الطرح الجديد في توجيه الرئيس فيضع مسئولية مشتركة بين قضية التسرب وقضية محو الأمية في يد السلطة التنفيذية الأقرب للمواطن والأكثر مقدرة علي تقديم الخدمة له وهي المحافظة. من يخطط ومن ينفذ؟ وعن مسئولية هيئة محو الأمية في الفترة القادمة يري د.رأفت رضوان ان الهيئة دورها التخطيط والتنظيم والمتابعة فتقوم بتجميع خطط المحافظات حسب اعداد الأميين ويتم وضع الخطة القومية لمحو الأمية، بحيث يبدأ التخطيط من المحافظات. أما توزيع ميزانية تعليم الكبار بين المحافظات فسوف يتم حسب احتياجات كل محافظة بعد تحديد بنود انفاق الميزانية من حيث أجور المعلمين والمكافآت والكتب وغيرها من أوجه الانفاق. ونحن نطالب ان تكون موازنة الهيئة موازنة أداء وفقا للتقدم الذي نحققه في الخطة وهو برنامج كمي يتحدد في إطار تحقيق الهدف ويختلف عن موازنة الانفاق الحالية وهي موزعة علي البنود المختلفة بصرف النظر عن تحقيق الأهداف. فميزانية العام الماضي بلغت 184 مليون جنيه انفقنا منها 104 ملايين فقط لوجود بعض أوجه الانفاق لا نستطيع التصرف فيها مثل شراء السيارات والمباني وهي بنود ممنوعة بقرارات وزارية منعت الانفاق فيها! مشكلة نسائية ريفية وعن دور المجتمع المدني في حل مشكلة محو الأمية يري د.رأفت رضوان: سوف نعتمد في المرحلة المقبلة علي تفعيل دور الجمعيات9 الأهلية وعددها 17 ألف جمعية علي الأقل منها 15 ألف جمعية في القري. والمعروف ان مشكلة الأمية تتركز في الريف والصعيد لذلك فالجمعيات الأهلية أقدر علي الوصول إلي الناس هناك. فهناك قري لا تستطيع كوادرنا ان تدخلها وهناك جمعيات ناشطة جدا ولها تجارب متميزة مثل جمعيات جنوب الصعيد وكريتاس وسلامة موسي والجمعية الشرعية ورابعة العدوية وحواء المستقبل. كما تنجح الجمعيات الأهلية في الوصول إلي السيدات فالأمية مشكلة نسائية لان ثلثي الأميين من النساء. فمن بين 16.8 مليون أمي توجد 11.5 مليون سيدة معظمهن يعشن في الريف لذلك فان مشكلة الأمية نسائية وريفية، لذلك فإن تقديم خدمات صحية واجتماعية ودينية واقتصادية ترقي بالأمي تساعد علي تحرره من الأمية لان مجرد تعلم القراءة والكتابة فقط قد لا يحمس السيدات الريفيات. أما المحافظات التي نجحت في التحرر من الأمية فعلي رأسها دمياط مع ملاحظة ان تعريف 'محافظة بلا أمية' لا يعني مستوي الصفر لان الصفر الافتراضي يعني 7 % وفي الطريق محافظات القناة الثلاث بورسعيد والإسماعيلية والسويس.. وتراقب منظمة اليونسكو معدلات محو الأمية وهي التي تعلن أي محافظة خالية من الأمية. تجارب ناجحة وعن الدول التي نجحت في محو الأمية فهناك تجربة كوبا التي خفضت الأمية بنسبة 60 % خلال سنة واحدة من خلال الاعتماد علي طلبة الجامعات والمدارس. ولدينا تجارب عالمية رائدة مثل تجارب المكسيك وشيلي والسلفادور وماليزيا والصين وتايلاند. التي اعتمدت علي استخدام شباب الجامعات في محو الأمية خلال الاجازات الصيفية أو أثناء العام الدراسي اما ماليزيا فاعتمدت شعار 'يوم لماليزيا' بمعني ان يعطي كل شاب يوما في الاسبوع لخدمة المجتمع ممثلا في محو الأمية واستطاعت ان تخفض الأمية بنسبة 8 % سنويا مع تحديد حوافز ايجابية لتشجيع الأميين علي محو أميتهم. وهناك حوافز سلبية لمن لا ينضم لفصول محو الأمية مثل تقليل الخدمات بمعدلات معينة بعد فترات من السماح لسنوات معينة. سد المنابع ويري محمد الشاذلي خبير التعليم ان مشكلة الأمية في مصر من المشكلات الحادة التي بذلت الجهود المضنية لحلها منذ أكثر من 150 عام من خلال الجمعيات الأهلية والخيرية وكانت الكتاتيب تلعب دورا هاما في تعليم القراءة والكتابة ومباديء الحساب، وامتدت جهود محو الأمية علي المستوي الحكومي والأهلي، ورغم هذه الجهود فلا تزال المشكلة متفاقمة مع اننا نركز علي محو الأمية الابجدية في حين نجد ان دولة كاليابان أعلنت في نهاية القرن الماضي ان من لا يجيد التعامل مع الكمبيوتر ولا يجد لغة أخري غير اليابانية يعتبر اميا!! ويؤكد محمد الشاذلي ان مشكلة الأمية في مصر ستظل قائمة ومتفاقمة حتي بمعناها الضيق التقليدي مهما بذل من جهد. ما لم نستطع سد منابع الامية التي يفرزها قصور التعليم الابتدائي متمثلا في الاطفال الذين لا يلتحقون بالمدرسة الابتدائية في بداية سن الالزام لعدم وجود أماكن لهم في المدارس القريبة أو لظروف اجتماعية أو اقتصادية منعت أسرهم من إلحاقهم بالمدارس وتقدر هذه النسبة ما بين 3 % إلي 5 % ، وهناك الاطفال الذين يلتحقون بالمدرسة الابتدائية ثم يتسربون من