اكتملت إهانة مصر بالتصويت على الدستور الذى يرفضه جميع المصريين، واستمرت جلسة سلق الدستور حتى الفجر، لكى تنتهى الجمعية التأسيسية التى زعم مرسى فى إعلانه الديكتاتورى أنه سيمدها شهرين، وإذا بهم ينهون فى يوم وليلة الدستور فى أسرع وقت يمكن أن يحدث. اكتملت إهانة مصر، بإصرار مرسى على أن يظل رئيسا لفصيل معين ولجماعة معينة يدين لها بالولاء والطاعة، ولم يكن -كما زعم- رئيسا لكل المصريين، بل ولاؤه بالكامل لفصيل واحد يريده أن يحكم البلد، وأن يضع دستورا على مزاجه، وكما يريد.
اكتملت إهانة مصر بغياب الكنيسة عن «التأسيسية»، وهو ما يعنى غياب فصيل مهم فى الحياة المصرية وفى المجتمع المصرى وأحد مكونات الشخصية المصرية والبنية الأساسية للمجتمع المصرى، فلأول مرة فى التاريخ يوضع دستور لا يشارك فيه الأقباط. اكتملت إهانة مصر، بإصرار مرسى على أن لا يسمع لأحد إلا ذاته وجماعته فقط، عندما أصَمَّ أذنيه عن كل ما حوله، فلم يرَ المليونية التى كانت فى التحرير، وفى كل المحافظات، وأصرَّ أن يكمل ديكتاتوريته حتى النهاية، رافضا أن يدخل فى حوار مع القوى المدنية، أو يسمع لهم ما يقولون، أو يستمع إلى نصائحهم التى تريد بناء دولة مدنية، تقوم على مبادئ المساواة والديمقراطية والحرية.
اكتملت إهانة مصر، بإصرار الإخوان على المضى فى غيهم، ومن خلفهم التيارات الإسلامية، بعد أن أصرُّوا على التصويت للدستور، دون حتى أن يستمعوا إلى أصوات المتظاهرين فى الخارج الذين يرفضون هذا الدستور وهذا الإعلان الدستورى وهذه الجمعية التأسيسية.
اكتملت إهانة مصر عندما لم يستمع مرسى إلى بقية القوى المدنية التى وعدته بدستور متكامل، لكنه لم يسمع حتى لهذا، وأصر أن ينهى دستوره، ودستور جماعته الذى يرسخ لحكمه وديكتاتوريته وحكم جماعته وديكتاتوريتها، ضاربا عرض الحائط بكل ما يقال. لم يكلف مرسى خاطره حتى أن يسمع ما يقول الآخرون، وهذه هى سِيماء الديكتاتور فى كل مكان وزمان، لا يسمع إلا نفسه، ولا يرى إلا ذاته، ولا ينصت إلا لمن حوله من جوقة تزين له ما يفعل وتؤكِّد له أنه على صواب حتى لو كان على خطأ.
لقد أخطأ مرسى فى حق الوطن، وأخطأت جماعته فى حق كل المصريين، فلا يظنّ أن الشعب الذى ثار على أعتى الأنظمة الديكتاتورية، وأسقط نظام مبارك فى 18 يوما، سيسمح له بأن يمرر دستوره، أو يمرر ما يريد أن يفعله فى غفلة من المصريين. إن ديكتاتورية مرسى وإصراره على أن يفعل ما يفعل على الرغم من رفض كل المصريين رفعت سقف المطالب فى كل مصر، فبدلا من أن يطالب الناس بإسقاط الإعلان الدستورى فقط، أو الجمعية التأسيسية فقط، أصبحوا يطالبون بإسقاط مرسى شخصيا، وإسقاط جماعته، وإسقاط مرشده. ولم يعد غريبا أن يكون الهتاف الأشهر الآن فى ميدان التحرير هو «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«ارحل»، و«يسقط يسقط حكم المرشد»، إنها الشعارات ذاتها التى رفعها المصريون فى أثناء ثورة يناير، لو أن مرسى يتذكر ذلك، ولو أن جماعته لم تنسَ، لكن يبدو أن للكرسى طغيانا كبيرا، ينسى من يجلس عليه وقائع التاريخ حتى لو كانت قريبة.
لم ينسَ الشعب المصرى أنه أسقط ديكتاتورًا من قبل، وهو على يقين أنه سيسقط أى ديكتاتور آخر لا يريد أن يستمع إلى صوت الشعب، وهتافه ورغبته فى الحفاظ على دولته من حكم المرشد. بإمكان مرسى أن يفتح التليفزيون، أى قناة، ليرى الملايين فى الشارع يهتفون بسقوطه، وبرحيله، وبسقوط جماعته وبرحيلها، لكى يعرف ماذا فعل بمصر وبالمصريين، وأى انقسام أحدثه إعلانه الدستورى وتأسيسيته فى الشارع.
إن الأجواء التى نحياها الآن هى أجواء ثورة ثانية، لن تنتهى إلا بسريان كلمة الشعب على الجميع، على مرسى، وعلى جماعته، وعلى إعلانه الدستورى، وعلى جمعيته التأسيسية، لأن الشعب عندما يتكلم يجب على الجميع أن ينصت وأن يستمع.
لقد أهان مرسى مصر، وأهان المصريين، لكن مصر لن تقبل بذلك مجددا، ولن يقبل المصريون الذين يهدر صوتهم بسقوط مرسى وإعلانه الدستورى بأن يأتى من ينصِّب نفسه عليهم ديكتاتورا مرة أخرى. فالكلمة فى البداية والنهاية ستكون للشعب، لا لأحد آخر.