التعليم وتصل نسبتهم بين 10 % إلي 15 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية، وترتفع نسبة التسرب بين الاناث خاصة في الريف، أما المرتدون فهم الصبية الذين حصلوا علي خدمة تعليمية ناقصة ولم يستكملوا مرحلة التعليم الأساسي ولم يصلوا إلي المستوي الوظيفي للتعامل مع الورقة المكتوبة مما يعرضهم إلي الارتداد للامية مرة اخري. تطوير التعليم لهذه الأسباب يؤكد محمد الشاذلي خبير التعليم ان سد منابع الأمية هو خط الدفاع الأول لعلاج مشكلة الأمية مع الاهتمام بتحسين وتجويد التعليم الاساسي وتطوير مناهجه، مع تفعيل التشريعات الخاصة بإلزام جميع الاطفال ذكورا واناثا في الريف والحضر بالالتحاق بالمدارس في السن القانونية، والمساهمة في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تساعد الأسر الفقيرة علي تفضيل ارسال أطفالها للمدارس بدلا من الدفع بهم لسوق العمل وهم صغار لزيادة دخل الأسرة، وتفعيل المشروعات الصغيرة بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية لرفع المستوي الاقتصادي للاسر الفقيرة وربطه بمحو أمية أفرادها. حتي نرتفع بالمستوي الاقتصادي والثقافي للأسرة كلها. ولكي نضع خطة فعالة لمحو الأمية يجب ألا يقتصر دور الهيئة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية علي التخطيط ووضع المناهج وتوفير الكتب ومنح الشهادة. ولكني يجب ان يتعداها إلي متابعة التنفيذ لضمان جدية جهود محو الأمية مع نقل مسئولية التنفيذ للمحافظات وتشجيع جهود منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والاحزاب السياسية العاملة في هذا المجال. الأرقام تتكلم أما د.إبراهيم محمد إبراهيم مدير مركز تعليم الكبار بجامعة عين شمس فيري ان نسبة انخفاض اعداد الأميين من 49 % إلي 29 % بنسبة 20 % بمعني 1 % سنويا هي نسبة شديدة التدني لان حجم المشكلة متزايد ففي حين نجد ان التقديرات المحلية لأعداد الأميين حسب الاعداد المطلقة بحوالي 17 مليون أمي نجد ان هيئات دولية لها ثقلها الدولي مثل اليونسكو قدرت اعداد الاميين في مصر بحوالي 40 مليونا. وبحسبة بسيطة فإن النسبة المعلنة للأميين حسب احصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وهي 29.7 % أي حوالي 30 % من تعداد السكان البالغ 76 مليونا نجد أن عدد الأميين أقرب إلي تقديرات الهيئات الدولية!. محو الأمية في 4 شهور ويؤكد د.إبراهيم ان تاريخ محو الأمية في مصر يعود إلي 150 عاما مضت عندما افتتح علي باشا مبارك فصولا لمحو الأمية في عهد الخديو عباس حلمي الأول عام 1850 ولكي نواجه هذه المشكلة يجب الاعتماد علي الاتجاهات الحديثة في محو الأمية وأهمها الطريقة الثلاثية لمحو الأمية في 4 شهور التي طبقت بنجاح في تونس وطبقناها في جمعية العشيرة المحمدية بتمويل من المجلس القومي للطفولة والأمومة وتمكنا من محو أمية 200 شخص خلال عام واحد بنسبة نجاح 93 % ، وتمت تجربة نفس الطريق في السودان في منطقة الجزيرة عام 2005 وبعد نجاحها سيتم تعميمها في السودان كله ولهذا سأسافر خلال أيام للاشراف علي التجربة. وكنت أتمني ان اطبقها في مصر علي نطاق واسع فالتركيز علي محو أمية الشخص بتعليمه القراءة والكتابة لا يكفي لان الكثيرين منهم يرتدون إلي الأمية مرة أخري، المهم قضية 'التمكين' وهي أحدث اتجاه عالمي بمعني تغيير حياة الأمي إلي الأفضل اقتصاديا واجتماعيا حتي لا يرتد للأمية. أما آليات حل مشكلة الأمية في مصر فتتركز في رأي د.إبراهيم محمد إبراهيم علي: اللامركزية في جهود محو الأمية والاستعانة بالمحليات بالمحافظات تحت إشراف مجلس أو هيئة من المتخصصين في محو الأمية وتعليم الكبار لتقدير معدلات الأداء. وليس من المصلحة العامة إلغاء هيئة تعليم الكبار الحالية بل لابد من وجودها كجهة للاشراف والتوجيه والتنسيق والمتابعة مع الاعتماد علي مؤسسات المجتمع المدني في جهود محو الأمية ولدينا العديد من التجارب الناجحة في هذا المجال مثل جمعية العشيرة المحمدية وجمعية رابعة العدوية وجمعية حواء المستقبل، وحصر اعداد الاميين بكل قرية ومحافظة بشكل علمي متكامل وفق الاتجاهات العلمية المعاصرة ودون الاعتماد علي احصاءات أي جهات اخري. ومن الضروري الاهتمام بالنظر لتعليم الكبار كمنظومة متكاملة وليس محو الأمية فقط ولكن كوسيلة للنهوض بحياة ثلث المجتمع المصري علي الأقل. فالأمية وضعتنا في مكانة متدنية في تقرير التنمية البشرية العالمي. وينبغي ان نجتهد لنحتل المكانة التي تستحقها مصر صاحبة الحضارة العريقة.